عندما يلبس الشرف أنين زهرة أخرى
مسعود عكو: كلما حاولت أن أشعلَ شمعة، توقفت كل أنوار الكون عن الضياء، وكلما حاولت أن أطفأ ما لدي من شموع، أنار الكون كل ما فيه من أنوار.
لا أعرف!!! هذه الحياة غريبة، مبهمة، كئيبة، هؤلاء الناس مخلوقات أخرى!!! هذا الكون غريب الأطوار في منطقهم الطغاة شهداء، اللصوص أسياد، الشرف معلق ببكارة فتاة، ولا يغسل العار إلا بسفك الدماء ليزين فستان العروس الصغيرة بباقات ورود، وأية ورود مضرجة بدماء غسل العار، وزهرة أخرى تدفع ثمن تخلف بدائي لمنطق وحشي يفوق ألاف المرات افتراس قطيع من الذئاب لغزال شارد لا يعرف أين درب العين.
كم هي التعاسة أن يطعن الحقد حبقاً جميلاً، وتعانق زهرة خنجراً قاتلاً!!! تتكلم كل الأحرف حينما تغرد أنثى بقرب ساقية ماء حزين، وتنام على وجنتيها كل فراشات الزهور المضيئة التي تتطاير من نسمة هواء قد تكون أحياناً قاسية عليها، وتبدأ الأحلام بترتيل ترانيمها الأبدية. فيأتي ناطور الشرف، ويقتلع الزهرة من جذورها، ويرميها لتذبل في زقاق الألم الأخرق من كل أهات الكون الأعمى.
زهرة أنينها أجمل أغنية يعزفها المطر حين انبعاثه من المزن المثقل بهموم الكون، وضباب النفس الأصفر التي تهم بحياتنا جيئة، وذهاباً، لم تفقد شرفها، ولم تجلب العار لأي كائن في هذه البسيطة، زهرة حذت حذو الآلاف في تخطيط حياتها التي تريدها هي لا أن تملي عليها أنانية مفرطة يريد الذكور فيها أن يبرموا شواربهم في عرض عضلات الشرف المعلق بقتل وردة ما زالت قطرات الندى لم تجف على بتلاتها الرقيقة.
سيتذكر القاتل الألم حينما ينسى كل ما في الكون من انقلابات سحرية في عالم الشرف المضطرب بين خلجاته التائهة خلف أسلاك شائكة تبتر الكلمات، والأحرف، ويفقد ابتسامات زهرة قبل أن تغرس نفسها في أيدي لا تنال إلا القبل، والعقيق، ودملج من نضار، وشذاً من زيزفون شامي مع نسمة باردة في غمرة عشق جديد.
أنامل زهرة، نظراتها، وكلماتها الضائعة التائهة خلف اسوداد لا لون له بل حتى لا اسم له سوى الجريان في ساقية صغيرة تنتظر طفلاً يرمي فيها حجراً صغيراً، أو عاشقاً يرمي فيها أخر بتلة وردة مبلولة بدمع من كان يحبها في مسلسل تحبني... لا تحبني...
مذ رمق زهرة في أول لقي كانت تنتابه رقصة القراصيا، وهي تتمايل ميمنة ميسرة، وتحاول أن تتمالك، ولكن كانت نسمات الغوطة تبقيها كما هي عرضة في مهب الريح الآتية من خلف ذلك السور القديم، والفكر العتيق، والشرف المزيف، الذي حاول ممارسة طقوس حياته اليومية بعيداً عن أزلية الخوف، وكينونية الظمأ للضعف البشري، رامياً كل قدسيات الإله عرض الحائط، وتجاهل أن قتل أي إنسان هو أعظم من انتهاك أي عرض، وإذلال أي شرف، ألم يكن يدري أنه من قتل نفساً بغير نفس كمن قتل الناس جميعاً؟؟؟
قبل فوات الأحزان تتأمل كلماته المبعثرة في مخبأ الأزهار التي لا تكل من الألم، والأسى في خضم حركات الحياة المتسارعة خلف طرقات مبتورة من أنصاف بشر يسيرون، ويهلعون خلف أصوات خفيفة تكاد أن تسمع، وأحرف تكاد أن تختنق من كآبة الليالي الطويلة الداكنة في حلكة أهاتنا، وذواتنا المترجلة من أحصنة مهزومة في سباق الزمن الضائع، وحده الألم فائز في هذا اليوم الطويل.
الحب، هو أعذب شيء قد يستلذه لساننا، فلا طعم له سوى ما في الجنة، ولا رائحة له سوى رائحة المقدسات، ولا لون له سوى لون السماء الأزرق البعيد خلف تلك الغيوم العالية، ويلتف حول الإله ليأخذ من بريقه رونقاً، يضفي على بسماته لمعاناً من نوع آخر. فهل نقلب الحب حزناً، وألماً، وكآبة؟؟؟
الحياة، أغلى ما نملكها هنا، ولا حياة لمن لا حب له، وهو موروث إنساني منذ بداية الخليقة ليومنا هذا. فلما نقوم بتحويل مجريات الكون كما تشتهي أهوائنا الضعيفة الذليلة لأسماء، واستعارات مفتعلة، وممزوجة بعبارات تسمى الشرف، هل الشرف فقط في الأنثى؟؟؟ رغم أنه يداس شرفنا يومياً بآلاف الألوان فلا أرى من حولي أي مدافع عن شرف من المفترض أن يكون أكبر من هروب فتاة مع حبيبها، أو فقدان عذراء لبكارتها. لا سعياً لتوطين الخطأ في حياتنا الاجتماعية التي نحترمها بكل عاداتها، وتقاليدها، ولكن لا يكمن الشرف فقط في هذا.
بدون جدوى تنتهي كلماتي قبل أن أعلن الحداد على أرواح من التقيت بهم في هبوب رياح سوداء، ألم كئيب يتكئ على عود ريحان قد طال أمد انتظاره، هو في شوق لجلسة غرام جديدة، سيبقى ذلك كله بعيداً عن رايات النصر الخالدة، وتبقى الأحرف أسيرة حنجرة عتيقة بقدم منارة الألم التي تومض في كل ليلة تتذكر فيها زهرة كل من أحبتهم... كل الفراشات، العصافير، وقطرات الندى.
كلما اقتربت من نهاية الكلمة تكبلني الأحرف مرة أخرى، وتعيدني لبداية سطر جديد قد غرق في عشق ألف امرأة أخرى، وتسألني حروفي هل الشرف شماعة لاستباحة قتل الزهور؟ ألم يحن الوقت لنصوم عن ترهات مزيفة، وعقليات متخلفة تدك الاشمئزاز في نفوسنا الكئيبة من أزمات ذواتنا الضائعة في موروثات عتيقة، مزيفة، وزائلة؟ متى سيأتي الزمن الذي نسقي الزهور من أنهار الحب، والحنين، والإنسانية؟ لا أن نسلط عليها سيوفاً، وخناجر، ونقطفها، ثم نرميها بين أنياب لحدٍ كئيب مظلم، حزين.
الجمل من مساهمات القراء
إضافة تعليق جديد