دمشق: «الوجود الإيراني» قرار سوريّ ..«معركة الجنوب» رهن مسار «المصالحات»
مع انتهاء العمليات العسكرية في محيط العاصمة دمشق وكامل وسط البلاد، واحتمالات عودة المعارك إلى المنطقة الجنوبية، طغى الحديث عن انسحاب القوات الإيرانية على باقي تفاصيل المشهد السوري. وبرغم أن التصريحات الروسية التي تحدثت عن ضرورة انسحاب القوات الأجنبية من سوريا، ليست بجديدة وسبق أن خرجت بصيغ ومناسبات عديدة، إلا أن توقيتها عقب تصعيد أميركي ــ إسرائيلي تجاه إيران، طرح تساؤلات عن حقيقة الموقف الروسي من هذه القضية بالتحديد. السياق المتصاعد لتفسيرات التصريحات الروسية بدأ بعدما أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لنظيره السوري بشار الأسد، في سوتشي، ضرورة انسحاب القوات الأجنبية «مع بدء انطلاق التسوية السياسية»، ليتعمّق مع تعليقات لديبلوماسيين في موسكو وطهران في الشأن نفسه.
وبالتوازي، كان الموقف السوري واضحاً في هذا السياق، عبر تأكيد أحقية دمشق في اتخاذ القرارات السيادية المعنية بوجود قوات أجنبية على أراضيها. وهو ملفٌّ ربطته الحكومة مرّات عديدة بعمليات «مكافحة الإرهاب»، التي تنتهي بتحرير كل الأراضي السورية، على حد ما عبّر مسؤولوها في أكثر من مناسبة. وبعد اللقاء الرئاسي في سوتشي، استقبل الأسد أمس في دمشق، المبعوث الخاص الروسي ألكسندر لافرنتييف، لنقاش القضايا المرتبطة بمسار «التسوية»، وعلى رأسها ملف «اللجنة الدستورية». وفيما لم يرشح أي تفاصيل حول تطرق الطرفين إلى النقاش الدائر حول «الانسحاب الإيراني»، أكد نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، في مقابلة مع وكالة «نوفوستي» الروسية، أن القوات العاملة مع الجيش السوري، بمن فيها حزب الله والخبراء الإيرانيون، تعمل «بتنسيق تام مع الدولة السورية في الحرب على الإرهاب»، مشككاً في أن تكون التصريحات الروسية قد قصدت «القوى التي دخلت بشكل مشروع».
وبعد تأكيد من دمشق لمواصلة «الحسم الميداني»، تتجه الأنظار إلى المنطقة الجنوبية في سوريا، التي يبدو أنها مرشحة لتشهد تطورات ميدانية خلال الفترة المقبلة، خاصة مع حساسية الوجود الإيراني هناك لحلفاء الولايات المتحدة الأميركية.
وتشير المعلومات الأولية إلى أن الجانب الروسي بدأ مفاوضات مع عدد من ممثلي بلدات ريف درعا الشرقي، للتوصل إلى اتفاقات «تسوية»، تحيّد مناطقهم عن أي عمليات عسكرية محتملة. وجاء ذلك بعد إلقاء الجيش منشورات، عدة مرات خلال الأسبوع الماضي، على عدد من تلك البلدات، تطالب أهلها بالانضمام إلى المصالحات وإتاحة عودة المؤسسات الحكومية. التوجه نحو «المصالحة» أكده نائب وزير الخارجية في مقابلته المنشورة أمس، إذ أشار إلى رغبة بلاده في إنجاز مصالحات على غرار «من دون إراقة أي دماء» على غرار ما جرى في ريف حمص الشمالي، في كل من المنطقتين الجنوبية (درعا والقنيطرة) والشمالية (إدلب وريف حلب).
وأضاف أنه إذا رفض المسلحون التسوية «لن يكون أمام الجيش سوى السعي لتحرير تلك المناطق». الأمر نفسه حضر في حديث السفير الإيراني لدى الأردن، مجتبى فردوسي بور، لصحيفة «الغد» الأردنية، قال فيه إن الجانبين السوريين والروسي يجريان «اتصالات ومحاولة لإجراء مصالحات في منطقة الجنوب ودرعا، بما يضمن عودة السيادة السورية على كل الأراضي السورية وتوفير طريق خروج آمن للقوى المسلحة ومن يريد إلى إدلب أو غيرها». ورأى أنه إذا فشلت الاتصالات، فقد يلجأ الجيش السوري، بدعم روسي، إلى «عملية عسكرية لتطهير الجنوب»، مشدداً على أنه «لن يكون لإيران أي دور أو مشاركة بمثل هذه العملية ــ إن حصلت ــ تماماً كما لم يكن لنا دور بعملية الغوطة ودوما ودمشق».
الإشارة إلى غياب الدور الإيراني عن العملية المرتقبة في الجنوب، قابله تأكيد روسي لمشاركة إيرانية لافتة في نقاط المراقبة في الشمال. إذ كشفت القوات الروسية عن خريطة لتلك النقاط على خطوط التماس المحيطة بمنطقة «خفض التصعيد» في إدلب وريف حلب. وأظهرت وجود 7 نقاط مراقبة إيرانية تتمركز خمسة منها في ريف حلب، واثنتان في ريف حماة وريف اللاذقية، وإلى جانبها 10 نقاط روسية، مقابل 12 نقطة تركية في جانب الفصائل المسلحة. وجاء هذا الكشف ليعزز «شرعية» الوجود الإيراني من وجهة نظر التعاون الثلاثي المشترك، الروسي ــ التركي ــ الإيراني، في أستانا.
ومن المحتمل أن تكون هذه القضية حاضرة في اللقاء المقبل بين وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، ونظيره التركي مولود جاويش أوغلو، الأسبوع المقبل، ضمن إطار الجهود الأميركية للضغط على إيران. وفي السياق نفسه، أكد وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، أن على روسيا، خلال الزيارة المرتقبة للرئيس إيمانويل ماكرون لنظيره بوتين، توضيح موقفها من قضية سحب القوات الأجنبية من سوريا، وتحديد «أي القوات قصدت» في تصريحاتها الأخيرة.
الأخبار
إضافة تعليق جديد