عن سيكولوجيا الجماهير لغوستاف لوبون

يستعرض فيها ماوجده خلال أسفاره لعدة بلدان حول العالم ليقدم لنا الكثير من الأفكار التي تسهل علينا فهم مكنونات الجماعات، ويفسر لنا بعض التصرفات الغريبة أحياناً مستندا في ذلك إلى علم النفس في تلك الفترة.. فالجماعات عاطفية لأبعد الحدود فلا يمكن أن تقود جماعة بخطاب عقلاني مليء بالأدلة العقلية والبراهين العلمية، والجماعات غبية بالمطلق والذكاء الفردي يتم تدميره عندما يندمج الفرد ضمن جماعة ما، ومن جهة أخرى إذا طلبت من مجموعة من الأميين أو البلهاء أن يحتكموا لقرار ما، وطلبت الأمر عينه من مجموعة من الأفذاذ، فإن المجموعتين ستخرجان بالحكم ذاته، وذلك مرده إلى الفكرة ذاتها بأن الذكاء يختفي ضمن الجماعة.

والجماعات لاتشعر إن لم ترى، فإن أذعت خبرا مفاده مقتل 5000 شخص نتيجة تفشي وباء ما في قرية بالقرب من باريس لن يأبه لها الباريسيون، أما أن يشاهد الباريسيون تحطم برج إيفل أو غيره والتسبب بمقتل بعض الأشخاص فهم سيتأثرون بذلك بالغ الأثر، وللجرائم ضمن الجماعات مفهوم آخر، فأن ترتكب مجموعة من الناس أبشع الجرائم وأقذرها لإيمانهم بقضية ما، لن يشعروا بأي نوع من أنواع تأنيب الضمير فهم تحت تأثير الجماعة ويردون ذلك إلى أنه أمر واجب لنيل مرادهم ويضرب لنا المؤلف المثل بالمجازر التي ارتكبها الثوار الفرنسيون إبان الثورة الفرنسية في سجن الباستيل وغيره من الفظائع. الفضيلة والأخلاق في الجماعات تزداد وتقل تبعا لأهدافها المؤقتة فقد تخرج جماعة ما اليوم بأرقى المطالب وتنقلب غداً لأشنع الشعارات وهذا يوضح لنا المزاجية المفرطة للجماعات. ويشرح المؤلف العديد من العوامل الأخرة التي تؤثر في سلوك الجماعات كالعرق والمنشأ والبيئة المحيطة.

وعند دراسة الجماعات يجب ألا نغفل عن دراسة حكام وقواد تلك الجماعات، فيعرض لوبون بعض العوامل التي يجب أن يتحلى بها الحاكم كالنفوذ والسطوة والمال والذكاء، ولكن أهمها على الإطلاق هو النفوذ وهو وراثي أو مكتسب فمهما كان وجود العامل المادي مهما إلا أن زعيما من دون نفوذ لن يأبه به أحد، أما الذكاء فهو مضر في بعض الأحيان أكثر من نفعه فكما أسلفنا الجماعات غير عاقلة بكيانها الجمعي ولا تعي الخطاب الذكي ولذلك نلاحظ في بعض الأحيان نجاح حكام أغبياء باستمالة شعوبهم.

يشرح لوبون كيفية تشكل آراء الجماعات، ثم يقوم بتصنيفها، والكتاب يحتاج لأكثر من مراجعة لتوضيح أفكار المؤلف.. ينصح به لفهم سيكولوجيا الشعوب وتقلباتها..