سقوط آخر آمال التحالف السعودي مع سقوط الطلعة الحمراء
بسقوط الطلعة الحمراء، أهم حاميات مدينة مأرب وأكبرها تحت سيطرة قوات صنعاء، تكون عقارب ساعة «تحرير» المدينة دخلت محورا لا يمكنها معه العودة إلى الوراء، حتى ولو حاولت القوات الموالية للتحالف السعودي - الإماراتي تجميع قواها مجددا، وتحصين دفاعاتها في ما تبقى من تخوم مركز المحافظة.
إذ إن ما بعد الطلعة الحمراء ليس كما قبله، سواء لناحية التضاريس التي ستكون أسهل بكثير على الجيش واللجان الشعبية مما سبق أن اختبراه، أو إمكانية السيطرة على طرق الإمداد الاستراتيجية التي ستكون أكبر بأشواط بالنسبة إليهما، أو السيطرة النارية على التباب المتبقية في محيط مأرب.
سقطت الطلعة الحمراء، أهم وأكبر حاميات مدينة مأرب، وسقطت معها آخر آمال التحالف السعودي - الإماراتي في استعادة زمام المبادرة في جبهات محيط المدينة. إذ إن سقوط الطلعة الحمراء يماثل سقوط الجبل الأحمر المطل على مدينة عمران قبل سبع سنوات من اليوم.
فهي الحامية الأكثر تعقيدا التي تمنح من يسيطر عليها حق السيطرة على طرق إمداد استراتيجية، أهمها خط صرواح - مأرب، ووضع التباب المتبقية المحيطة بالبوابتين الغربية والشمالية الغربية لمركز المحافظة تحت رحمة نيران المنتصر.
ومن الطلعة الحمراء، يمكن لقوات صنعاء أن تختصر المسافات وتتقدم شرقا نحو تبة البس، ومنها تلج إلى الدحلة السفلى وحمة المقهوي القريبة من حمة المصارية المطلة على الأحياء الغربية لمأرب، حيث تصبح الطريق سالكة أمام الجيش واللجان الشعبية نحو مستشفى الهيئة العسكري في المدينة.
ومن الطلعة الحمراء والتباب المحيطة بها، وتحديدا الواقعة شرقها، يمكن التقدم نحو منطقة الجفينة بعد استكمال السيطرة على البلق القبْلي، كون سقوط «الطلعة» يهيئ الفرصة للجيش واللجان للتقدم نحو مأرب من أكثر من مسار، ويجعل كل دفاعات قوات الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، في ما تبقى من تخوم المدينة، هشة وغير محصنة، حتى وإن استحدثت سواتر ترابية وخنادق للرماة ومخابئ للمدرعات.
ذلك أن تضاريس ما بعد الطلعة الحمراء ليست كما قبلها، والتضاريس - وفق الجغرافيا العسكرية في مأرب - تلعب دورا مهما في حسم المعركة. وجاءت هذه الخسارة الكبيرة، التي لم تعترف بها قوات هادي كعادتها، بعد أيام قلائل من سقوط جبهة المشجح الواقعة شمال غرب مأرب بشكل كلي تحت سيطرة قوات صنعاء، لينتقل مسرح العمليات إلى ما بعد المشجح، وتقترب المواجهات من منطقة الميل الواقعة في الأطراف الشمالية الغربية للمدينة.
هذا التحول العسكري الدراماتيكي حدث في ظرف ساعات، بتقدم الجيش واللجان شرق الطلعة الحمراء، وسقوط عدد من المواقع المهمة في الجبهة نفسها عقب استسلام قوات «اللواء 125» الموالية لهادي، والتي تعرضت للحصار منذ فجر السبت، وإعلانها القتال مع الجيش واللجان، نكاية بـ«التحالف»، بعدما تعرضت لـ«الغدر» والقصف الجوي.
وعلى رغم اشتداد المعركة شرق الطلعة الاستراتيجية تحديدا، إلا أن العمليات كانت شبه متوازية خلال اليومين الماضيين، بعدما دفعت قوات هادي بالمئات من العناصر العقائدية إلى القتال. لكن تلك الميليشيات السلفية المعززة بعناصر «القاعدة» سرعان ما انهارت، إثر وقوعها تحت ضغط عسكري كبير فرضته قوات صنعاء.
وأثناء محاولتها التراجع إلى أطراف الطلعة الحمراء، تعرضت لقصف مدفعي كثيف من قبل ميليشيات «الإصلاح» التي تقاتل في صفها. وأكدت مصادر قبلية في مأرب تعرض قوات هادي والميليشيات التي كانت تقاتل شرق الطلعة الحمراء لـ«الخيانة» من رفاقها في «الإصلاح»، بعد تراجعها تحت ضربات الجيش واللجان، موضحة أن معظم المقاتلين السلفيين يتبعون القيادي الموالي للسعودية، حمدي شكري، وينتسبون إلى محافظتي لحج وأبين (جنوب).
وبينت أن قوات صنعاء أطبقت الحصار على قوات هادي في الطلعة الحمراء، بتقدمها مساء السبت في تبة الدحلة، المطلة على تبة البس، والمشرفة على خطوط إمداد التشكيلات الموالية لـ«التحالف»، ومن ثم بدأت هجومها على الأخيرة منذ فجر الأحد من ثلاثة محاور داخل الطلعة وفي محيطها، ليستمر الهجوم أكثر من 12 ساعة متواصلة، ويؤدي إلى انهيارات واسعة في صفوف قوات هادي، دفعت العشرات من عناصرها إلى الانسحاب من المعركة والعودة إلى مدينة مأرب، ومهدت لسيطرة الجيش واللجان على عدد من المواقع الحاكمة في الطلعة الحمراء كموقع الشهداء والتبة البيضاء، فضلا عن تحقيقهما اختراقا جديدا وكبيرا شرق الطلعة، تمثل في تقدمهما شرق الشعب الأحمر وأم قباقيب وأم نخارير.
ووصفت مصادر مقربة من قوات هادي ما حدث بـ«الخيانة»، لافتة إلى أن قادة بعض الكتائب وجهوا مقاتليهم بالانسحاب من مواقعهم والتمركز في أطراف الطلعة من اتجاه الشرق. وحول نطاق السيطرة، أفاد أكثر من مصدر بأن قوات هادي لا تزال توجد في أطراف الطلعة الحمراء بعد سيطرة الجيش واللجان على قرابة 80% منها، وأن المواجهات لا تزال محتدمة في الأطراف الشرقية للطلعة، لكن ذلك لا يمثل أي أهمية عسكرية بعد سقوط كل المرتفعات هناك بيد قوات صنعاء، على رغم قيام طيران «التحالف» بشن أكثر من 50 غارة على جبهات القتال المشتعلة في محيط مأرب، خلال الساعات الـ48 الماضية.
وكانت معركة الطلعة الحمراء بدأت بتقدم الجيش واللجان في جبهات ملبودة والعطيف ووادي البراء والزور والحماجرة وأجزاء من البلق القبْلي، والتي اتسمت العمليات فيها بالصعوبة لما فيها من حاميات وحمم وهضاب طبيعية مرتفعة.
وعلى رغم إحاطة قوات صنعاء بالطلعة الحمراء من أكثر من اتجاه سابقا، إلا أنه كان على واضع القرار العسكري الميداني أن يخوض معركة بأقل الخسائر البشرية، ولذا فقد استكمل السيطرة على جبهة هيلان، والتف نحو المشجح ليخوض أشرس المواجهات مع قوات هادي التي أعدت هذه الجبهة كخط دفاع استراتيجي على مدى عامين، وعززت فيها التحصينات والسواتر الترابية والخنادق ومخابئ السلاح.
ومع كثافة الإسناد الجوي بالمئات من الغارات في جبهة المشجح، تمكن الجيش واللجان من إسقاطها الأسبوع الماضي، لتتراجع قوات هادي إلى أطرافها، وتبدأ العمل على إعادة ترتيب صفوفها خلال الأيام الفائتة، وتشن عدة هجمات استهدفت استعادة ما خسرته على الأرض، إلا أن محاولاتها باءت بالفشل.
إذ استطاعت قوات صنعاء نقل المعركة شمال غرب مدينة مأرب إلى ما بعد منطقة الوايت المحروق ومنطقة الدشوش، واقتربت من اختراق خط الدفاع الجديد لقوات هادي في منطقة الميل الواقعة على مشارف الضواحي الشمالية الغربية للمدينة. كذلك، استكمل الجيش واللجان السيطرة على التومة العليا التي تقع في نطاقها تبة ماهر، وتقدمت طلائعهما إلى محيط تبة البس، كما تمكنا من التقدم شرق الحمة الحمراء.
وعلى رغم اعتراف وزير دفاع هادي، محمد المقدشي، في حديث إلى فريق قناة «سي إن إن» الأميركية الذي زار جبهات مأرب الأسبوع الفائت، بأن قوات صنعاء تقدمت بشكل كبير نحو المدينة، تواصل الوزارة إيهام الموالين لها بأن موقفها العسكري لا يزال ثابتا.
المصدر: جريدة الأخبار
إضافة تعليق جديد