زوج صحافيّة تركيّة مشهورة مسؤول عن سرقة مدن حلب الصناعيّة
منذ إعلان زعيم المافيا التركي سيدات بيكير عن قراره "فتح صندوق باندورا"، وكشف ممارسات السلطة الحاكمة في تركيا، تتوالى الفضائح الواحدة تلو الأخرى، في سلسلة مترابطة من الجرائم الداخلية والخارجية، في وقت لم تفلح فيه قرارات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الفجائية والغريبة، وآخرها منع الموسيقى في عموم البلاد بعد الساعة الثانية عشرة منتصف الليل الصادر بالأمس، في تحويل انتباه الأتراك عن هذه الفضائح.
زوج صحافية "شهيرة" سرق مدناً صناعية
فجر الصحافي التركي "المغضوب عليه" من السلطات سيردار أكينان، قنبلة جديدة يوم الأحد الماضي، حينما تحدث في برنامج صباحي على شاشة قناة "KRT" المعارضة عن قيام شخصيات محسوبة أو مقرّبة من السلطات التركية بأعمال نهب وسرقة منظّمة للنفط والمدن الصناعية والمنتجات الزراعية السورية ونقلها إلى تركيا.
وكشف أكينان، الذي بدأ بمزاولة مهنة الصحافة في سن الـ17 وشغل مناصب مهمة في كبريات الصحف والتلفزيونات التركية، قبل استبعاده مع بداية "الربيع العربي" بسبب مواقفه المنتقدة لسياسات بلاده تجاه سوريا في شكل خاص، عن حصوله أثناء الإعداد لوثائقي عن "هجمات داعش على تركيا" على شهادات ومعلومات موثّقة من سكان المناطق الحدودية مع سوريا و"مسؤولين سابقين من أصحاب الباع الطويل في العمل السياسي والأمني" عن عمليات نهب لمدن صناعية سورية ونقلها إلى تركيا بالكامل من قبل زوج إحدى الصحافيات التي تعمل كممثلة لوسيلة اعلام تركية مقربة من السلطات في أنقرة، إضافة إلى نشاط تجاري فاعل لنجل مسؤول تركي رفيع المستوى في المناطق الخاضعة لسيطرة القوات الكردية شمال شرقي سوريا، واحتكار شقيق وزير تركي عمليات سرقة الزيت وحتى أشجار الزيتون من عفرين السورية، ونقلها إلى تركيا أيضاً".
وفي حديث لـ"النهار العربي"، اعتذر أكينان عن الإدلاء بأي معلومات عن محتوى الوثائقي "الحدث" والتصريحات المتصلة به دون العودة إلى "إدارة قناة بلو تي في التركية المالكة لحقوق العمل"، مؤكداً أن الفيلم في مرحلة متقدّمة، حيث قام بجولة طويلة في المناطق الحدودية بهدف إعداده وتصوير مشاهده، ومن المقرر أن يتم عرضه مع بداية كانون الثاني (يناير) السنة المقبلة.
وعن إدّعاءات أكينان، التي رفض الإفصاح عن تفاصيلها "حالياً"، علم "النهار العربي" من مصادر تركية متقاطعة أن عملية سرقة مدينة الشيخ نجار الصناعية في حلب والمعامل الأخرى والبنى التحتية في شمال سوريا تمت بإشراف شركة "أوزفاردار" التركية، التي يملكها ويرأسها رجل الأعمال التركي المقرّب من أردوغان، مراد أوزفاردار.
ووفق المصادر، فقد شهد نشاطه التجاري صعوداً ملحوظاً بعد عام 2011، حيث قام بتأسيس سلسلة من الشركات المعنية بتجارة مواد البناء والطاقة وغيرها. لكن الحدث، الذي جعل من مراد أوزفاردار "شخصية عامة" كان زواجه من الصحافية التركية هاندي فرات عام 2017 والمشهورة باستضافة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عبر تطبيق "فيس تايم" ليلة "الانقلاب الفاشل" في 16 من تموز (يوليو) عام 2016 خلال نشرة الأخبار المسائية على شاشة قناة "سي ان ان تورك".
وكحال زوجها الثاني، فإن هاندي فيرات هي الأخرى، اشتهرت "بقفزاتها السريعة" في حقل الإعلام في تركيا منذ عام 2011 حينما سمّيت كممثلة لمكتب قناة "سي ان ان تورك" في أنقرة، ثم مكتبي قناتي "دي ودوغان تي في"، في أنقرة أيضاً عام 2014، وممثلة صحيفة "حرييت" التركية في أنقرة عام 2015، لتجمع كل هذه المهمات الاعلامية في الوقت ذاته.
كما كشف أكينان خلال لقائه التلفزيوني عن قيام "نجل مسؤول تركي رفيع المستوى جداً بالإشراف على عمليات نقل النفط السوري من مناطق سيطرة "قسد" في شمال شرقي البلاد"، رافضاً الكشف عن اسمه، مضيفاً: "يكفي أن تقوموا بجولة في جنوب شرقي الأناضول (المناطق الحدودية مع الجزيرة السورية) لرؤية ظاهرة تجارة النفط ونقله".
وأكد أكينان "قيام شركة مملوكة لشقيق احد الوزراء الأتراك بسرقة زيت الزيتون من عفرين ومحيطها، ونقلها إلى تركيا، إضافة إلى نقل أعداد كبيرة من أشجار الزيتون المعمّرة" من المنطقة التي كان يقطنها الأكراد بغالبية قبل احتلالها من قبل تركيا في عملية "غصن الزيتون".
وتعرف عفرين المشهورة بزراعة الزيتون على نطاق واسع جداً، كأهم مركز لانتاج زيت الزيتون في سوريا، والذي كان أهم مصدر رزق لسكّانها المهجّرين اليوم نتيجة الانتهاكات التي تمارسها الفصائل المسلحة التابعة لأنقرة بحقّهم. وتقدّر مصادر اعلامية تركية حجم زيت الزيتون المنتج في عفرين بنحو 30 ألف طن سنوياً، يتم ادخال معظمها إلى تركيا ومن ثم بيعها إلى شركات إيطالية وإسبانية نشطة في هذا المجال.
من سرق معامل حلب؟
بعد يوم من تصريحات أكينان الصادمة، نشر الصحافي التركي موسى أوزأوغورلو مقالاً في موقع "غازيتي دوفار" الإخباري الألكتروني بعنوان "من سرق معامل حلب؟"، أكد فيه أن "الضرر في الحروب مسألة طبيعية، لكن ما حدث في حلب كان نهباً بالمطلق. حلب لم تدمر فقط، بل سُرقت أيضاً".
وفي تصريح لـ "النهار العربي" قال أوزأوغورلو: "كنت من الصحافيين الأجانب القلائل، الذين تابعوا المسألة السورية منذ بدايتها، حيث عملت في سوريا بدءاً من عام 2007 وحتى عام 2016"، مشيراً إلى أن معظم المعلومات التي يتم تداولها اليوم في الداخل التركي مكررة وتم تسليط الضوء عليها مراراً منذ بدء الأزمة السورية.
وروى أوزأوغورلو أنه كان "من الصحافيين الذين زاروا مدينة جسر الشغور التي شهدت أولى المجازر في الحرب السورية، حيث تم قتل 120 من عناصر الأمن السوريين، وشاهدنا طلقات حربية من انتاج الصناعات الكيميائية الميكانيكية (التركية) بعلامة يافاش جالار (yavas calar) التجارية، اضافة إلى ذخائر أخرى. هذا يعني أنه تم تزويد هؤلاء المسلحين من قبل جهة أو شخص ما بهذه المنتجات التركية".
وأضاف أوزأوغورلو أننا "قمنا بالكشف عن هذه المعلومات قبل افشائها من قبل سيدات بيكير، وقبل سنوات عديدة، لكن يبدو أنها كانت بحاجة إلى مرور كل هذه السنوات ليتنبه الرأي العام التركي إليها". وشرح أوزأوغورلو أن احياء هذه القضايا في تركيا اليوم مرده "الحراك الذي شهدته السياسة الداخلية التركية، نتيجة الخلاف الواقع بين بعض المجموعات، التي كانت تعمل مع بعضها سابقاً. سيدات بيكير مثلاً كان أحد الأشخاص الذين استخدمته الحكومة التركية لإرسال بعض الأشياء إلى سوريا، بعد قيام البعض من المقربين من الحكومة بكيل الاتهامات له، بدأ بالإفشاء عن هذه المعلومات قائلاً لهم: الم نكن نقوم بهذه الأعمال سوياً؟ لذلك من المنطقي ربط ما يجري بالسياسة الداخلية التركية". ويعتقد أوزأوغورلو أن النقاشات في تصريحات بيكير والادعاء الأخير حول قيام زوح صحافية شهيرة بسرقة مدن ومناطق صناعية في حلب ستتصاعد في تركيا، مؤكداً أن "الخطاب الحكومي القومي والمحافظ القائم على أن تركيا تقود العالم، وأن الاقتصاد التركي في وضع ممتاز والعالم يحسدنا على رفاهيتنا الاقتصادية وغيرها من الادعاءات لم تعد تقنع الأتراك، فيما ادعاءات بيكير تظهر أكثر واقعية بالنسبة إليهم حيث يقوم بيكير بذكر معلومات تفصيلية بالأسماء والأماكن والتواريخ متحدّياً امكان قيام أي شخص أو جهة بتكذيب تلك المعلومات".
وحسب أوزأوغورلو فإن "تطور الأمور مستقبلاً مرتبط بتطورات السياسية الداخلية في جزء منها، والجزء الآخر له علاقة بوضع الحكومة خارجياً. اذا قررت الولايات المتحدة أو القوى الدولية استخدام هذه الافشاءات ضد الحكومة التركية فهذا يعني أن أياماً صعبة تنتظر الحكومة التركية، لكن اذا اختارت تلك الجهات استغلالها كورقة تفاوض مقابل مطالب معينة في أفغانستان أو تخص الكرد في سوريا مثلاً، فهذا يعني أن الملف قد يتم تأجيله لبعض الوقت".
وختم أورأوغورلو بالقول: "أعتقد أنه في حال أدت الضغوط التي يتعرض لها أردوغان في الداخل بالتزامن مع تفاقم المشكلة الاقتصادية للتوجه إلى انتخابات مبكّرة، فإن الإفشاءات المتعلقة بالدور التركي في سوريا ستزيد تباعاً، وبالتالي ستزيد من وضع الحكومة الصعب. في كل الاحتمالات يمكننا القول إن أياماً نشطة ستبدأ في تركيا".
سركيس قصارجيان: النهار العربي
إضافة تعليق جديد