عبد الله المحيسني: من الولاء لآل سعود.. إلى قيادة الإرهاب في سوريا
لم تكن له سابقة «جهاد» من قبل، لكنه منذ وصوله إلى الأراضي السورية قبل عامين، صعد نجمه بشكل مريب ليحتلّ خلال فترة وجيزة مكانة عالية بين التنظيمات «الجهادية» مكنته من تولي دور القاضي والحَكَم في أهم الخصومات التي جرت بين هذه التنظيمات.
وبالرغم من أنه لم يبايع أيّ تنظيم، وآثر العمل كمستقل، إلا أن الشيخ السعودي عبدالله المحيسني سرعان ما اتخذ موقفاً معادياً لتنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) وحافظ على علاقات وثيقة مع «جبهة النصرة» و «أحرار الشام» وغيرها من أوجه «القاعدة» في سوريا.
واللافت أن المحيسني، وبرغم «نفيره»، ظل وفياً لبيعة سابقة كانت في عنقه للملك السعودي الراحل عبدالله بن عبدالعزيز قبل أن يضطر إلى التبرؤ منها بعد انفضاح الأمر.
وكان رجل الدين السعودي الشاب قد وصل إلى الأراضي السورية في أوائل شهر تشرين الأول من العام 2013، أي بعد أشهر من الخلاف بين «جبهة النصرة» و «داعش» ومع ذلك لقي وصوله ترحاباً واسعاً من قبل أنصار الفريقين.
وولد المحيسني في مدينة القصيم ببريدة المعروفة كخزّان «الجهاديين» الذي لا ينضب في السعودية، لأب يعتبر من أشهر القرّاء السعوديين، هو الشيخ محمد بن سليمان المحيسني. ثم انتقل مع عائلته إلى مدينة مكة حيث تدرج في الدراسة حتى تخرج من جامعة أم القرى حاملاً شهادة بكالوريوس في الشريعة الاسلامية. بعد ذلك التحق بجامعة «الإمام محمد بن سعود الإسلامية» بالرياض (المعهد العالي للقضاء) لإكمال دراسة الماجستير تخصص (فقه مقارن) وتخرج بتقدير امتياز. وكان يعمل على إنجاز رسالة «أحكام اللاجئين في الفقه الإسلامي» لنيل درجة دكتوراه، ومن غير المؤكد ما إذا كان قد نالها بالفعل.
وينحدر المحيسني من عائلة ثرية ومعروفة بولائها للعائلة المالكة في السعودية، فوالده القارئ المعروف ما زال على قيد الحياة ويجاهر ببيعته للملوك على تعاقبهم، ولم يُعرف عنه أنه تبرأ من ولده أو أنكر فعله بالنفير إلى الشام، ومع ذلك لم يتعرض لأي مضايقات أمنية.
وحتى بعد وصوله إلى سوريا وانخراطه في سلك «الجهاد»، الذي من أبرز تعاليمه محاربة «الطواغيت»، لم يُظهر المحيسني أي انتقاد لعائلة آل سعود، بل على العكس عبّر في أكثر من مناسبة عن التزامه بالبيعة التي قدمها للملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، وكتب ذات مرة على سبيل المناصحة تغريدة شهيرة يخاطب فيها الملك عبدالله ويقدم له بعض النصائح من باب ما توجبه البيعة عليه من واجب النصح، وكان هذا اعترافاً مكتوباً منه بولائه لآل سعود.
وبالرغم من أن المحيسني بعد تفاقم خلافه مع «داعش» اضطر إلى إعلان تبروئه من التغريدة السابقة وتبيان أنها كانت قبل هدايته، إلا أن ذلك لم يقدْه إلى اتخاذ مواقف حادة ضد ملوك بلاده، بل على العكس كان له موقف متشنج جداً إزاء أحد الشروط التي وضعها «داعش» لمصالحة الفصائل التي تقاتله، وهو شرط تبيان موقفها الشرعي من آل سعود.
ومما لا شك فيه أن اسم المحيسني لم يكن غريباً عن أجهزة الاستخبارات السعودية، فالرجل قبل «نفيره» كان له نشاط حافل بدعم «الفصائل الجهادية» من خلال تنظيم حملات التبرع لجمع الأموال لها، وكان المسجد الذي يتولى إمامة الصلاة فيه في مكة المكرمة معروفاً بكونه أحد أهم صناديق التبرع لهذه الفصائل.
وقد استمرت حملاته بجمع الأموال حتى بعد وصوله إلى سوريا، ولكن هذه المرة عبر حسابات مصرفية في عدد من بنوك الخليج، وقد نشر أرقامها أكثر من مرة عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي.
وفي سوريا، برز اسم المحيسني للمرة الاولى عندما تدخل كوسيط بين «داعش» و «أحرار الشام» لحل الخلاف الذي اندلع بينهما وشكّل شرارة بداية الاقتتال لاحقاً، في مدينة مسكنة بريف حلب في شهر كانون الأول من العام 2013، أي بعد وصوله بشهرين، واشترك معه في هذه الوساطة حينها الداعية الكويتي المعروف فهد العجمي.
وقد جاءت محاولات المحيسني للتوسط بعد ذلك في أكثر من مشكلة حدثت بين «داعش» والفصائل الأخرى انطلاقاً من تقديمه نفسه على أنه مستقل ويقف على على مسافة واحدة من الجميع. وبالرغم من انه كان كثير الثناء على تنظيم «داعش» وقيادته، حتى كان يُعتبر من المقربين منهم، إلا أن ذلك لم يمنع أن بعض التسريبات المبكرة من أوساط التنظيم كانت تشكك بالرجل ودوره. حتى أنه عندما اجتمع مع القائد العسكري في «داعش» عمر الشيشاني، همس البعض بأن هذا الاجتماع كان بهدف إقناع الأخير للانشقاق عن التنظيم مقابل مغريات كبيرة جداً.
وتدخل المحيسني لمنع حدوث الاقتتال في بداية العام 2014، حيث طرح ما أسماه «مبادرة أمة» لحل الخلاف بين الفصائل، إلا أنها فشلت فشلاً ذريعاً لأن العديد من الفصائل وعلى رأسها «داعش» لم تقبل بها. لكن هذه المبادرة زادت من شهرة الرجل وجعلت منه رقماً صعباً في معادلة الجهاد الشامي. غير أن ما جعل نجمه يسطع على نحو غير مسبوق، هو الشهادة التي أدلى بها، في شباط 2014، ضد تنظيم «الدولة الاسلامية» وحمّله فيها المسؤولية عن الخلاف الحاصل. ومع تدهور علاقته مع «داعش» اقترب أكثر فأكثر من التنظيمات «القاعدية» الأخرى وعلى «رأسها «جبهة النصرة» و «أحرار الشام» و «جند الأقصى» وغيرها. وكان لافتاً أن زعيم «النصرة» اختار اصطحاب المحيسني معه في إحدى أهم جولاته، عندما أعلن عن نيته تأسيس «إمارة إسلامية» في إدلب، ما يشير إلى أن الأخير بات يتمتع بنفوذ قوي داخل «جبهة النصرة».
وكان المحيسني قد أسس «مركز دعاة الجهاد» في نهاية عام 2013، والمركز الذي بدأ بداية متواضعة عبر اقتصاره على توزيع المنشورات الدعوية، تحول خاصة بعد السيطرة على إدلب، إلى ما يشبه المؤسسة سواء من حيث ازدياد عدد كوادره أو حجم النشاطات التي يقوم بها، لا سيما تأسيسه بعض المعاهد التعليمية مثل «معهد عائشة أم المؤمنين» في إدلب. وينوب عن المحيسني في رئاسة المركز سعودي آخر هو الشيخ مصلح العلياني.
وتخلّى المحيسني عن استقلاليته في آذار الماضي عندما وافق على تولي منصب «قاضي عام جيش الفتح»، وإن وضع هو الموافقة على أنها لخدمة الخطوة التوحيدية التي يرمز إليها الجيش المشكل.
وقد أصيب المحيسني أثناء معركة السيطرة على إدلب حيث كان في زيارة لأحد مراكز المقاتلين التركستانيين فأصيب بطلقة قناص في بطنه، كما كان قد تعرض في السابق لإصابة خفيفة في الرأس. وتحدث عن تعرضه لمحاولة اغتيال من قبل تنظيم «داعش» عبر أحد مساعديه أبو الحارث الحمصي.
لكن المحيسني الذي عرف صعوداً صاروخياً لسمعته ونفوذه، يتعرض في هذه المرحلة لأصعب امتحان يمر به، وقد يكون بداية طريق الانحدار وخفوت الأضواء من حوله. وبدا جلياً أن الرجل فقد دوره التصالحي في أعقاب الخلافات التي نشبت بين فصائل «جيش الفتح» وخاصة بين «جند الأقصى» و «أحرار الشام» وعجزه عن إيجاد حل لها، برغم إعلانه مراراً وتكراراً أن الحل بات قريباً، بل إنه أعلن في آخر مرة أن «جيش الفتح قد التأم شمله من جديد» في بشرى وجهها عبر حسابه على تويتر، لتُوجَه له صفعة عنيفة من قبل «جند الأقصى» الذي أنكر الأمر ونفى عودته إلى صفوف الجيش. لذلك من غير المستغرب أن يجد المحيسني نفسه مضطراً إلى قضم جزء آخر من استقلاليته في محاولة لإعادة الاصطفاف وفق المعادلات الجديدة التي باتت تتحكم بالمشهد «الجهادي».
عبد الله سليمان علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد