دمشق أمام تحدّي «الجنوب»: طريق شائكة لإحياء التسويات

08-07-2021

دمشق أمام تحدّي «الجنوب»: طريق شائكة لإحياء التسويات

لم تكن حادثة منطقة زاكية في الغوطة الغربية لدمشق في منتصف آذار الماضي، مجرّد حدث أمني عابر في المنطقة الجنوبية، لكن صحوة الأجهزة الأمنية والجيش السوري منعت استهداف مراكز حسّاسة في العاصمة كان ينوي انتحاريون تفجير أنفسهم فيها، ليُقتل خلال العملية 3 مسلّحين ويُلقى القبض على 3 آخرين. أظهرت المعطيات لاحقاً أن تحرُّك الخلية المُستهدفة تركّز في قطاع ريفَي القنيطرة ودمشق المتداخلَين إدارياً، لكن يبقى أن عمليات الاغتيال والاستهداف المتفرّقة التي يشهدها القطاع المذكور لا ترقى إلى مستوى الفلتان الأمني المُسجّل في ريف محافظة درعا.

وما مردّ ذلك إلّا التفاهمات بين الدولة السورية ووجهاء التسوية في القنيطرة وريف دمشق، والتي رسمت خطوطاً عريضة منعت استنساخ تجربة درعا، على رغم الضغط الكبير من قِبَل المجموعات المسلّحة التي لا تزال تمتلك حضوراً كبيراً في عموم الجنوب السوري. في هذا الإطار، يعتبر قائد قوات «فوج الجولان» الرديف للجيش السوري، خالد أباظة، أن «وعي المجتمع المحلّي في القنيطرة ساهم بشكل كبير في الحدّ من الخروقات الكبرى، لكن حوادث الاغتيالات الفردية التي تُنفّذ في المحافظة بدعم وتمويل من مسلّحي جاسم وطفس في درعا، لا يمكن وقفها بشكل نهائي بعد».

وتشهد قرى وبلدات عدّة في القنيطرة، منذ ما بعد الانتخابات الرئاسية، جهوداً مكثّفة لإعادة إحياء التسوية، ومعالجة المشكلات التي لا تزال تعترض إتمامها. وهي جهود تتركّز حالياً على قرى ريف القنيطرة، لقطع الطريق على أيّ محاولة من قِبَل المسلّحين لإشعال المنطقة على غرار ما يجري في درعا. لكن هؤلاء لا يكادون يهدأون، إذ عمدوا إلى استهداف أحد وجهاء المصالحة في القنيطرة، المدعو ضرار البشير، بعبوة ناسفة ما أدّى إلى إصابته بجروح بالغة. وكان البشير يشغل منصب محافظ «القنيطرة الحرّة» أثناء سيطرة «جبهة النصرة» والفصائل الأخرى على المنطقة، لينتقل بعد صيف 2018 إلى العمل في مجال الوساطة والمصالحة بالتعاون مع الحكومة السورية. كما تولّى أخيراً مرافقة حافلات المسلّحين الخارجين من بلدة إمباطنة إلى الشمال السوري. وتفيد مصادر «الأخبار» بأن «البشير تلاسن مع قادة الفصائل الموالية لأنقرة في ريف حلب، بسبب شتمه الرئيس التركي عند أحد المعابر التي تسيطر عليها هذه الفصائل، ولم تتمكّن الحافلات حينها من دخول ريف حلب ليصار إلى تحويلها باتجاه ريف إدلب»، الأمر الذي زاد من حدّة الاستياء منه، وشكّل دافعاً إلى محاولة قتله.

درعا لا تعرف الهدوء

مَثّل توتّر الأجواء في درعا، ليلة الانتخابات الرئاسية في أيار الفائت، انعكاساً لما يجري في هذه المحافظة من تصعيد واغتيالات تستهدف شخصيات حكومية سورية، أو عناصر تسوية، أو عسكريين في القوى الأمنية والشرطية، منذ سنتين تقريباً. وحصدت الاغتيالات، التي يتركّز أغلبها في ريف درعا الغربي على مقربة من الحدود الأردنية، خلال شهر حزيران فقط، 12 قتيلاً من مدنيين وعسكريين. وعلى الرغم من إنجاز الانتخابات في بعض مناطق المحافظة كمركز مدينة درعا وجزء من ريفها الآمن، إلا أن رفضاً تامّاً للانتخابات سُجّل في معظم الريف الداخل في اتفاق التسوية، ليتمّ نقل الصناديق المُخصَّصة لهذا الريف إلى مناطق أكثر أمناً. وفيما يبدو لافتاً الصمت الرسمي والإعلامي حيال التطوّرات في ريف درعا، يشير الانطباع العام إلى أن التهدئة لا تزال تصبّ في مصلحة جميع الأطراف في الوقت الراهن.

ومن هنا، تشهد المحافظة الجنوبية جهوداً روسية وسورية مشتركة، من أجل إعادة تحريك ملفّ المصالحات، وإقناع المسلّحين بتسليم أسلحتهم الفردية لإنهاء حالة الفلتان الأمني في أجزاء واسعة من المحافظة. وفي هذا السياق، عُقدت اجتماعات عدّة بين الجانب الروسي واللجنة المركزية في درعا التي تتولّى التفاوض مع الدولة السورية باسم تجمّعات عدّة تضمّ مسلّحي المنطقة الجنوبية، لكنها لم تثمر نتائج جدّية. وأوضحت مصادر مطّلعة على سير المباحثات، لـ«الأخبار»، أن «المسلّحين يرفضون رفضاً قاطعاً تسليم أسلحتهم الفردية التي يستخدمونها للحماية الذاتية بحسب زعمهم»، وهم يصفونها بـ«ورثة الآباء». وفي المقابل، تُمدّد الحكومة السورية المهلة الزمنية الممنوحة للمسلحين للتجاوب، من دون أيّ إجراء عسكري حقيقي على الأرض. لكنها استقدمت، خلال الأيام الماضية، تعزيزات عسكرية إلى المنطقة، ورفعت السواتر الترابية، مع الإبقاء على مدخل واحد من اتجاه حيّ سجنة في مدينة درعا، بهدف ضبط الحالة الأمنية والحدّ من عمليات الاغتيال والتفجيرات، و«ليس بهدف الحصار»، كما أكد رئيس لجنة المصالحة، حسين الرفاعي، في حديثه إلى «الأخبار»، معتبراً أن «التسوية غير العادلة التي أُبرمت صيف 2018، هي التي أتاحت للمسلّحين في درعا البلد الحفاظ على أسلحتهم»، مُحمّلاً الجانب الروسي مسؤولية ذلك، «باعتباره طرفاً راعياً للاتفاق». وأشار الرفاعي إلى أن «المماطلة أوصلتنا إلى طريق مسدود، وبقيت الأسلحة الفردية مع الفصائل، بالإضافة إلى بعض الرشّاشات والصواريخ المضادّة للدروع».

وفي آخر تطوّرات مسلسل الاغتيالات، قُتل القيادي السابق في فصيل «جيش اليرموك»، عارف الجهماني، وأُصيب نجله، إثر تعرّضه لكمين مسلّح أثناء تنقّله في الريف الشرقي لدرعا بين صيدا والغارية. والجهماني، مُتّهم من قِبَل المسلّحين بالعمل لصالح «حزب الله» اللبناني، وهو، بحسب ادّعاءاتهم، يجنّد أشخاصاً للعمل ضمن تشكيلات عسكرية تابعة للحزب في المنطقة الجنوبية. وكان الجهماني قد تعرّض سابقاً لأربع محاولات اغتيال باءت جميعها بالفشل، وقُتل نتيجتها أحد أبرز مرافقيه المدعو أيّوب الشعابين. مع ذلك، لا تتوافر أيّ معطيات جادّة وحقيقية حول طبيعة عمل الجهماني في المنطقة، ولربّما أُريدَ من اغتياله وسوق هذه الاتهامات له، لفت النظر إلى نشاط مزعوم لـ«حزب الله» في الجنوب، تماشياً مع الرواية الإسرائيلية التي تُكرّر الحديث عن خطر وجود الحزب على الحدود مع الجولان المحتلّ.

 



جعفر ميا: الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...