دور الذئاب
الجمل ـ رشاد أنور كامل: الخوف كعامل منتج، أمر من الغريب أن يكتب عنه العلماء، لا القيادات السياسية ولا الأمنية.
عندما قرأت عن التجربة الصادمة حول الأثر الإيجابي لاعادة الذئاب الى محمية " يلو ستون" الحجر الأصفر الامريكية والتي تعتبر من أكبر المحميات الطبيعية في العالم، وبعد دهشتي اجتاحتني الكثير من الأفكار وأنا أقرأ مزيد من التحليلات من البيئية الى الأمنية الى الاجتماعية.
بدأ صيد الذئاب التي كانت تعيش في تلك المحمية بشكل طبيعي منذ العام 1800 وانقرض الذئب من هناك تماما في العام 1926، وعاشت باقي الحيوانات من الارانب والغزلان والايائل وحتى الثيران بأمان بعدها دون أي تهديد حقيقي لها وخاصة ان صيدها كان ممنوعا حتى على الانسان، فهي بآخر المطاف محمية طبيعية.
ومرت سبعون سنة بدون ذئاب، وانتشر القطعان من مختلف الأنواع المسالمة في مروج تلك المحمية، الى أن قرر العلماء إعادة الذئاب الى تلك المحمية كنوع من إعادة التوازن البيئي اليها، وكان فعلاً أنه تم إعادة احفاد تلك الذئاب المنقرضة الى المحمية، وخلال اول سنوات وجودها في المحمية، ورغم اعدادهم القليلة، ظهرت نتيجة غير متوقعة اكتشفتها الأقمار الصناعية التي تتابع الواقع البيئي حول العالم ، النتيجة المفاجئة هي ان الغابة في تلك المحية أصبحت اكثر اخضرارا .
نعم تنشطت الغابة في تلك المحمية لسبب درسه العلماء بكثافة، الى ان وصلوا الى النتيجة الحتمية الصادمة بأن الذئاب هي السبب .. نعم ..
فالذئاب عندما عادت الى ممارسة دورها في زرع قليل من الخوف والحذر لساكني المحمية من الحيوانات العاشبة أدى الى دفعها الى التنقل بشكل اكبر من المناطق العشبية المكشوفة الى عمق الغابة التي كانت تتجنبها لصعوبة التنقل وإيجاد الطعام فيها، ولكن حذرها وخوفها اسكنها مرة ثانية الغابة التي خرجت منها منذ سبعين عاما مع اختفاء اخر الذئاب.
وجودها في العابة مرة أخرى، اعطى للغابات فرصة، من تعشيب، ومن تسميد، ومن حفر للأرض، مما أدى الى ازدهار الغابات مرة أخرى، ومع ازدهار مماثل للمناطق العشبية التي ايضاً اصبح الرعي فيها محدد بأزمنة الصيد للذئاب.
غالى الكثير من رجال السلطة والأمن بهذه النتائج، واعتبروها مؤشرا لدورهم المهم في ضبط حركة المجتمعات ودفعها الى إنتاجية افضل ضمن تناغم مدروس مفيد للجميع. واصبح عامل الخوف من اكثر المواضيع الفلسفية والإنسانية التي نوقشت في السنوات العشر الماضية .
في سورية لم يكن ينقصنا الخوف، الخوف من كل شيء، من الذئاب الخارجية والذئاب الداخلية، والذئاب الضالة، والذئاب المتطرفة، ومع ذلك لم ننتج استقراراً، ولا ازدهارا حقيقياً، فأين فشلت النظرية ، نظرية عامل الخوف في حالتنا السورية .
فشلت لأننا أخطأنا في تعريف من هو الذئب الضابط لايقاع الحياة المنتجة .
الذئاب في الطبيعة كائنات ذكية ، منظمة ، تعمل وفق معايير، لا تأكل أكثر من حاجتها، ولا تتكاثر الا بقدر محسوب، وعندما تصطاد، فهي تصطاد الحيوانات المريضة، او تلك التي هرمت. هي كائنات اسطورية ومحترمة ومهابة،عكس الضباع وما اكثرهم عندنا ...
فلو أننا ادركنا ان ما انقرض عندنا من سبعين عاماً هم المثقفون والمفكرون واهل الحداثة السوريون، كنا ادركنا أن ماخسرناه بخسارتهم، خسارة لم يستطع كل رجال السلطة والتسلط والدين ان يلعبوها، فكان خوف دون اتجاه، وكأنه فرار، لا انضباط ، والفرق كبير.
خسارتنا الكبيرة كانت لما كان يمكن لهؤلاء المثقفين السوريين بفكرهم، وانتاجهم الفكري، وتحديهم لتخلفنا من انتاجه .... أمة متماسكة ومجتمع حداثي ، كانوا ليقودونا ويدفعونا دفعاً للخروج من سهول الاسترخاء في الماضي، الى وعورة الخوض في المستقبل، وربما كانت دروبنا ستزهر ، ويتحسن شكل ماضينا.
نحتاج في سورية الى إعادة كل مثقفينا المنقرضين، وان نساعدهم في إعادة التوازن الى صحراء فكرنا ..علها تزهر...
إضافة تعليق جديد