ديوان المحاسبة يتّهم السنيورة بـ«مخالـفة مالية»
بتاريخ 12/8/2010، صدر عن ديوان المحاسبة اللبناني القرار القضائي رقم 73/ ر.ق./ نهائي، المتعلق بمخالفات مالية في مديرية اليانصيب الوطني اللبناني نتيجة التحقيق في عملية استيراد بطاقات أوراق اليانصيب الفوري Tico-Tac. اللافت في هذا القرار أنه يحمّل النائب (رئيس مجلس الوزراء اللبناني الأسبق) فؤاد السنيورة المسؤولية المباشرة عمّا اعتبره «ضرراً أكيداً لحق بالأموال العمومية، وفوّت على الدولة إيرادات مستحقة بلغت قيمتها نحو 4 مليارات و905 ملايين و46 ألفاً و300 ليرة»! وذلك عندما كان يتولّى مهمات وزير الدولة للشؤون المالية بين عامي 1992 و1996. بحسب خلاصة القرار النهائي المذكور، فقد جرى اعتبار «المخالفة» ثابتة بحق كل من مدير اليانصيب السابق ريمون حدّاد، والمحتسب المركزي السابق لليانصيب الوطني أحمد جابر، وعضو لجنة الرقابة على الـ«تيكو تاك» السابق حسن زهري، والموظّف طلعت قانصو، ومستشار السنيورة بسّام تميم...
وهؤلاء غرّموا من أموالهم الخاصّة، في حين أحيط مجلس النوّاب علماً بالمخالفة المرتكبة من قبل السنيورة سنداً لأحكام المادّة 64 من قانون تنظيم ديوان المحاسبة، التي توجب على الديوان إحاطة مجلس النواب علماً بالمخالفات التي يرتكبها الوزراء من أجل اتخاذ الإجراءات اللازمة لمساءلتهم وملاحقتهم قضائياً.
وقد جرى التأكيد على خلاصة الحكم نفسه بقرار ثان حمل رقم 65/ ر.ق./ نهائي بتاريخ 27/7/2011، ما عدا ريمون حدّاد الذي جرت تبرئته من التهم المنسوبة إليه، في حين ثبّتت إدانة الآخرين، بمن فيهم السنيورة نفسه الذي اعتبره القرار مسؤولاً مباشراً عن أعمال مستشاره بسّام تميم الذي أجرى تسوية مع الشركة اللبنانية للاستثمار ــــ متعهّدة الـ«تيكو تاك» حينها ــــ وقد تمّت هذه التسوية «في مكتب الوزير»، وأدّت إلى تسديد الشركة مبلغاً وقدره مليار و110 ملايين و408 آلاف و200 ليرة من أصل 6 مليارات و15 مليوناً و454 ألفاً و500 ليرة من الإيرادات المستحقة للدولة بموجب محضر ضبط يتعلّق بقضية تهريب وبيع بطاقات «تيكو تاك» مزوّرة وجني أرباح طائلة على حساب المال العام.
وجاء في قرار ديوان المحاسبة، تحت عنوان «مسؤولية الوزير عن التسوية الحاصلة» مع الشركة عبر إعفائها من تسديد كل المبالغ الواجبة عليها، أنها «تمت في مكتبه بواسطة مستشاره (...) وأنها جرت خلافاً للأحكام القانونية المرعية الإجراء (...) وأن وزارة المالية لم توضح عند سؤالها عن الموضوع ظروف وكيفية حصول هكذا تسوية (...) وأن المسؤولية عن هذه التسوية تقع ليس فقط على مستشار الوزير بل على الوزير نفسه، إذ لا يمكن للمستشار أن يتصرف بمعزل عن رئيسه...».
ما هي قصّة هذه التسوية؟ وأين اختفت المليارات الخمسة؟
في عام 1996 ضبطت عناصر الجمارك كمية كبيرة من بطاقات «تيكو تاك» المزوّرة أثناء دخولها إلى لبنان لبيعها وجني أرباح غير مشروعة على حساب الخزينة العامّة، عندها حرّرت الجمارك، كما تنص القوانين، ضبطاً بقيمة البطاقات المزوّرة المهرّبة وطلبت من «الشركة اللبنانية للاستثمار»، المتعهدة ليانصيب «تيكو تاك»، تسديدها. إلا أن القضية جرت لفلفتها عبر منع بلوغها القضاء، وتغليف ذلك بتسوية «صورية» غير مدعّمة بأي وثائق أو بيانات رسمية رعاها السنيورة عبر مستشاره، وأدّت إلى إعفاء هذه الشركة من تسديد المبلغ المرقوم.
وتبيّن من وقائع التحقيقات التي أجرتها هيئة التفتيش المركزي والنيابة المالية لدى ديوان المحاسبة «أن عملية التهريب وعدم التصريح الصحيح عن عدد البطاقات المستوردة والمباعة والتي فوّتت على الدولة إيرادات مستحقة من أثمان البطاقات المباعة من إصدارات اليانصيب الفوري حصلتا بالتتابع منذ عام 1994(...) وإن المخالفات في عمليات استيراد بطاقات اليانصيب الفوري Tico-Tac التي تناولها قرار هيئة التفتيش المركزي رقم 20/2005 قد تكون حصلت من عام 1992 إلى عام 1996، إلا أن إدارة الجمارك اكتشفتها في عام 1996 فقط، وفرضت الغرامات عليها بموجب قرارها رقم 2906 تاريخ 17/10/1996».
المفارقة أن موظّفين حكوميين يتبعون لوزارة المال أتلفوا عدداً غير محدد من بطاقات «تيكو تاك» خلافاً للأصول، بالتزامن مع «التسوية» غير القانونية التي قضت بإعفاء الشركة من تسديد معظم المبالغ الواجبة عليها، ما أثار مزيداً من الشكوك في طبيعة هذه «المخالفة» والمستفيدين منها.
بقيت هذه القضية نائمة في أدراج هيئة التفتيش المركزي حتى 24/1/2005، عندما اضطرت الهيئة إلى إحالتها على ديوان المحاسبة بموجب كتاب رئيسها رقم 53/ ص، الذي تضمّن نسخة عن كامل ملف التحقيقات في المخالفات الحاصلة، وقرار الهيئة رقم 20/ 2005 تاريخ 1/1/2005 القاضي بإحالة كلّ من: أحمد جابر، ريمون حداد، حسن زهري، طلعت قانصو، بسام تميم، أمام ديوان المحاسبة بمقتضى أحكام قانون تنظيمه.
استغرقت تحقيقات ديوان المحاسبة 4 سنوات إضافية، ليصدر قراره المؤقت رقم 34/ ر.م. بتاريخ 16/3/2009، وقد نسب إلى الموظفين الملاحقين المآخذ الآتية:
ـــ بسام تميم، بوصفه موظفاً فعلياً، لكونه كان مستشار وزير المال في حينه الرئيس فؤاد السنيورة، وذلك لإجرائه في مكتب الوزير تسوية نتج منها قبول الوزارة بمبلغ /1.110.408.200/ ل.ل. بدلاً من حصة الدولة البالغة /6.015.454.500/ ل.ل. والواجب دفعها من قبل الشركة الملتزمة لليانصيب الفوري Tico-Tac، الأمر الذي ألحق الضرر الأكيد بالأموال العمومية، إذ فوّت على الدولة إيرادات مستحقة بلغت كفرق /4.905.046.300/ ل.ل.
ـــ لجنة الرقابة على Tico-Tac، المتمثلة في كل من: حبيب أبو صقر (المدير العام لوزارة المال سابقاً)، مصطفى الهندي، أحمد جابر، إميل مطر، ميشال ضعون، حسن زهري، وذلك لإهمالهم القيام بالواجبات الملقاة على عاتق اللجنة وفق أحكام الفقرة 4 من المادة 25 من قرار وزير المال رقم 338/ ج تاريخ 31/12/1985 الساري المفعول آنذاك، ووفق أحكام البندين 19 و20 من دفتر الشروط الخاص بالتلزيم.
ـــ أحمد جابر، المحتسب المركزي لليانصيب الوطني آنذاك، وذلك لعدم صلاحيته تنظيم أمر قبض وتسلّمه الشيك بمبلغ التسوية من دون أي مستند ثبوتي يحدّد هذا الإيراد.
ـــ طلعت قانصو، الحاجب الذي سلّم الشيك (بموجب التسوية) إلى أحمد جابر الذي بدوره حرر أمر القبض.
ـــ ريمون حداد، مدير اليانصيب الوطني بالإنابة السابق لمخالفته النصوص المتعلقة بإجراءات تلف البطاقات الرابحة والملغاة من الإصدارات التي تلغى أو التي ينتهي العمل بها.
ـــ حسن زهري وأحمد جابر، عضوا لجنة Tico-Tac المكلفان بالإشراف على عملية التلف، لعدم تنظيم محضر بعملية التلف موقّعة من قبلهما ومن قبل الملتزم، وبالتالي مخالفتهما الأصول المرعية الإجراء، لا سيما المادة 2 من القرار رقم 1123/2000 والمادة 3 من القرار رقم 321/1 تاريخ 9/10/2009.
إلا أن القرار النهائي الصادر عن الديوان قضى بتبرئة ميشال ضعون، الموظف السابق في وزارة المال وعضو لجنة الرقابة على Tico-Tac، لأن خدمته في وزارة المال انتهت بتاريخ 30/6/1993 لبلوغه السن القانونية، ولم تعد له صلة باللجنة المذكورة منذ ذاك التاريخ،
كذلك تقرر الكف عن أعضاء لجنة الرقابة، لأنه بعد التدقيق تبيّن أن عمل لجنة الرقابة على اليانصيب الفوري Tico-Tac يأتي بعد المرحلة الجمركية، وبالتالي كان يستحيل عليها معرفة عملية التهريب قبل اكتشافها من إدارة الجمارك، علماً بأن التحقيقات بيّنت أن إميل مطر لم يكن عضواً في لجنة الرقابة على اليانصيب الفوري Tico-Tac بتاريخ ارتكاب المخالفات، بدليل أنه لم يعيّن عضواً في اللجنة إلا بتاريخ 11/9/1997، وهذا ينطبق على مصطفى الهندي الذي أنهى خدماته لبلوغه السن القانونية في عام 1993.
إذاً، قضت قرارات ديوان المحاسبة بتحميل أحمد جابر، حسن زهري، طلعت قانصو وبسام تميم مسؤولية المخالفات المالية الثابتة بحقهم، وتغريمهم سنداً لأحكام المادتين 60 و61 من قانون تنظيم ديوان المحاسبة، وفقا لما يأتي:
ـــ أحمد جابر بمبلغ 1.5 مليون ليرة، وبغرامة إضافية تعادل راتبه غير الصافي عن 12 شهراً بتاريخ ارتكاب المخالفة والبالغة 6.681 ملايين ليرة.
ـــ حسن زهري بمبلغ 1.5 مليون ليرة، وبغرامة إضافية تعادل راتبه غير الصافي عن 6 أشهر بتاريخ ارتكاب المخالفة والبالغة 3.340 ملايين ليرة.
ـــ طلعت قانصو بمبلغ 1.5 مليون ليرة.
ـــ بسام تميم بمبلغ 1.5 مليون ليرة، وبغرامة إضافية تعادل مخصصاته عن 12 شهراً بتاريخ ارتكابه المخالفة، أي نيسان 1997، على اعتبار أنه في حالة مستشاري الوزراء لا راتب محدداً لهم، بل مقدار من المخصصات أو التعويضات الشهرية.
وقرر الديوان إحاطة مجلس النواب علماً بالمخالفة المرتكبة من قبل وزير المال بالوكالة آنذاك الرئيس فؤاد السنيورة. وقال في تقريره الصادر في تموز الماضي إنه أحاط فعلاً مجلس النواب بهذه المخالفة.
محمد زبيب
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد