فتش عن تركيا
لم تشهد الساحة السورية المعارضة «نشاطاً» متصاعداً لدولة كما تركيا. أنقرة حاولت منذ اليوم الأول للحرب تحقيق أهدافها بالعمل المباشر. لم تعدّل استراتيجياتها إلا في سبيل فعالية أكبر وتدخل أعمق في بلاد الشام. مثلاً، حالة شدّ الحبال القطرية ــ السعودية انعكست على المجموعات التي تديرها الدولتان، فشهدت خفوت تنظيمات وظهور أخرى، في ظلّ خفض للمساعدات المالية والعسكرية، خاصّة من الدوحة. وحدها أنقرة كانت تحتوي الجميع.
لم تسمع ما تريده واشنطن، بل عملت على موجة مختلفة. كان العرب يفاوضون أو يعاندون الإملاءات الأميركية بما يخصّ طبيعة المجموعات الواجب احتضانها، بينما كانت أنقرة تفتح مطاراتها وحدودها وفنادقها لشتى أنواع المسلحين والمعارضين. كان لديها مجموعاتها المباشرة كالكتائب التركمانية وأخرى تديرها تمويلاً وتسليحاً وتنسيقاً. أظهرت أنها مستعدة لبذل المال واللعب بساحتها الداخلية لاعتقادها الراسخ بنجاح مخططها في إسقاط النظام وابتلاع الحصة الكبرى من «سوريا الجديدة».
من قائد «الجيش الحر» رياض الأسعد إلى «جيش الفتح» مروراً بـ«الجبهة الشامية» و«لواء التوحيد»، لم تكلّ أنقرة في البحث عن ذراع أشدّ وأطول لتحارب بها الجيش السوري.
في تموز 2012، قاربت الإمساك بمدينة حلب، لينتهي المطاف بتقاسمها. بعد حلب، كانت معارك ريف اللاذقية الشمالي وسقوط كسب في آذار من عام 2014 واقتراب الخطر من مدينة اللاذقية، ورقة أخرى رمتها أنقرة في الميدان السوري، قبل الردّ السريع من الجيش وحلفائه. في تلك المعارك ظهرت العناصر التركمانية والقوقازية كرأس حربة. ثمّ جاءت المحاولات الأخيرة لاقتحام بلدتي نبّل والزهراء في كانون الثاني الماضي التي كان لتنظيم «القاعدة» والعناصر ذاتها القوة الأساس.
قبل هذه المعركة، ظهرت «الجبهة الشامية» في الشمال لتجمع فصائل مختلفة على أنقاض «الجبهة الإسلامية» وفصائل تتبع «الجيش الحر». حلب كانت الساحة، وقوة أنقرة ودينامياتها العالية فرضت فشل الجيش السوري وحلفائه في إكمال الطوق حول المدينة وفكّ الحصار عن نبّل والزهراء.
بعد حلب واللاذقية، رمت أنقرة بورقة إدلب مع ذراعها الجديد، أي «جيش الفتح» الذي تأسس في 24 آذار.
غرفة عمليات تضمّ «جبهة النصرة» و«أحرار الشام» و«جند الأقصى» و«جيش السنة» وتنظيمات أخرى، «خُلقت» يوم بدء المعركة. التقى العنصر السوري مع القوقازي والتركماني لتنتهي المعركة بنصر في 5 أيام. «جيش الفتح» واصل مدّ ذراعه نحو جسر الشغور وقرى إدلبية أخرى ليشكّل خطراً من جديد يجمع حلب واللاذقية وحماه.
في موازاة الخطط التركية (وغيرها من الرعاة) كانت التنظيمات الإسلامية المسلحة قد اكتسبت خبرة في سنوات الحرب الأربعة، من حيث الشراسة والتزام الخطط، وتخريج دفعات كبيرة من معسكرات تدريب في سوريا والخارج.
أنقرة اقتنعت (أو كانت منذ فترة طويلة) بأنّ المقاتل الناجح في سوريا هو من يحمل خصائل عنصر في «القاعدة» أو تلك الرديفة والمشابهة إلى جانب «عصب المهاجرين». لم تجار المطالب الأميركية المتكررة في الدخول في عملية اختيار المقاتل واختباره فكرياً قبل تجهيزه عسكرياً ليصبح بعد شهور جاهزاً لمحاربة الجيش السوري.
«الخصام» التركي ــ الأميركي حول الأولويات في سوريا لم يكن فقط محطّ إحباط حكام أنقرة، التي استفادت من ضربات «التحالف» الدولي التي أبعدت «داعش» عن معاركها مع «خوارج النصرة» وباقي التنظيمات. عملياً لم تخدم هذه الضربات سوى «وحدات حماية الشعب» الكردية وفصائل المعارضة. منذ بدء الضربات اشتدّ القتال على محاور «داعش» ــ الجيش السوري في مدينة دير الزور ومطارها وريفيْ حمص وحماه.
دولة، في آذار عام 2014، كُشف فيها عن تسجيلات صوتية لمسؤولين كبار (مدير المخابرات حقان فيدان ووزير الخارجية (حينها) احمد داوود اوغلو ونائب رئيس الاركان وغيرهم) عن سيناريو لتنفيذ عملية سريّة لتبرير تدخل عسكري في سوريا، لا تبدو أنّها تنتظر مشاورات اقليمية واجتماعات «أصدقاء سوريا».
في التسجيل قال فيدان: «لسنا في حاجة لأي حجج أو مبرّرات للتدخل العسكري في سوريا... نستطيع أن نرسل أربعة أشخاص يطلقون ثمانية صواريخ نحو الأراضي التركية، أو عناصر من الاستخبارات للقيام بعمل استفزازي ضد ضريح سليمان شاه (...)، ثم نقول إنّ داعش هي التي قامت بذلك، وبعدها يتدخل الجيش التركي». تدخّل يريده الأتراك بأي ثمن. سوريا، وشمالها تحديداً، مجال حيوي في عيون حكام أنقرة التي تعتزم السيطرة عليه بأي وسيلة ممكنة، سواء كانت بأدوات محلية كما هي الحال الآن، أو مستوردة تحت راية «القاعدة».
إيلي حنا
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد