رجال.. ولكنهم يهربون من مسؤولياتهم الأسرية
تبدل دراماتيكي جديد بدأنا نشهده في مجتمعنا،أخذ يتزايد يوماً بعد يوم وهو تخلي الكثير من الرجال عن أداء مسؤولياتهم المادية والمعنوية تجاه أسرهم، لتنقلب الآية وتصبح المرأة قوامة على الرجل، فهي التي تنجب وتربي وتعمل داخل المنزل وخارجه وتقوم بتأمين كافة المستلزمات المطلوبة.
الأمر الذي زاد من معاناة المرأة ووضعها أمام تحديات جديدة تتطلب منها القيام بأدوار البطولة على جميع الجبهات.
ترى ماهي الاسباب الحقيقية لتدني معنويات الكثير من الرجال؟
وكيف انعكس ذلك على أسرهم؟ وهل تستطيع المرأة أن تتحمل وحدها كل هذه الأعباء؟
نساء كثيرات تحدثن عن حجم المعاناة التي يواجهنها نتيجة عن عدم التزام أزواجهن بمسؤولياتهم ورفضهم القيام بواجباتهم المختلفة..!!
السيدة هيفاء ( معلمة) أم لثلاثة أولاد تقول: بالاضافة الى عملي في التدريس أقوم بجميع أعمال المنزل وتعليم الاولاد وأذهب الى السوق وأحضر كافة الاحتياجات اللازمة وأقوم بالواجبات الاجتماعية، في حين أن زوجي ـ وهو مدرس أيضاً ـ يجلس ساعات طويلة أمام التلفاز يشاهد الاخبار وعندما يمل منها يذهب الى أصدقائه ويسهر معهم حتى ساعة متأخرة من الليل دون أي اكتراث بنا أو احساس بالمسؤولية وكأننا غير موجودين.
وتقول السيدة علياء (موظفة) لدي ستة أولاد وجميعهم في المدارس والجامعات وقد تقاعد زوجي منذ خمس سنوات وهو الآن عاطل عن العمل وراتبه التقاعدي قليل جداً لا يغطي مصاريفنا، لذا ألجأ الى العمل الاضافي الذي يكون على حساب صحتي واستقرار أسرتي.
أما السيدة عزيزة اكتشفت بعد زواجها سلبية زوجها وضعف شخصيته واتكاله عليها في كل الأمور، حيث نشأ وحيداً ومدللاً في أسرته ولم يتعود على اتخاذ أي قرار في حياته وكانت أمه هي التي تحركه، فتقول: أدركت بعد فوات الأوان أن زوجي اتكالي وفشلت كل محاولاتي لإصلاحه وأصبح علي القيام بدور الرجل والمرأة في البيت.
وتتحدث رانيا علي ( موظفة) عن أخيها الكبير قائلة: لقد استقال من عمله بحجة أنه متعب، علماً أنه لايتجاوز ست ساعات يومياً، وطلق زوجته بعد شهر من زواجه عندما شعر أن هناك واجبات كثيرة سيقوم بها، لقد تجاوزه عمره الثلاثين وهو الآن يجلس في المنزل كالاطفال يأخذ مصروفه من أمه واخوته الذين يصغرونه بعدة سنوات، ويستهلك يومياً علبتين من الدخان وتضيف: لقد سبب لوالدتي العديد من الأمراض كارتفاع الضغط والسكر ، لكثرة اصطدامها معه خاصة بعد أن تحول ليله الى نهار، فهو ينام الساعة السادسة صباحاً عندما ننطلق الى عملنا ويستيفظ عندما نأتي.
وتقول السيدة سميرة( ربة منزل) وهي أم لتسعة أولاد من جميع الأعمار: أعمل خادمة في المنازل بأجور زهيدة لأن زوجي لايعمل نهائياً ويقضي معظم وقته مع أصدقائه يلهو ويسكر تاركاً أعباء المنزل كلها على رأسي، ونتيجة لسوء أحوالنا المادية أخرجت أولادي من المدرسة ووزعتهم في الشوارع يبيعون العلكة والمحارم ويمارسون كل أنواع التسول وفي كثير من الأحيان يبيعون بعض ملابسهم من أجل شراء سندويشة يسدون بها رمقهم.
وتضيف: ان زوجها يسعى جاهداً لبيع المنزل من أجل تسديد بعض الديون المتراكمة عليهم.
وتعبر السيدة حنان(ربة منزل) عن معاناتها، فتقول: لدي ثلاثة أولاد وزوجي يعاني من مرض عصبي ونفسي نتيجة صعوبات واجهته في بداية حياته، لذا فإن مسؤولية المنزل وتربية الأولاد وتأمين لقمة العيش كلها تقع على كاهلي، حيث اضطر الى لف السكاكر وتقطيع الخضار بأجور رخيصة جداً، وفي أغلب الأحيان أقع ضحية للتجار الذين يستغلون فقرنا وسوء أحوالنا المادية ويضاعفون علينا حجم العمل دون أي شفقة أو رحمة
السيد عدنان (سائق تكسي) يبلغ من العمر خمسين عاماً، يحمد الله ألف مرة أنه لم يكن امرأة لأنها بنظره أصبحت تتحمل جميع أعباء الحياة فهو يقول ان زوجته تقوم بكل شيء دون كلل او ملل، حتى أنها لاتزعجه بطلباتها وتذهب الى مدارس الاولاد فهو لايحتمل نق الاولاد وشكاويهم المتواصلة حتى دقيقة واحدة.
عن هذا الموضوع التقينا الباحثة الاجتماعية فريال حريري فقالت:
ان الهروب من مسؤولية البيت والاولاد والزوجة أصبح ظاهرة حقيقية يعاني منها مجتمعنا ولها أضرار كبيرة تنعكس على الاسرة حيث تؤثر على نفسية وتفكير الاولاد، فيتولد لديهم مفهوم الاتكاليةوالاعتماد على الغير وستتجه طلباتهم نحو الام فقط لأن تعليماتها هي التي ستنفذ مادامت تمتلك العطاء والمنع وبهذا سيتوقف دور الأب تماماً، وتنحدر أهمية وجوده لدرجة لايسمع أحد كلامه أو اوامره، وفي النهاية سيكون مصير الاسرة بأكملها غامضاً ومجهولاً اذ لايمكن التكهن بحجم الاضرار الناتجة عن هذا الوضع السلبي.
وتضيف: ان الرجل في أوقات كثيرة يضطر الى الجلوس في البيت لفقدانه العمل بصورة مؤقتة، او بسبب مرض مفاجئ ما يجعل المرأة تتولى مسؤولية الانفاق على البيت، فإذا كانت المرأة مقدرة لحقوق زوجها سيمر الأمر بمنتهى الهدوء أما إذا كانا غير متفاهمين، فإن الرجل سيجد ذلك جارحاً له ولمركزه في البيت كقائد للاسرة .
وتتابع حريري فتقول: بشكل عام اذا حاولنا أن نبحث عن ظاهرة الهروب من المسؤولية الأبوية سنجد أنها اتسعت واصبح لها حجم كبير في مجتمعنا والسبب الاساسي لهذه الظاهرة يعود الى الخوف الشديد من الاعباء الاقتصادية نتيجة مطالب الحياة الكثيرة وطموحات الانسان الكثيرة،فقد أصبح الانفاق على تربية طفل واحد حتى يقف على قدميه ويعتمد على نفسه عملية صعبة ومعقدة، ما ادى الى امتناع الكثير من الشباب عن الزواج وانتشار الزواج العرفي الذي ينتج عنه ابناء نسبهم مجهول بسبب رفض آبائهم الاعتراف بهم ،ثم هناك ظاهرة السفر الى خارج البلاد من اجل البحث عن عمل افضل، ونسبة عالية من الآباء يقومون برحلة العمل هذه وحدهم دون ان يتمكنوا من اصطحاب عائلاتهم، ماجعل هؤلاء الرجال أشبه بالآلة التي ليس لها رسالة إلا تحصيل المال. أما رعاية الاسرة والابناء فقد أصبحت مسؤولية المرأة وحدها وتضيف: ان أحد أسباب الهروب من المسؤولية ايضاً اعتقاد بعض الناس ان الحياة ماهي إلا كتلة مشاكل ومنغصات نهايتها الموت، لذا فهم لايتزوجون ولاينجبون وانما يحرصون على أن تكون حياتهم رحلة خفيفة سريعة حتى يأتي موعد الرحيل، فيرحلون دون ان يكون هناك مايقلقهم على مستقبل أبنائهم وعائلاتهم التي سيتركونها وراءهم.
هيلانة الهندي
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد