دراسة: أسس نمو الخليج "واهية" وتقوم على النفط والأجانب
قرعت دراسة اقتصادية تناولت مستويات الإنتاجية في اقتصاديات دول الخليج ناقوس الخطر بالنسبة لفرص الحفاظ على النمو الدائم، إذ أشارت إلى تراجع معدل الإنتاج في الساعة على مستوى كل القطاعات، باستثناء النفط، الذي قالت إن الاعتماد المفرط عليه للنمو يشكل "أساسا واهياً."
وقالت الدراسة إن النسبة الأكبر من النمو الحاصل في الخليج سببه زيادة عدد العمال، وخاصة الأجانب، وليس إنتاجيتهم، وقالت إن دول المنطقة تنوّع اقتصادياتها باتجاه قطاعات غير منتجة، كالبناء والخدمات التي "تعطي انطباعاً ظاهرياً بالرفاه،" ودعتها إلى إجراء إصلاحات سريعة في هياكل المؤسسات وأسواق العمل تحت طائلة الفشل في مواصلة النمو.
وقال التقرير الذي أعدته مؤسسة "الكونفرنس بورد،" وهي منظمة عالمية للأبحاث والأعمال، بالتعاون مع "مؤسسة الخليج للاستثمار" ونُشر الأربعاء إن مستويات الإنتاجية في اقتصاديات منطقة الخليج "تتسم بأنها متواضعة أو متدنية مقارنة بمناطق أخرى في العالم، كما أن الاعتماد الزائد على النفط والغاز يشكل تهديدا لمستقبل النمو الاقتصادي."
وتظهر الدراسة، التي جاءت بعنوان "النمو خارج نطاق النفط"، أن معدل الإنتاجية في الساعة الواحدة قد تراجع نسبياً بنحو 0.2 في المائة في دول مجلس التعاون الخليجي بين عامي 2000 و2007، وذلك بعد استثناء قطاع النفط والغاز.
وتحذر الدراسة من أن الاعتماد المبالغ فيه على الموارد الطبيعية القابلة للنضوب يشكل "أساساً واهياً" لا يمكن الاعتماد عليه لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، بل سيؤثر سلباً على بقية القطاعات الاقتصادية، مثل قطاعي التصنيع عالي الإنتاجية والخدمات المالية.
كما تلفت إلى ظاهرة "إنفاق الكثير من عائدات النفط والغاز على قطاع البناء والعقارات الذي يتميز بإنتاجية منخفضة، والذي يعطي انطباعاً ظاهرياً بالرفاه الاقتصادي."
وقالت الدراسة: "إذا ما أرادت المنطقة تحقيق ارتفاع في مستويات المعيشة لسكانها على المدى البعيد، فإنه لا بد لها من التغلب على المعوقات المؤسسية (التي تحول دون الاستخدام الأمثل للموارد بهدف زيادة الإنتاجية)، كما أن عليها إتباع سياسات تؤدي إلى التركيز على الكفاءة والمهارة في سوق العمل، وذلك لضمان تزويد هذه السوق بقوة عاملة مؤهلة وفاعلة وطنية أو خارجية.
وعن السيناريوهات المحتملة في حال فشلت دول الخليج في معالجة هذا الوضع، قال أندرو تانك، المدير التنفيذي لمؤسسة "كونفرس بورد": "أعتقد أن السيناريوهات المطروحة تظهر بوضوح أن هذه المنطقة إذا عالجت مشاكلها المؤسساتية وعالجت أوضاع سوق العمل فقد تكون من بين أسرع الأسواق نموا في العالم، وقد تقارب دول BRIC، أي الصين والهند وروسيا والبرازيل."
وأضاف: "أما إذا فشلت في تحقيق ذلك فستنحدر إلى مستوى سائر الدول النامية، وسيكون من الصعب لها توفير وظائف منتجة للشباب الكثر الذين سيدخلون سوق العمل، طبعاً هناك خط وسطي، سيبرز إذا ما طبقت هذه الدول بعض الإصلاحات، لكن لا بد لها من إصلاح هذه الأمور لضمان النمو الدائم."
ولدى سؤاله عن احتمال أن تكون الدراسة التي أعدتها مؤسسته قد أظهرت فشل خطط تنويع الاقتصاد التي كلّفت الخليج الكثير من الأموال، وتبددت بالتالي فرص الاستفادة من الطفرة النفطية الحالية قال: "هناك فوائد بتنويع الاقتصاد، ولكن التحدي يكمن في اختيار القطاعات المنتجة، القطاعات المالية منتجة، ومن المهم الدخول إليها في مرحلة معينة، لكن يجب ضمان أنها منتجة بقوة."
وتابع: "هناك قطاعات أخرى مثل التصنيع الذي يقدم فرصا كبيرة بسبب تدني التكلفة، إلى جانب قطاع الصناعات النفطية، والقطاع الأبرز التي يمكن التفكير فيه هو الخدمات، وأعني به القطاع المالي والسياحي ومبيعات التجزئة والسفر والتي يمكن لها أن توظف الكثير من الناس، وما نقوله هو أن التنويع خيار صائب، لكن يجب الاتجاه نحو القطاعات المنتجة."
ووفقاً للدراسة، فإن النمو الاقتصادي في الخليج، والذي قارب معدل 5.1 في المائة سنوياً منذ عام 2000، "يعود إلى الزيادة في القوة العاملة، خاصة المستوردة، ولا يعكس زيادة في الإنتاجية. فقد ارتفع معدل الإنتاج بالساعة (مع احتساب قطاع النفط والغاز) منذ عام 2000 بنسبة ضئيلة بلغت 1 في المائة سنوياً، وهذا أقل بكثير مما حققته الهند 4.9 في المائة، والصين 10.5 في المائة، وحتى الولايات المتحدة الأمريكية 1.4 في المائة، وأوروبا 1.5 في المائة.
ولفت التقرير إلى وجود فروق ملحوظة في أداء الإنتاجية بين دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تشهد الدول الخليجية الأصغر والأكثر تنوعاً، مثل البحرين وسلطنة عُمان أداءً أفضل من مثيلاتها التي تظهر اعتماداً أكبر على النفط والغاز، وهي الإمارات والسعودية والكويت وقطر.
وتشير الدراسة إلى مواطن الخلل في سوق العمالة وأيضا انخفاض الكفاءة التشغيلية والتي تؤدي إلى تلاشى أي مكاسب يتم تحقيقها جراء التقدم التقني، وعلى الأخص، فإن الافتقار إلى الكوادر البشرية الماهرة في المنطقة يشكل التحدي الأكبر أمام نمو الإنتاجية على المدى البعيد.
وقال بارت فان آرك، كبير الاقتصاديين في "كونفرنس بورد"، والمؤلف الرئيسي للدراسة، والذي تحدث من نيويورك عبر الانترنت إن "سجل الإنتاجية المخيب للآمال يطغى على الأداء الاقتصادي الإيجابي الذي حققته دول مجلس التعاون الخليجي. ويكمن الخطر الحقيقي في أن هذه الدول ستغدو عاجزةً في المستقبل عن تطوير الخبرات المحلية الضرورية أو استقدام العدد المناسب من الخبرات الخارجية في ضـوء الاختلالات الحالية في سـوق العمل."
وتابع أن الدراسة أثبتت بأن مستوى الإنتاجية في الخليج "ضعيف ويعتمد على العمالة الأجنبية وأسعار النفط،" التي قال إنها لا يمكن أن تشكل مرتكزاً للنمو، خاصة وأن قابلية الحفاظ على أسعار النفط تبدو منخفضة مع السعي نحو مصادر بديلة للطاقة، محذراً من أن تراكم الثروة سيزيد الطلب على الخدمات الأمر الذي سيضاعف نمو قطاع الخدمات غير المنتج.
وحث الخبير الدولي حكومات الخليج التي تقوم بتنفيذ سياسات التوطين على تقديم الخبرات الكافية على المستويات العلمية والتقنية لأبنائها الراغبين بدخول سوق العمل لجعلهم بمهارة العمال الأجانب.
المصدر: CNN
إضافة تعليق جديد