عن الحملة ضد قانون الأحوال الشخصية الجديد السوري
أخيرا سحب قانون الأحوال الشخصية الذي أثار طرحه من قبل الحكومة ردود فعل عنيفة بسبب طابعه المغرق في المحافظة خاصة بالنسبة لبلد اعتاد مساحة واسعة من الحريات في شؤونه الاجتماعية مثل سوريا . تعرض مشروع القانون لحملة مناهضة في الإعلام و عدد من المواقع الإنترنتية , يمكن اعتبارها نموذجا للشكل السائد من الحراك السياسي و الفكري ليس في سوريا وحدها , ذلك الحراك الذي يقتصر بامتياز على النخبة و يستخدم لذلك تلك الوسائل الرائجة بين صفوفها للتعبير عن الرأي أو تبادل الآراء , مثل الإنترنيت و بعض الصحف الورقية , السورية و اللبنانية و حتى الفيس بوك . هذا الحراك يجري التعبير عنه في مواقف معلنة موجهة أساسا للنخبة أو للسلطة , في قبول و تكريس لحالة تهميش الجماهير , التي يدور الحديث كله عن واقعها , و لواقع عزلة النخبة عن الجماهير , و لتفرد السلطة باتخاذ القرارات الهامة فيما يتعلق بحياة الناس . أما تراجع السلطة في نهاية المطاف عن مشروع هذا القانون المثير للجدل فإنه يشكل تكريسا لاستبدادها بالموقع المفتاحي في المجتمع أكثر منه تراجعا أمام "ضغوط" ما مارستها نخبة علمانية التوجه . طوال تلك المواجهة كان هناك قبول , و حتى حرص , على استبعاد الجماهير نفسها عن دائرة النقاش قبلت به النخبة , أو خضعت له , و مارسته دون تردد أو انزعاج من محدودية هذا الحراك , هكذا كان يجري قياس الحراك بعدد المقالات التي تناولت هذا المشروع على مواقع الإنترنيت أو الجرائد و حدة النقد الإيديولوجي أو الأخلاقي الموجه للقانون , في عزل صريح و كامل بين مشروع القانون و السلطة التي أفرزته أو آليات التشريع في ظل نظام تستأثر فيه السلطة بكل شيء , دون أن يجري الحديث حتى عن ضرورة حراك جماهيري موازي أو حتى تابع للحراك النخبوي له أي تأثير على المركز السلطوي . للإنصاف يجب القول أن هذا هو الشكل السائد عربيا لما يسمى بالحراك المجتمعي , و الفرق هو في القوة التي تشكل مركز هذا الحراك الذي يدور حوله الجميع , من السلطة المطلقة الواحدة إلى السلطة المتشظية للبرجوازية المحلية أو للطائفية السياسية في حين يبقى البشر أنفسهم بعيدين تماما عن كل هذا النقاش بخصوص حياتهم.
مازن كم الماز
إضافة تعليق جديد