صاحب «يلّا إرحل يا بشّار» لم يمت؟

19-12-2016

صاحب «يلّا إرحل يا بشّار» لم يمت؟

يتذكّر السوريّون، جيداً، اسم «زينب الحصني» الّتي قالت بعضُ وسائل الإعلام إنّها قضت في معتقلات النظام تحت التعذيب. الرئيس التونسيّ منصف المرزوقي كاد أن يبكي، انفعالاً، لدى حديثه عن «الفتاة الضحيّة» في واحدٍ من برامجِ «الجدل السياسيّ»، ليتبيّن لاحقاً أن الصبيّة حيّةٌ تُرزق.
بُعيد دخول الجيش السوريّ إلى حلب، انتشرت على وسائل الإعلام المعارضة صورٌ كثيرة، تبكي حال المدينة ومدنييها، ليتبيّن، لاحقاً، أنّ جزءاً لا بأس به من هذه الصّور يعودُ إلى بلدانٍ أخرى زارتها الحرب قبلاً.
نذكر أيضاً، على سبيل المثال لا الحصر، مشهداً نال رواجاً كبيراً عبر السوشال ميديا، يُظهر عدداً من رجال القبّعات البيضاء، ضيوف جائزة نوبل للسلام، وهم يمثّلون عملية إنقاذٍ قبل أن يلتقطوا «سيلفي» مع الشّاب الّذي رسم على وجهه ابتسامةً عريضة بعد أن لعب دورَ الضحيّة بكفاءة واقتدار.
ما قيل قبلاً، لا يُبرّئ فريق السّلطة من خطايا ارتُكبت وما زالت تُرتكب في سياقاتٍ كثيرة، لكنّه يُحيل إلى السؤال حول حاجة المعارضة لهذا الزيف كلّه. إذا كانت القضيّة محقّة أصلاً، فما هي دوافع التلفيق واختلاق المظالم؟
ضمن سياق التضليل والاستثمار في الوجدانيات، يحضر اسم ابراهيم القاشوش، أو «بلبل الثورة السورية» كما يروق لمحبّيه أن يلقّبوه. الشّاب الّذي لمع اسمه، بدايةً، في مظاهرات مدينة حماه، وردّد من خلفه متظاهرون كثر جملة «يلّا إرحل يا بشّار»، قِيل إنّه وُجد، صيف العام 2011، مذبوحاً على ضفّة نهر العاصي. وقيل، أيضاً، إنّ النظام جزّ عنقه واقتلع حنجرته لإرهاب الخصوم وتخويفهم.
صورة الرّجل المَيت، حيث الجرحُ طريّ في عنقه، تداولتها وسائل إعلامٍ عالمية كصحيفة «غارديان» و«بي بي سي» و «تلغراف» الّتي قال مراسلها في حماه إنّ «القاشوش قد دفع ثمن شهرته الزائدة، حيث ألقت قوّات الأسد القبض عليه وقتلته». الفضائيّات العربية لم تكن أقلّ شغفاً، فسارعت قنوات «الجزيرة» و «العربية»، بصورةٍ رئيسة، للاستثمار في «الجريمة» بصورةٍ أنتجت رسالةً وصلت للعالم كلّه «لا حدود لوحشية النظام السوريّ».
في محصّلة الضخّ الإعلامي المهول، تحوّل «القاشوش» إلى معادلٍ سوريّ لبوب ديلن وفيكتور جارا، صار «المتظاهر السلميّ المذبوح» رمزاً لشبابٍ كُثر، فأقيمت على اسمه معارضُ فنٍّ تشكيليّ وعُزفت لذكراه سيمفونيات وسال في رثائه حبرٌ كثير، وصار يؤتى على ذكره للتغنّي بـ «الثورة السلمية».
«أسطورة القاشوش» تهاوت إلى غير رجعة بعدما نشرت مجلّة «GQ» البريطانية تقريراً موسّعاً أعدّه الصحافي جيمس هاركن، الّذي زار حماه وتقصّى جملة معلوماتٍ قادته إلى حقيقةٌ مفادها إنّ «مُنشد الثورة» الّذي ظهر في الفيديوهات كلّها ليس ابراهيم القاشوش، وإنّما شابٌ يُدعى عبد الرحمن فرهود، وهو مستقرٌ حاليّاً في أوروبا.
من هو الرّجل المذبوح إذاً؟ يُشير التقرير إلى أنّ الفرهود كان قد غادر البلاد حين ارتكبت الجريمة. أمّا ابراهيم القاشوش، المذبوح النّازف الدمّ، فهو، وحسب شهادةٍ لمحقّق حقوق إنسان سوريّ، رجلٌ لا علاقة بالأغنيات والأناشيد، وتمّ قتله من قبل شارع المعارضة بسبب اشتباههم بكونه مخبراً للنظام.
إذا كان حراك البدايات مُحقّاً، وإذا كانت مظاهرات 2011 لازمةً ومشروعة، فإنّ أوّل من أجهض «الثورة» هم رعاتها وأولياء سياستها وإعلامها، فالقضايا، حين توظّف لتحقيق إصاباتٍ سياسيّة، تصير مزيّفة يعوزها الصّدق الّذي كوّن لها، ذاتَ بدايةٍ، جمهورها الأصيل.

رامي كوسا

المصدر: الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...