عازبات مع سبق الإصرار والتصميم
كان بيار ديبروج يردد دائماً أن الزواج مثل مدينة محاصرة, المحبوسون داخلها يحلمون بمغادرتها, والموجودون في الخارج يتمنون ولوجها مع أول فرصة.
لكن هنادي30 عاما:لا تؤمن كثيراً بهذه المقولة. فهي ً لا تريد ولوج المدينة المحاصرة وتفضل البقاء في الخارج الحر السعيد. تقول هنادي: (لست معقدة وليست لدي أي مشكلات مع الجنس الآخر. فأقرب الزملاء إلى نفسي في العمل رجال, وإخوتي الذكور أحب عندي من أخواتي البنات, وأصدقائي من الذكور اليوم أكثر من صديقاتي من جنس الإناث. كل ما في الأمر هو أن الزواج يخيفني كمؤسسة ونظام حياة. أنا امرأة حرة والزواج سيحد من حريتي. طبعاً كانت لدي صديقات يشاطرنني أفكاري, والتشبث بالاستقلالية والشغف بالحياة. لكن الزواج أدخلهن بالتدريج في سلسلة من التنازلات جعلتهن يفقدن في النهاية الكثير من بهجتهن واستقلاليتهن.
أنا أحب الحياة كثيراً ولست مستعدة لمقايضتها من أجل زيجة لا يمكنها أن تنجح في ظل مجتمعنا التقليدي الذي يعتقد رجاله مع الأسف بأن ورقة الزواج التي نوقّعها معهم تعطيهم الحق في أن يحشروا أنوفهم في أدق تفاصيل حياتنا وتبيح لهم معرفة كل شيء عنا. أنا أرفض مثل هذه الوصاية. ولأنني متشبثة بحريتي بشراسة, فإنني أرفض نهائياً فكرة الزواج).
طبعاً ليست هنادي سوى نموذج بسيط لفتيات من نوع جديد يتحفظن أساساً عن كلمة عانس. فهن عازبات فقط, بل مع سبق الإصرار, وقطار الزواج الذي تخشى بنات الأسر الفقيرة أن يفوتهن لا يعني هنادي وصديقاتها كثيراً, فعرباته المهترئة لا تغريهن بالركوب.
ومانيا سكرتيرة في مؤسسة حكومية: هي أيضامن اولئك. فهي لا تعاني من أي فراغ لتملأه بالزواج. صحيح أن مانيا تجاوزت الثلاثين لكنها لا تولي هذا الأمر أي أهمية. إنها تصف نفسها بأنهاامرأة نشيطة ومشغولة على الدوام: تقول (العمل يأخذ جزءاً مهماً من وقتي, ومسؤولياتي داخل جمعية خيرية تلتهم الوقت المتبقي. لا أشعر طبعاً بأي نقص. فالوضع الذي أعيشه حالياً اختيار شخصي. طبعاً نحتاج جميعاً إلى الدفء لنعيش حياة سوية. هذا الدفء أجده في أسرتي التي تبقى روابطي معها قوية جداً. أما بالنسبة الى الاطفال, فأطفال إخوتي كلهم أطفالي. إنني فعلاً مرتاحة للحياة التي اخترتها وأؤكد انه لا ينقصني أي شيء على الإطلاق).
لكن هبة37 سنة سيدة اعمال ترفض أن تخلط الأمور بهذا الشكل: (لا أجد هناك أي علاقة بين الحديث عن ارتفاع معدل سن الزواج وظاهرة اختيار حياة العزوبية. فالفارق واضح. أعرف أن الفتيات يؤجلن الزواج اليوم إلى ما بعد التخرج في الجامعة ويفضلن البحث عن عمل أولاً قبل أي ارتباط من هذا النوع. وهذا يؤخر سن الزواج بالنسبة اليهن. لكن حالتي شخصياً وحالة العديد من النساء مختلفة تماماً. نحن لا نريد الزواج ولا نفكر فيه. ببساطة لأن دخول قفص الزوجية يعني بالنسبة الى امرأة عملية وطموحة الانتحار. وأنا لا أريد أن أنتحر. حصلت من والدي على مبلغ مالي كبير بعد تخرجي من كلية التجارة. ووهبت جزءا كبيرا من وقتي لمشروع صغير قمت بتأسيسه والذي صاراليوم وحدة إنتاجية ناجحة ونحن قيد التوسع حالياً. وأعتقد بأن هذا المشروع يستحق مني المزيد من الجهد والمزيد من العمل, وهو ما لا يمكن أن أوفره لها في حال ارتبطتُ بشخص. في بداية الأمر, كانت والدتي تحضر لي العرسان من أرقى المستويات الاجتماعية. ولم أكن رافضة لمبدأ الزواج. لكن كلما عاشرت أحدهم لفترة, اكتشفت أنه يعتبر في قرارة نفسه زواجي منه أهم بكثير من عملي. وهذا ليس صحيحاً. فارتباطي بأسرتي ونجاحي في عملي أعتبره مصدر إشعاع أكبر هو مبرر وجودي وفرح حياتي. ومن خلال احتكاكي مع هؤلاء العرسان غير المأسوف عليهم خلال فترات الخطوبة, اكتشفت أنهم جميعاً يريدون زوجة لطيفة تهيئ لهم أطبا ق الطعام الشهية. لهذا طلبت من أمي أن تقفل لائحة العرسان وتتركني أركز على عملي وأستمتع بعزوبيتي
أما ندى. س محررة في مجلة احتماعية: متزوجة منذ بضع سنوات أكدت أن عزوبيتها المفقودة كانت من أجمل فترات حياتها. وهي لم تعد راضية عن نفسها بعد الزواج. فالزوج الذي تزوجها إعجاباً بنصوصها الجريئة والمغامرة, صار اليوم ناقدها الخاص. ناقد بالمعنى السلبي, كما تقول, فقد صار يشرح لي أن مثل هذا الكلام لا تصح كتابته, وأن مثل هذه الفقرة قد تجعل القراء يشكون في أنني غير مرتاحة في حياتي الحميمة. صدقني, لم أعد أكتب بحريتي السابقة ولم أعد أحب ما أكتب وأخشى أن أضيع ككاتبة. أما على المستوى الشخصي, فلا أخفيك أنني بدأت أشعر بالملل وهناك حنين قوي جارف صار يشدني إلى فترة العزوبية. ولولا الأطفال لما ترددت في التسلل خارج هذا القفص للتحليق من جديد في سماء العزوبية الرحبة.
من الطبيعي أن يتزوج الإنسان ويكوّن اسرة وانه من غير الطبيعي أن يبقى عازباً, وهذا ينطبق على الرجل والمرأة ولكن المجتمع هو مجتمع ذكوري قائم على التمييز الجنسي, لذلك يعتبر أن الرجل إذا لم يتزوج فهذا يعود إليه, الى قرار اتخذه بعدم الزواج, إذاً هو عازف عن الزواج بمحض إرادته. أما الفتاة إذا لم تتزوج فلأنها غير مرغوب فيها ولذلك فهي عانس وهي صفة فيها من التبخيس والتقليل من الشأن والتصنيف الاجتماعي. وقد يكون العزوف عن الزواج لاسباب عضوية, مرضية, ولكن هذه الحالات قليلة جداً, وفي أكثر الأحيان الأسباب هي نفسية اجتماعية أو اقتصادية. فالرجل لم يعد يتزوج قبل الثلاثين من عمره والفتاة قبل السابعة والعشرين. و الحياة العصرية التي يعيشها الشباب والحرية الزائدة واختلاط الجنسين والرغبة في حياة مرفهة وتفكك الروابط المقدسة بين أفراد الأسرة وسيطرة الذاتية والأنانية.. قد يقول البعض إن العازف عن الزواج متحرر من المسؤولية الأسرية لذلك فهو يعطي إنتاجية أعلى من غيره في مجال عمله, قد يكون هذا صحيحاً وقد لا يكون لانه يجب ألا ننسى أن الزواج والعلاقات داخل الأسرة تخفف من التوترات النفسية التي تعيق كل إنتاجية وتنعكس على العلاقات مع الآخرين, كذلك يجب أن لا ننسى إن للعازب رغبات وحاجات جنسية طبيعية. هذه الحاجات تروي عن طريق الزواج أما العازب فهو إما يكبتها وما ينتج عن كبتها من مفاعيل, واما يشبعها خارج إطار الزواج ونحن نعلم ما يرتبه ذلك من سلبيات.
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد