دير الزور: الأمراض والمرضى تحرروا.. والأطباء ما زالوا في الحصار

21-10-2019

دير الزور: الأمراض والمرضى تحرروا.. والأطباء ما زالوا في الحصار

أيام قليلة مرت على الذكرى الثانية لتحرير دير الزور من تنظيم داعش، لكن المدينة التي كسرت حصاراً دام ثلاث سنوات، ما تزال تعاني من بعض آثاره حتى اللحظة، وعاد (موّال) قديم جديد للمدينة: العلاج في دمشق أو حلب، لكن هذه المرة بشكل قسري وليس اختيارياً كما كان سابقاً، فالأطباء الذين هجروا مدينتهم لأسباب كثيرة، لم يعودوا إليها بعد التحرير، ولكل أسبابه التي تقنع الجميع، لكنها لا تشفع له عندهم، ولا ترضيهم، والرضا في دير الزور.. صعب.

كثيرة هي القصص التي تحدث أصحابها عن ندرة الأطباء في دير الزور، وعن المشفى الفارغ، وعن الأدوية القليلة جداً، وما قيل لا يحتاج إلى إثباتات صعب الحصول عليها، إذ أن زيارة واحدة لمشافي دمشق ومقاهيها ستؤكد كل المعلومات السابقة، لكثرة الديريين الذين ستلتقي بهم وسبب زيارتهم لدمشق إجراء عملية جراحية، أو التجهيز لها، أو مراجعة طبيب.. فأين اطباء دير الزور؟

مدير صحة دير الزور الدكتور بشار شعيبي قال إن عدد كوادر المديرية قبل ٢٠١٠ كان ٥٩٦٤، بينهم ٩٧١ من مختلف الاختصاصات الطبية (اخصائي مقيم – طبيب مخبر – طبيب أسنان – طبيب أشعة) أما حالياً، فقد انخفض عدد الكادر إلى ٣٢٦٠، أي بنسبة تتجاوز الـ 45%، من بينهم ١٨٢ اختصاصات طبية، والغالبية العظمى هم أطباء أسنان، وأغلب هذا التسرب حدث خلال الحصار، (بينما يؤكد الأهالي أن عدد الأطباء أقل من ذلك بكثير).

وأضاف د. شعيبي أن هناك نقصاً كبيراً بعدد الأطباء المقيمين، بسبب عدم تقدم أبناء المحافظة لمفاضلة الإقامة بدير الزور، وغالبيتهم يتقدمون لصالح مديريات الصحة في محافظات أخرى.
أما المشافي، فقد كان عددها قبل عام ٢٠١١ سبعة، خرج منها ستة من الخدمة بسبب الأعمال الإرهابية وسيطرة المسلحين عليها، وحالياً مبنى مشفى الأسد يضم ثلاثة مشافٍ؛ (مشفى الأسد ومشفى الفرات والمشفى الوطني)، وهذا يشكل – حسب شعيبي – ضغطاً كبيراً على البنيه التحتية لمشفى الأسد، وقامت المديرية حالياً بتوقيع عقد – وهو قيد التصديق – مع الشركة العامة للدراسات الهندسية، وهي شركة قطاع عام مؤهلة لدراسة المشاريع الكبيرة، والأولوية هي لمشفى الأطفال والتوليد بدير الزور، ومشفى الطب الحديث بالميادين، ومشفى الباسل بالبوكمال، ووعدت الشركة بإنهاء الدراسة قبل نهاية العام، وسيتم البدء بالترميم في العام القادم بعد أن تم لحظها بخطة الوزارة للعام 2020.

وفيما يخص نقص الدواء، أرجع د. شعيبي السبب إلى عدم وجود احتياطي استراتيجي للدواء خلال السنوات الماضية، وأحد أهم أسباب هذا النقص هو الحصار الذي استمر لثلاث سنوات، لكن حالياً بدأت الوزارة منذ فترة لا بأس بها بتزويد المحافظة بالدواء بمعدل شحنتين أسبوعياً، حسب ما يرد إلى مستودعات الوزارة، وسيتم إغلاق الفجوة الحاصلة بالدواء بالكامل، وتنتهي معاناة نقص خلال الفترة القريبة القادمة، وحالياً، أغلبية الأدوية الإسعافية والضرورية متوفرة، وهناك شحنتان ستصلان خلال الأسبوع الحالي، والشحن متتابع من مستودعات الوزارة للمديرية.

وناشد مدير الصحة أبناء دير الزور الأطباء للعودة إلى مدينتهم وممارسة عملهم الوظيفي أو الخاص في عياداتهم، وناشد أيضاً أبناء المحافظة للتقدم بالمفاضلة لصالح مديرية صحة دير الزور لتقديم الخدمات الطبية التي يحتاجها أهالي دير الزور.

مدير الصحة يناشد الأطباء، والأهالي يناشدونهم كذلك، ويحملونهم مسؤولية تردي الوضع الصحي في المحافظة، ويتساءلون عن قَسَم أبقراط، بل منهم من أنشاً صفحات على موقع فيس بوك لشتم الأطباء الذين لم يعودوا إلى المدينة بعد التحرير.

نواف البشير طبيب أطفال خرج من دير الزور منذ سبع سنوات، وافتتح عيادته في دمشق، وكان الطبيب الوحيد الذي وافق على الحديث عن الموضوع مع ذكر اسمه الصريح، وليس بطريقة: قال أحد الأطباء.

د. البشير قال عن سبب عدم عودته إلى دير الزور إن الطبيب تحكمه الظروف كأي شخص آخر من مهنة أخرى، لا شك أن الطب بأحد جوانبه هو مهنة إنسانية، لكن هذا المفهوم صار وردياً وحالماً ومثالياً أكثر من اللازم، والغالبية يعتقدون أن على الطبيب أن يستغني عن مقومات الحياة، وأن يضحي بالكثير من الأولويات في سبيل القيام بهذا العمل، وعليه أن يكون دوماً السوبرمان الجاهز للإنقاذ، لكن في الفترة الماضية، وخاصة خلال الحصار، أبسط مقومات الحياة لم تكن متوفرة، وهذا الطبيب لديه الكثير من الاحتياجات اللازمة لاستمراره وتطوره ونجاحه واستمرار حياته وحياة أولاده وأسرته.

كما أن طول مدة الحرب، وتأخر تعافي دير الزور، اضطرتنا كأطباء أن نوجد لأنفسنا فرصاً خارج دير الزور، فالأمر لم يكن مؤقتاً حتى نبقى بوضعية التأهب للعودة، والموضوع استمر لسنوات، وبنينا لأنفسنا حياة مستقرة نوعاً ما، وقرار الاستغناء عن عمل ودخل كفيل بتأمين حياة مقبولة، من أجل العودة إلى دير الزور هو مغامرة كبيرة، ومن كانت تتوافر لديه هذه المقومات وتركها وعاد إلى دير الزور ترفع له القبعة.

وأكد د. البشير أنه لا يوجد طبيب ديري خارج دير الزور، مهما كان عمله ناجحاً ويُؤمن له حياة كريمة لا يعاني من هذه الغصة، ولا يشعر في قرارة نفسه أنه مقصر اتجاه مدينته، ولا يتمنى أن يكون هذا النجاح في دير الزور، إضافة إلى أن كثرة الهجوم والشتائم والمزاودة على أطباء دير الزور، والتي نبررها لكثيرين لم يجدوا طبيباً حين احتاجوه، أدوا إلى ردة فعل، وحولوا البعض إلى هجوميين ورافضين للعودة، والمطلوب هو التعامل بشكل منطقي، فمن عاد لديه أسبابه وحساباته الحياتية التي وجد أنها جيدة في دير الزور، ومن بقي خارجها له حساباته أيضاً.


طبيبة نسائية شهيرة تقيم الآن في دمشق قالت فور سؤالها عن سبب عدم عودتها: وماذا بقي في دير الزور؟ ومن بقي لنا في دير الزور؟ بيوتنا وعياداتنا مهدمة، وإعادة الإعمار تسير ببطء شديد، وأغلب أهالينا صاروا خارج سورية، فكيف سنعود إلى شبح مدينة ستقتلنا فيها الذكريات في كل لحظة، وختمت: أين دير الزور حتى نعود إليها؟

 

 


الأيام -  فراس القاضي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...