دايمون في «الجنّة».. الخيال العلمي ودراما الطبقات
ربع قرن أمضاها الأميركي مات دايمون في بلاتوهات التصوير السينمائي، متدرّجاً من مبتدئ إلى شهرة ونجومية واضحتين. ابن الأعوام الـ43، بات اليوم وجهاً مطلوباً في أفلام مائلة، غالباً، إلى الأكشن بوجهيه الاستخباراتي والإجراميّ.
ربع قرن، ومات دايمون مستمرٌّ في تقديم أنماط مختلفة من الأفلام، آخرها «الجنّة» لنل بلومكامب و«رجال الآثار» لجورج كلوني. كان في الثامنة عشرة من عمره فقط عندما مثّل للمرّة الأولى، هو القادم إلى السينما من دراسة المسرح والآداب في جامعة «هارفرد». في العام 1988، ظهر ممثلاً في فيلمين اثنين: «ميستيك بيتزا» لدونالد بيتري، و«والأم الطيّبة» لليونارد نيموي. لكن «ويل هانتنغ الطيّب» (1997) لغاس فان سانت شكّل المنعطف الأساسي في مسيرته الفنية، واضعاً إياه في واجهة المشهد السينمائي الأميركي، بفضل براعته في تأدية دور الشاب الألمعيّ والذكيّ، المختبئ في شخصية عامل تنظيفات في إحدى المدارس الثانوية، كما بإبداعه الجميل في كتابة سيناريو هذا الفيلم بمشاركة صديقه بن أفلك، الذي شاركه التمثيل في الفيلم نفسه، كتابتهما السيناريو عادت عليهما بالفائدة: «أوسكار» أفضل سيناريو أصلي في دورة العام 1998، علماً أن روبن ويليامز نال جائزة «أوسكار» أفضل ممثل ثان عن دوره فيه كطبيب نفسيّ.
«الجنّة» منتمٍ إلى فئة أفلام الخيال العلمي التي تدور أحداثها في المستقبل البعيد نسبياً، والثاني يعود إلى الماضي القريب، ليروي حكاية مجموعة من الرجال يسعون إلى استعادة آثار مهمّة من أيدي النازيين، وهو مقتبس عن كتاب بالعنوان نفسه وضعه روبرت أم. أدزل في العام 2009، ارتكز على قيام الرئيس الأميركي دوايت أيزنهاور بتشكيل فرقة «رجال الآثار»، في العام 1944، لمرافقة جنود الحلفاء بهدف استعادة تلك الآثار التي سرقها النازيون.
يذهب «الجنة» (Elysium) بأحداثه وشخصياته ومشاهديه إلى العام 2154، إلى محطّة فضائية تُدعى «الجنّة»، تُقيم فيها الجماعات الثرية جداً، بينما يبقى الفقراء على الأرض المكتظّة بالسكّان، فيحاول بعضهم الهرب إلى أمكنة أفضل. لكن ماكس (مات دايمون) يبدو الشخص الوحيد القادر على إقامة مساواة ما بين هذين العالمين. كيف؟ وما هي الوسائل المتبعة لتحقيق هذا الأمر، والتحدّيات الجمّة المفروضة عليه؟ هذه تفاصيل مبثوثة في طيات سيناريو مشوّق، يطرح الإجابات خلال سياق درامي متنوّع الاتجاهات، وإن خضعت كلّها للتشويق والصراعات، يمتدّ لساعتين اثنتين.
ردّاً على سؤال حول سبب كون أفلام الخيال العلمي كئيبة وسوداوية، كما في «الجنّة»، كأن تصوير الحياة الجميلة واللطيفة والهادئة والمسالمة في المستقبل «أمر مملّ» في صناعة السينما، قال دايمون إن الركيزة الأساسية في كل حكاية كامنةٌ في حاجة هذه الحكاية إلى «نزاعات» معيّنة بين طرفين أو أكثر: «في هذا الفيلم، هناك نزاع بين الأثرياء والفقراء. أفلام الخيال العلمي تنبثق كلّها من أرواح أو أفكار قلقة. إذا كان المستقبل لطيفاً، أعتقد أننا لن نعثر على مواد درامية لصناعة الأفلام». بهذا المعنى، هل يُمكن القول إن نل بلومكامب أحد هؤلاء السينمائيين ذوي العقول القلقة؟ أجاب دايمون: «أول أمر أخبرني إياه نل عند لقائنا معاً للبحث في مشروع «الجنّة»، كان متعلّقاً بطفولته. فهو نشأ في بلد منتم إلى العالم الثالث، ثم انتقل إلى بلد منتم إلى العالم الأول (وُلد المخرج في «جوهانسبورغ» في جنوب أفريقيا، في الســابع عشر من أيلول 1979، قبل أن ينتقل إلى كندا، علماً أن «الجنّة» هو فيلمه الروائي الطويل الثاني فقط، بعد «المنطقة التاسعة» الذي حقّقه في العام 2009). هاجر إلى المدينة الكندية «فانكوفر» عندما بلغ الثامنة عشرة من عمره. حياته التي أمضاها في هذين البلدين المتناقضين تماماً صنعته كلّياً. هذه المواد الدرامية حاضرة بوضوح في فيلميه الاثنين هذين. يستعين بالخيال العلمي للتعبير عن نفسه لأنه يعشق هذا النوع السينمائي».
نديم جرجورة
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد