صحافيو سوريا بين إسكات الصوت وفتاوى القتل

15-09-2012

صحافيو سوريا بين إسكات الصوت وفتاوى القتل

لا أحد في سوريا في مأمن من الموت اليومي، سواء كان مؤيداً للنظام أو معارضاً أو مسلحاً أو حتى محايدا. الجميع  مشروع  قتل أو اعتقال أو خطف، وربما ذبح. لكن الصحافة، مهنة المتاعب الأولى، تتصدر قائمة  أهداف الرصاص.وفي أحيان كثيرة يكون القتل بفتاوى مجهولة المصدر، لكنها سريعة التطبيق، ولا يتردد كثيرون في دعم هذه الفتاوى، بحجة أن الصحافي شريك في التحريض على القتل، متناسين أن من يؤيد مثل هذه الفتاوى، يصبح بمثابة الشريك للقاتل، لأي طرف انتمى. ببساطة، باتت القنوات الفضائية هدفاً للاعتداءات، المباركة بفتاوى لا تتصل بشيء من الأديان. وأصبح الصحافيون، بمختلف انتماءاتهم وسياسات وسائل الإعلام التي يعملون فيها، على رأس لوائح الخطف والاغتيال. واضطر عدد منهم إلى العمل بأسماء مستعارة، وتغيير أماكن سكنهم. بل أصبح مجرد حمل آلة تصوير في بعض المناطق بمثابة جريمة قد يكون عقابها الموت.هي إذاً معركة يشترك فيها النظام والمعارضة معاً ضد الإعلام، وبتبريرات لا تمت للواقع بصلة، بقدر ما تعبر عن رغبة في إسكات الصوت الذي ينقل أنباء قد لا تروق لهذه الجهة أو تلك، في ظل الإصرار على جانب واحد وصورة واحدة يريد كل طرف أن يوصلها إلى الرأي العام، مسلح سوري يطلق النار على القوات النظامية في حلب أمس (أ ف ب) أما باقي جوانب القصة  فاستبعادها واجب، ولو بتصفية القائم على نقلها.مع بدء الحراك الشعبي في سوريا، كان هناك تحد رئيس يتمثل في السيطرة على الإعلام، فقرر النظام من جهة التضييق على العديد من وسائل الإعلام العربية والأجنبية، فيما لم تتردد المعارضة في دعم وسائل إعلام أخرى. على أن انتقال الحراك الشعبي من العمل السلمي إلى استخدام السلاح فرض واقعاً جديداً يتعين بموجبه نقل جانب محدد من الأزمة، وفق ما يراه النظام أو المعارضة.هكذا  قتل الصحافي الفرنسي جيل جاكييه والمصور ريمي اوشليك في حمص، ولحق بهم مصور قناة «الجديد» علي شعبان، ولاحقاً  انتقل  الأمر إلى الصحافيين السوريين أنفسهم ووسائل إعلامهم، مع مقتل الصحافي في صحيفة «الثورة» شكري أبو البرغل، وتعرض مبنى «الإخبارية السورية» والهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون للاستهداف المسلح. وقتل العشرات في تفجير «الإخبارية»، ليتبعهم خطف وقتل الإعلامي في التلفزيون الرسمي محمد سعيد، بالإضافة إلى عشرات رسائل التهديد بالتصفية التي وصلت ليس فقط إلى إعلاميي القنوات الحكومية السورية بل حتى مراسلي وسائل الإعلام، التي يعتبرها بعض أطياف المعارضة شريكة  في التحريض على حد وصفهم.كل هذا دفع بزملائهم إلى الامتناع عن حمل بطاقاتهم الصحافية،  وإلى الكتابة بأسماء مستعارة، أو تغيير أماكن إقامتهم، مع  تطور لافت يتمثل في مباركة العديد من المعارضين لعمليات قتل الصحافيين، على اعتبار أن وسائل الإعلام هذه تشارك في التحريض على القتل.ويذهب البعض أبعد من ذلك، باعتبار أن جميع العاملين في هذه الصحف أو الشاشات هم من الموالين للسلطة، ولو كان لديهم رأي آخر لأعلنوا انشقاقهم. ولم يتردد بعض الشيوخ في إصدار فتوى تجيز استهداف الإعلاميين ممن تجاوزوا الحد في الكذب، على حد وصفهم، ما فرض على الكثير من أصحاب السلطة الرابعة، اتخاذ إجراءات تبقى بسيطة للحذر من الاستهداف.ويقول الصحافي وسام عبد الله «في بداية الأحداث لم أشعر بهذا القلق، بالرغم من متابعتي لتعرض كثير من الصحافيين لعمليات قتل في بلدان مختلفة، ولكن حين بدأت عمليات الاستهداف للصحافيين (في سوريا)، ومن مختلف الأطراف، بدأت أشعر بالقلق».ويضيف «بالطبع يمكنني أخذ الاحتياطات بتحركاتي أو بتغيير اسمي، والكتابة باسم مستعار، ولكن يبقى الصحافي من دون حماية أمنية، ففي النهاية عليه أن يعتمد على ذكائه في التعامل مع الأحداث والخطر. والعمل الصحافي في المحصلة خطر، لأنه يندرج ضمن سياق عدم تقبل الفكر الآخر الموجود في البلاد، مهما كان هذا الفكر ولأي جهة انتمى هذا الصحافي».في المقابل، يعتبر مراسل إحدى القنوات الفضائية، ممن فضل  عدم ذكر اسمه، أن «التضييق من النظام قد يكون مفهوماً  باعتباره السلطة الحاكمة التي قد تسمح لوسيلة إعلام أو تعيق أخرى، ولكن المستغرب هو التضييق من المعارضة التي تسعى إلى إعطاء صورة تميزها عن النظام الذي تسعى لتغييره، وخاصة أن عدداً من النشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى عدد من شخصيات المعارضة السياسية، عمدوا إلى ترسيخ فكرة أن الصحافيين العاملين في وسائل الإعلام في البلد هم شخصيات أمنية، واعتبر غيرهم أنها تتحرك بأوامر من النظام، ما انعكس على عملنا في الداخل، فمنعنا من دخول المناطق التي يسيطر الجيش الحر، وإذا تمكنا من الدخول فإننا مضطرون لإخفاء هوياتنا الأصلية، وحتى اسم الجهة التي نعمل بها، فيما تصل الأمور في بعض الحالات إلى الضرب واعتبارنا مخبرين أو شبيحة نعمل لمصلحة الأجهزة الأمنية، متجاهلين أن العديد من الشاشات التي تناصر الحراك الشعبي  تفتح المجال بشكل أو بآخر لشخصيات لا تخدم هذا الحراك بقدر ما تسيء إليه، لتبدو المسألة في النهاية أشبه بتغيير في الأسماء  بالنسبة للفكر المعارض لا أكثر».بدوره، يشير ناشط في العمل الإعلامي إلى أن «الفتاوى التي أجازت قتل الإعلاميين في وسائل إعلام قد لا تتفق مع الحراك الشعبي مسألة بالغة الخطورة، تضاف إليها حالة التجاهل والتأييد في بعض الحالات لمقتل هؤلاء، على اعتبارهم مشاركين في القتل، ووفق قاعدة أن كل شيء مباح في الحرب. وهو يعكس بطبيعة الحال أن عدداً كبيراً من أطياف المعارضة لم تتحرر بعد من الفكر الشمولي، وتقبل الرأي الآخر، فالصحافي في النهاية ليس سوى ناقل للحدث، ولا يحمل السلاح ولا علاقة له بأي من الأطراف المتصارعة».لكن الناشط الإعلامي «يحمل جزءاً من المسؤولية إلى الخطاب الإعلامي التحريضي الذي ينتهجه إعلام السلطة، أو المقرب منه، بقصد أو غير قصد، حين يبالغ في تلميع صورة السلطة  وتخوين الأطراف الباقية إلى حد الاستفزاز في حالات كثيرة». ويضرب مثالاً على ذلك «حملة التهديد والتصفية التي طالت مراسلة قناة الدنيا ميشلين عازار جراء تقريرها عن مجزرة داريا، ففي هذه الحالة كلا الطرفين قد أخطأ، ولكن تقرير  المحطة المحجوبة عن الفضاء العربي حالياً كان البادئ  بالاستفزاز والتحريض، فوصلت الأمور إلى ما وصلت إليه».في النتيجة، لم يتغير شيء بين النظام والمعارضة، وما زالت صاحبة الجلالة تتعرض للتضييق وحتى القتل، على أن الفارق انه قتل معزز بفتاوى وتأييد كبير يتراجع معه صوت العقل.

طارق العبد

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...