صرخة تحذير في المؤتمر الدولي للمناخ
تسعى مختلف دول العالم في محادثاتها حول المناخ في العاصمة الكينية نيروبي منذ يوم أمس لإيجاد سبل جديدة لمكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري العالمية، بعد تحذير من أنّ الامتناع عن القيام بعمل على المدى الطويل قد يطلق شرارة انكماش اقتصادي مفاجئ وعنيف. لكن الأوساط البيئية تشير إلى أن المحادثات التي تشارك فيها 189 دولة وتستمر حتى السابع عشر من الجاري، من غير المرجح أن تؤدي إلى إنجازات كبيرة، وربما تتجنّب وضع جدول زمني صارم لصياغة خطة تخلف بروتوكول «كيوتو» للأمم المتحدة، الخطة الدولية التي ترمي الى خفض الاحتباس الحراري التي تنتهي عام 2012.
ويؤكد مختلف المتابعين لمشكلة الاحتباس الحراري الحاجة الملحة إلى التقدم في مجالين، هما اتفاق عالمي لما بعد عام 2012، وتحديد كيفية مساعدة الدول النامية على التكيف مع التغيّرات المتوقع حدوثها مثل المزيد من الجفاف والفيضانات وارتفاع مستويات مياه البحار. ويشكل حرق الوقود العضوي في محطات الطاقة والمصانع والسيارات السبب الرئيس للاحتباس الحراري.
ويعترف إيفو دي بوير، مدير أمانة تغيّر المناخ التابعة للأمم المتحدة، بأنّه «لا توجد ضغوط حتى الآن لتحديد موعد نهائي لإكمال معاهدة لما بعد 2012، مشيراً إلى أن حواراً موسّعاً في العمل المستقبلي سينتهي فقط في عام 2007». ويضيف «لا أعتقد بأنه ستكون هناك ضغوط في نيروبي لتحديد مثل هذا الموعد».
وسيحاول الاجتماع الذي يشارك فيه ستة آلاف شخص ضمن وفود ووزراء يحضرون في أسبوعه الثاني، تحديد كيفية إشراك الخارجين عن بروتوكول كيوتو في شكل أوثق في خطط طويلة المدى تقودها الأمم المتحدة. يُذكر أنّ هؤلاء «الخوارج» تقودهم الولايات المتحدة، أكثر دولة في العالم تصدر منها انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، إضافة إلى عدد من الدول النامية مثل الصين والهند.
ويلزم بروتوكول كيوتو 35 دولة صناعية بخفض الانبعاثات بنسبة 5 في المئة عن مستويات عام 1990 بحلول الفترة بين عامي 2008 و2012.
وحذرت أشمل مراجعة علمية لاقتصاديات تغيّر المناخ، أُطلقت مطلع الأسبوع الماضي، من أن كلفة الامتناع عن مكافحة الاحتباس الحراري العالمي قد ينتج منها انكماش اقتصادي على نطاق يماثل ما حدث في الحربين العالميتين وفي فترة الركود الاقتصادي في الثلاثينيات من القرن الماضي. ويأمل دعاة الحفاظ على البيئة أن يدفع التحذير المروع الذي ورد في تقرير البريطاني نيكولاس شتيرن، كبير الاقتصاديين السابق في البنك الدولي، إلى المزيد من الإحساس بالضرورة الملحة للقيام بخطوات عملية في اجتماع نيروبي.
ويؤكد تقرير شتيرن أن التقاعس عن معالجة التغيّر المناخي قد يرفع درجات الحرارة في العالم إلى ما يصل إلى خمس درجات مئوية خلال القرن المقبل، ما سوف يتسبب بفيضانات كبيرة وجفاف حاد واحتمال تهجير ما يصل إلى 200 مليون نسمة. ولكن شتيرن، وهو اقتصادي بارز عمل في البنك الدولي، يشير إلى أنّه «إذا اتّخذت إجراءات الآن، فإنّ المنافع الناجمة من اتّخاذ خطوات على امتداد العالم لمعالجة ظاهرة ارتفاع درجة حرارة الكوكب ستفوق بكثير الكلفة الاقتصادية والبشرية».
وتخضع تداعيات التغير المناخي للكثير من التشكيك، وخصوصاً من الدول النفطية. لذلك نجد أن رد الفعل الأول على التقرير جاء من قبل محمد باركيندو أمين عام منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك)، الذي قال إنّ التقرير «لا أساس له في العلم أو الاقتصاد». ولكن ما ليس محل شك هو الدليل العلمي على أن ارتفاع درجة حرارة الأرض ينجم من التزايد الهائل في انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون الناتج من ظاهرة الاحتباس الحراري. ولا يوجد شك في انه إذا ما كان العلم محقاً، فإن العواقب التي ستنعكس على كوكبنا ستكون كارثية بالفعل، وهذه الكارثة ليست متوقعة الحدوث في الخيال العلمي بعد سنوات عديدة مقبلة، إنّما خلال حياتنا.وقال تقرير شتيرن إنّ ثبات مستوى الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي سيكلف نحو واحد في المئة من الناتج العالمي السنوي بحلول عام 2050. وقد يؤدي التوقف عن اتخاذ إجراءات إلى خفض معدل الاستهلاك العالمي للفرد بما يتراوح بين خمسة و20 في المئة.
وزير المال البريطاني جوردن براون، الذي شارك في إطلاق التقرير، أكد أهمية ربط قوة الأسواق إلى نظام دولي لمقايضة انبعاثات الكربون، باعتباره أحد أفضل السبل لتقليل انبعاثات الغازات الملوثة.
واقترح براون، مشتركاً في ذلك مع شتيرن، هدفاً جديداً للاتحاد الأوروبي هو خفض الانبعاثات بنسبة 30 في المئة بحلول عام 2020 وبنسبة 60 في المئة بحلول 2050، وتوسيع نظام موجود بالفعل لمقايضة انبعاث الكربون ليغطي ما يزيد على نصف الانبعاثات.
ويريد براون أن يرتبط نظام الاتحاد الأوروبي الذي يضع الحدود العامة لانبعاثات الكربون ويسمح في الوقت نفسه للشركات بمقايضة حصصها بأوستراليا وكاليفورنيا واليابان والنروج وسويسرا لتحديد سعر دولي للكربون مما يحدد كلفة واضحة للتلوث. ويشير تقرير شتيرن إنه في ظل التوجهات الحالية سترتفع درجات حرارة الكوكب المتوسطة ما بين درجتين وثلاث درجات مئوية خلال الخمسين سنة المقبلة أو نحو ذلك، مقارنة بدرجات الكوكب بين الفترة من عام 1750 إلى عام 1850.
وإذا استمر تزايد الانبعاثات، فإن درجة حرارة الأرض سترتفع مزيداً من الدرجات المئوية، وستتمخض عن هذا عواقب وخيمة. وستكون الدول الفقيرة هي الأكثر تضرراً حيث سيهدد ذوبان الأنهار الجليدية في البداية بزيادة الفيضانات وسيضر بإمدادات المياه ويهدد في نهاية المطاف نحو سدس سكان العالم. ويريد البيئيون وبعض الحكومات وكثير من رجال الأعمال الذين يعتزمون الاستثمار على المدى الطويل في تقنيات جديدة، من المتفاوضين في نيروبي أن يضعوا بديلاً يخلف بروتوكول كيوتو بحلول عام 2008.
ويعتقد بعض الخبراء أن أي بديل أوسع نطاقاً لبروتوكول كيوتو ينبغي ان ينتظر حتى عام 2010 بعد ان يخرج الرئيس الأميركي جورج بوش من البيت الأبيض في كانون الثاني 2009.
ويقول بوش ان بروتوكول كيوتو سيكلف الولايات المتحدة فقدان وظائف ويستثني على نحو خاطئ دولاً نامية. وينفق بوش بكثافة على تقنيات جديدة لكن سياساته تسمح بزيادة الانبعاثات حتى عام 2010.
ولم يؤد تقرير شتيرن الى ظهور أي علامة على تحوّل المتشككين عن معتقداتهم في شأن خفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري. ووصف مجلس البيت الأبيض لنوعية البيئة التقرير بأنه «إضافة أخرى» الى «تحليلات اقتصادية غزيرة» حول قضية تغيّر المناخ.
بسام القنطار
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد