سوريّون ملاحقون على «فايسبوك» بتهمة العمل
منذ اندلاع الحربِ في سوريا، تحمّل لبنان عبئاً جديداً سبّبته موجاتُ النزوحٍ المتلاحقة، والّتي استقرّ، في محصّلتها، ما يقترب من مليون ونصف المليون سوريّ ضمن دولةٍ لا يزيد عددُ سكّانها الأصليين عن ثلاثة ملايين نسمة. حمل الأمرُ تداعيات سلبيّة عدّة ليسَ أقلّها ذهابُ بعضٍ من فرصِ عمل أولادِ البلد لمصلحة العمالة السوريّة الّتي تتلقّى أجراً مُنخفضاً نسبيّاً.
«بتحب لبنان؟ اشترِ من اللبناني» صفحةٌ جرى إنشاؤها على «فايسبوك» لأجلِ ما يُمكن أن نسمّيه «التحذير من خطرِ الوجودِ السوريّ في لبنان على المستوى الاقتصاديّ». تنشغل الصفحة بالبحث عن الدّكاكين والمحال الّتي يملكها أو يستثمرها سوريّون في لبنان، وتقوم بنشر صورِها وعناوينها سائلةً اللبنانيين عدم التعاملِ مع أصحابها، ومطالبةً الدولة اللبنانية بترحيل أولئك «الغرباء» إلى بلدهم الأم.
لا يقتصرُ «تشهيرُ» الصفحة على المتاجرِ الكبيرة، فهي لم تتوانَ عن ملاحقة الحلّاقين وبائعي الخُضار وعُمّال «المياومة» أيضاً، ومع كلّ منشور، يُعاد تدوير الخطابِ إيّاه «بدنا السّوري يفلّ على بلده». لا يحقّ لأحدٍ أن يُقلّل من صدقيّة أنّ الوجودُ السوريّ في لبنان يفوقُ قدرة البلدِ على الاحتمال، ولا يُمكن لعاقلٍ أنْ يُنكر حقّ بعضِ اللبنانيين في الاستياءِ من الضّرِر الّذي تسبّب به تدفّق السوريّين إلى وطنهمِ المُنهكِ أصلاً، لكنّ الصراخَ بضرورة إعادة ضحايا الحرب هؤلاء إلى جحيمهم القديم هو سلوكٌ لا يُمكن له أن يؤسّس لحلٍّ أو يُمهّد لتسوية.
في أحد منشوراتها تخاطب الصفحة «الإخوان السوريّين الأعزاءَ» قائلةً «أنتم تستطيعون العودة إلى دياركم والطريق مفتوحٌ أمامكم وأنتم تعرفون ذلك وترفضونه لأنكم بكل بساطة تقتاتون من حسنات الأمم المتحدة». هذا النّص فيه كثيرٌ من الرّقص على الجراح. كيف لصاحبِ عقلٍ أن يُصدّق أنّ ثمّة شعباً في هذه الأرض ينتشي بغربته ويطربُ على ذلّ المُخيّمات؟ ما يجري في سوريا، اليوم، ليسَ قتالَ شوارعٍ وليسَ اشتباكاً محدود الارتدادات. دمشق تعيشُ وتتعايشُ مع حربِ استنزافٍ أوشكت أن تُطفئ شمعتها السادسة ولمّا تكتفِ بعد من دمِ السوريّين وأرزاقهم. «المهجّرون» و «النازحون» مفردتان تنضويان على دلالةٍ صافية، وتوصفّان فعلاً قهريّاً أُكرِهَ عليه أصحابُه، وكلّ من يُشخّص الحالة على أنّها نشوةٌ سوريّة بالتضييق على لبنانيّ، أو غيرِ لبنانيّ، فهو يقولُ كلاماً باطلاً يُرادُ منه باطلٌ أكثرُ بشاعة.
حين تنتهي الحرب، سيعودُ السّوريّون إلى ما تبقّى من دورهم، واضعينَ نقطةً في آخر سطرِ معاناةِ دول الجوار كلّها، ولكنْ، وحتّى ذلك الحين، يجبُ على بعضِ من يُحرّض على طردِ السوريين من لبنان أن يتصالح مع كون الحرب الّتي تخوضها دمشق اليوم، لم تعد تخصّ أبناءها وحدهم، فالحديث عن مكوّنات الصّراع السوريّ يُحيلنا، سريعاً، إلى المُسلّحين اللبنانيين. وعليه: فإنّ المطالبة بطردِ السوريّين من لبنان، تستوجبُ أوّلاً المطالبة بانسحابِ كل العناصر اللبنانية من «الحرب السوريّة» وهذا ما لم ولن يتجرّأ «ممتعضو» الموقع الأزرق على القيام به، فهو خاضعٌ لتوازناتٍ دولية تفرضها الحربُ الكونية الدائرة في بلدِ الياسمين.
في الفترة القادمة، ربّما تُسنّ تشريعاتٌ جديدة وتُعدّل أُخرى قديمة على سبيل قوننة وجودِ السوريّين في لبنان، وربّما لا، لكنّ الأكيد أنّ الخطاباتِ المُحرّضة على «طرد» النّازحين خارج حدود البلاد لن تُنتجَ إلّا كراهيةً مُضادة سوف تتجلّى نتائجها في قادماتِ السنين.
رامي كوسا
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد