سيمون هيرش..جريمة الحقيقة في الإعلام الأميركي

30-05-2015

سيمون هيرش..جريمة الحقيقة في الإعلام الأميركي

الجمل ـ *بقلم  شاموس كوك ـ ترجمة رنده القاسم:
هو أقدر الصحفيين في تاريخ الولايات المتحدة. و لعقود كان سيمور هيرش يناقش مواضيعا دولية جعلته يفوز بجائزة بوليتزير Pulitzer Prize من بين جوائز صحافية أخرى قيمة.و لكن  المؤسسة الإعلامية التي قدسته يوما تسعى الآن إلى تدميره. إذ يواجه هيرش هجوما مشتركا من زملائه السابقين، و كل منهم يستل السكين من الآخر لكي يطعنه.
فتقرير هيرش الأخير حول مقتل أسامه بن لادن و تحقيقه السابق حول إخفاق أوباما عام 2013 في قصف سوريه كانا السبب في حملة تشويه إعلامية متزامنة.
غير أن مهاجمي هيرش حفنه من الخرقاء، و الطبيعة الهيستيرية و المتماثلة للهجوم تشي بحقيقة المهاجمين لا الضحية، الذين يمتلكون مصالح شخصية في تمزيق سمعة هيرش الممتازة.
لم يكشف تحقيقا هيرش الأخيران كذب إدارة أوباما فحسب، بل أيضا الإخفاق التام لوسائل الإعلام الأميركية ، التي كانت عن طواعية أسيرة للروايات القذرة الملفقة من قبل إدارة أوباما.
فعلى سبيل المثال، مقالات هيرش حول سوريه عام 2014  كانت فضحا لعينا لكذب أوباما على شعب الولايات المتحدة في محاولته لبدء حرب جديدة. و ردت وسائل الإعلام على مقالات هيرش الحساسة بصمت جماعي، و ببساطة تجاهلوها و لم يناقشوها و تركوا كذب إدارة أوباما دون مواجهة. قلة كانت تملك وقاحة كافية لتحدي هيرش و السخرية منه على أساس انه "صاحب نظرية مؤامرة" ، و لم يكلفوا أنفسهم عناء مناقشة ادعاءات هيرش.
إحدى "المؤامرات " الكبرى التي كشفها هيرش في سوريه تقول أن الحكومة التركية كانت تعمل سرا مع مجموعة جبهة النصرة المتطرفة من أجل إسقاط الحكومة السورية، هذا في وقت تعاون إدارة أوباما مع تركيا لأجل نفس الهدف. هذه "المؤامرة" الآن معترف بها على نحو واسع، مع تعاون تركيا و السعودية علنا مع جبهة النصرة و شقيقتها المتطرفة مجموعة "أحرار الشام" تحت مظلة مجموعة "جيش الفتح".
و صمت وسائل الإعلام الجماعي حيال مقالات هيرش السوريه تحول الآن لهجوم مشترك ردا على كشف هيرش لكذب رواية أوباما المتعلقة بموت بن لادن.
عقلية القطيع تسيطر على الإعلام، نباح و زمجرة، و لكن العضة تفتقد لأسنان. عضوا هيرش من الرسغ غير أنه بعثرهم بضحكة منه. فهو، الذي دائما يظهر بأنه على حق،  مرتاح لكونه في موقع القوة.  
فأقسى الادعاءات الموجهة ضد هيرش هي بحد ذاتها بليدة. إذ لاموه لاستخدامه مصادر مجهولة الاسم، بينما مصادره الأخرى ليست جيدة بما يكفي، و فيما يلي نسخة صحيفة وول ستريت عن أكثر هجوم رائج ضد هيرش:
"تقرير السيد هيرش، ذو العشرة آلاف و ثلاثمائة و ست و خمسين كلمة ،يعتمد تقريبا بشكل حصري على مجموعة مصادر مغفلة الأسماء، بحيث لا يمكن التأكد من صحتها، و مسؤول استخبارات أميركي متقاعد. واحد من المصادر المذكورة الاسم هو محمد أسد دراني المدير السابق للاستخبارات الباكستانيه"
و من المفارقات ، أن هذه الفقرة ، التي تعمد إلى التقليل من قيمة المصادر، تدعم هيرش، لأنها تظهر أنه استخدم مصادر أكثر مما تفعل معظم المقالات المكتوبة في وسائل الإعلام الأميركية بخصوص السياسة الخارجية.و عادة تعتمد وسائل الإعلام الأميركية على مصدر وحيد:إدارة أوباما، و على الغالب يكون هذا المصدر الوحيد مغفل الاسم ،يشار إليه ب "مسؤول حكومي رفيع المستوى". و لا يتم التأكد من الحقائق و لا توجيه أسئلة عنيفة، فما يقوله أوباما "حقيقة"، و إذا قام أحد مثل هيرش بتحدي الرواية ستقوم وسائل الإعلام بسحق المتحدي.
المصادر مغفلة الاسم أمر مقبول عندما يرى الصحفي أن الأشخاص الذين يتحدث إليهم لديهم إمكانية الوصول لمعلومات حول الموضوع الذي يتم التطرق له، و إذا كانت المقالة مثيرة للجدل فان وجود عدة مصادر سيكون مساعدا لدعم التقرير، كما فعل هيرش في تحقيقيه الأخيرين.
مسموح للصحفي في نيويورك تايمز استخدام مصادر مجهولة الاسم، فمن المعروف أن الصحيفة تملك إمكانية الوصول لأولئك الذين في السلطة. و  مرة ثانية استفاد هيرش من الشك المتعلق بالمصادر، إذ ما من أحد يشك بأن هيرش يمكنه الوصول إلى شخصيات حكومية عالية المستوى، بسبب شهرته العالمية و سجله الصحفي النظيف.
و لسوء الحظ أن الكثير من مصادر هيرش يجب أن تبقى مغفلة الاسم، و لكن هذا يعود إلى غطاء الخوف الذي استخدمه أوباما لإخفاء الحقائق، إذ فاق عدد كاشفي الأسرار الذين مثلوا أمام القضاء أيام أوباما أعدادهم في كل الإدارات السابقة جمعاء.و عملية قتل أسامة بن لادن لا تزال سرية للغاية، و أولئك الذين تحدثوا عنها علنا يمكنهم توقع عقوبة السجن الطويل أو ما هو أسوأ.
الهجمات الإعلامية الثانوية ضد هيرش كانت أكثر ضحالة ،و وصلت إلى عشرات المحاولات البائسة الرامية إلى الاستهزاء من منطقه.
إن توجيه أسئلة استقصائية جزء أساسي من الصحافة ، إلا إذا كانت وسائل الإعلام تواقة لتوجيه أسئلة مشابهة لرؤية الإدارة الأميركية حول موت بن لادن. و حتى بعد أن أقرت إدارة أوباما أن رواياتها الأولية عن اغتيال أسامه بن لادن كانت زائفة ، استقرت وسائل الإعلام فورا على الرواية الجديدة ، دون التساؤل عن الدوافع وراء القصة الزائفة السابقة، و دون أن يثير فضولها تناقضات المنطق في الرؤية الجديدة.
رؤية هيرش لموت أسامة بن لادن متفوقه منطقيا على تلك التي أعلنتها الإدارة الأميركية، انه المنطق الذي يمنح القوة لمقال هيرش، فعلى سبيل المثال يقول في الفقرة الافتتاحية: " ربما كتبت رواية البيت الأبيض بقلم لويس كارول (مؤلف أليس في بلاد العجائب) ، فكيف يقرر ابن لادن، و هو الهدف من ملاحقة دولية، أن بلدة تبعد أربعين ميلا عن إسلام آباد يمكن أن تكون الملاذ الأكثر أمنا  لكي يعيش فيه و يأمر بعمليات القاعدة؟"
فالثغرات في منطق القصة الرسمية كانت موجودة منذ البداية. و في  الواقع طرح هيرش أسئلة و تحرى عنها بينما كانت بقية وسائل الإعلام راضية بما تقيء به المكتب الإعلامي للبيت الأبيض.و عندما تحولت رواية البيت الأبيض إلى فيلم حائز على جائزة أوسكار، بمساعدة من السي آي ايه، التصقت الأسطورة بالثقافة الشعبية، إلى أن قام هيرش بتحطيمها.
و من المثير للانتباه أن كارلوتا غول، المراسلة القديمة لنيويورك تايمز في الشرق الأوسط  قالت علنا: "تقريري حول موت بن لادن يتخذ نفس مسار تقرير هيرش"، و وردت تصريحات مشابهة من  صحفيين في  NBC ، غير أن الأشخاص الذين تحدثوا تم إغلاق أفواههم مباشرة من قبل الكورس.
و هناك مصلحة خاصة لدى وسائل الإعلام في المحافظة على رواية أسامة بن لادن، لأنها كانت عنصرا هاما في آلة الكذب. علاوة على ذلك، تملك وسائل الإعلام باعا طويلا في الاحتفاظ بعلاقات دافئة مع إدارة أوباما، لأن البيت الأبيض يكافئ "الإعلام الجيد" بتسريب قصص منتقاة إلى "صحفيين جيدين" عبر "مسؤولين حكوميين رفيعي المستوى".
دوافع أوباما للكذب حول موت بن لادن هي القصة الحقيقية هنا، و المخفية تحت كومة من الافتراءات ضد هيرش. لماذا يكذب أوباما بخصوص اغتيال بن لادن؟ السبب واضح، فرواية موت بن لادن تحمي المحرفين في ادراة بوش و تمنح مشهدا دراميا مثيرا للحجة غير الشرعية للسياسة الخارجية الأميركية  المسماة "الحرب على الارهاب".
فعلى سبيل المثال  فيلم Zero Dark Thirty قائم على رواية البيت الأبيض. و نتيجة الفيلم كانت فيلم بربوغندا برعاية الدولة مرشحا لجائزة الأوسكار، إذ يظهر كيف تمكنت السي آي ايه بنجاح من اصطياد بن لادن بالتعاون مع البراعة و التكنولوجيا و التشويه.
مقالة هيرش تفضح هذه الكذبة و تحط من قيمة كل من شارك فيها.
بعد أن قام هيرش عام 2004  بكشف قمة التعذيب بتقريره حول أبو غريب ، نادت شعوب العالم بالعدالة و معاقبة المجرمين، و لم يتخذ أوباما أي إجراء و كذبة اغتيال بن لادن استخدمت لحماية المجرمين. و الأهم من ذلك منحت رؤية فيلم Zero Dark Thirty دعما جماهيريا ضخما للحرب على الإرهاب، التي سكبت فيها الولايات المتحدة مئات المليارات من الدولارات في المتفجرات و الطائرات الحربية و المراقبة الواسعة، و التي ثبت إخفاقها بشكل خارق. كل ما نجحت فيه هذه الحرب هو المزيد من زعزعة استقرار الشرق الأوسط و الذي أصبح بيئة خصبة لمجموعات متطرفة مثل داعش.
بشكل أساسي أظهر الهجوم الموحد ضد هيرش إذعان وسائل الإعلام الكامل للسياسة الخارجية الأميركية، حيث قبل كل من الديمقراطيين و الجمهوريين و حتى التقدميين السياسة الحكومية الرامية إلى عدم إنهاء الحرب و المراقبة الواسعة. و عندما كان بوش رئيسا شهدت المؤسسة الإعلامية انقسامات حول حرب العراق، و منح الإعلام الليبرالي حرية الهجوم،  لكنه انضم تحت لواء إدارة أوباما. و إعلام الجناح اليميني أيضا يشارك أوباما رؤيته حول السياسة الخارجية.
فتح هيرش بابا أما Fox News لمهاجمة أوباما فيما يتعلق بسورية و بن لادن، و لكن فوكس أغلقته بقوة و عوضا عن ذلك هاجمت هيرش. نعم الجناح اليميني في سائل الإعلام يكره أوباما و لكن لا يمكنهم مهاجمته حول السياسية الخارجية لأنهم يتفقون معه، و هذا الإجماع الكلي على السياسة الخارجية منح أوباما حرية رهيبة لإطلاق الطائرات التي بلا ربان في ست دول و قيادة حرب بالوكالة في سورية عمل هيرش على كشفها السنة الماضية.
إلى جانب برنامج NSA للتجسس، تجعل كذبات أوباما من الفضائح الرئاسية السابقة، مثل ووتيرغيت و ايران   كونترا،أمرا تافها ، في وقت تبدو فيه وسائل الإعلام الأميركية شريكا في الجريمة عوضا عن ذكر ما يحدث.

*كاتب صحفي أميركي و عامل في مجال الخدمة الاجتماعية

عن موقع Counter Punch

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...