فلاحون «يسقون» أرضهم بالشمس .. هرباً من شح الوقود
إلى جانب الجفاف والقحط اللذين عاناهما فلاحو سوريا، جاءت سنوات الحرب قاسية على المواسم الزراعية، وتركت الفلاحين في مواجهة انقطاع الكهرباء عن الأرياف لأشهر (بعض المناطق لسنوات)، مع غياب حوامل الطاقة، وخاصة المازوت، أو شحّها. حاجة المزارعين لتشغيل مضخات المياه وسقاية المحاصيل من الآبار، تركتهم تحت رحمة تجار سوق حوامل الطاقة السوداء، لكن بعضهم تمرّد على هذا الواقع، وقرّر الخوض في حقل «الطاقة البديلة»، وتحديداً الطاقة الشمسية.
يقول صالح، وهو مزارع من قرى الباب في ريف حلب الشمالي، إن الفلاحين لجأوا إلى الطاقة الشمسية لانقطاع إمدادات الكهرباء الحكومية في مناطق ريف حلب منذ منتصف عام 2015 تقريباً. ويضيف في حديثه أن «وجود مولدات تعمل على مادة المازوت، لم يكن بديلاً جيداً، نظراً لأنها مكلفة».
ينتشر هذا النوع من الطاقة النظيفة في مناطق الريف الحلبي، مثل الباب وأخترين وإعزاز ومارع وجرابلس (تخضع الآن للنفوذ التركي)، وهي ذات قيمة اقتصادية كبيرة، لأن الألواح الشمسية والبطاريات ملك الفلاح الشخصي، ويمكنه استبدال بطارية جديدة بتلك القديمة بعد سنة أو سنتين من الاستعمال، مقابل نصف قيمتها فقط، ويراوح سعر اللوح الواحد ما بين 60 و70 دولاراً أميركياً، وهي تكلفة زهيدة مقارنة بتأمين وقود للمولدات.
يشرح صالح أن «تشغيل مضخة الماء (الغطاس من مقاس إنش ونصف) يتطلب نحو 10 ألواح، وقد يستخدم بعض الفلاحين عدداً أكبر من ذلك (20 لوحاً) بكفالة لا تقلّ عن 20 أو 25 سنة، مع العلم بأن كل أربعة ألواح تتطلب بطاريتين، إضافة إلى محول كهربائي (solar inverter) متعدد المقاسات، وقاعدة حديدية تحمل هذه الألواح، وأكبال كهربائية وجهاز يدعى (الحساس) يحرك الألواح تماشياً مع حركة الشمس لتحقيق المزيد من الفائدة».ويضيف ابن مدينة الباب، أن عدد الفلاحين الذين اتجهوا نحو الطاقة الشمسية في تزايد، ويصل في ريف حلب الشمالي إلى الآلاف. وأهم المحاصيل التي تعتمد على الري باستخدام الطاقة الشمسية، هي المحاصيل الصيفية، نظراً لأن كفاءة توليد الطاقة تتراجع قليلاً في فصل الشتاء.
في حوران أيضاً
يخطو فلاحو الجنوب بنحو متوازٍ مع نظرائهم في الشمال، في تبني الطاقة الشمسية. الفلاح أبو ساري الزعبي، وهو من فلاحي مدينة طفس في ريف درعا، يقول لـ«الأخبار» إن «فكرة استخدام الطاقة الشمسية انطلقت في ريف درعا في نهاية 2014، لأنها توفر الكثير من التكاليف. فمثلاً، يحتاج المزارع إلى 100 ليتر مازوت تقريباً بسعر 20 ألف ليرة حسب الأسعار الحكومية في كل يوم لتشغيل المضخات وسحب المياه من الآبار وسقاية المزروعات، رغم أن الغالبية تلجأ إلى السوق السوداء بالسعر الحر (400 ليرة لليتر الواحد)، ما يعني تضاعف التكلفة إلى 40 ألف ليرة»، فيما «لا ندفع أي ليرة زيادة، بعد دفع تكاليف تركيب ألواح الطاقة الشمسية لأول مرة»، يقول أبو ساري بثقة مطلقة.
وتمتاز الألواح بتوفير طاقة منتظمة مستمرة أقل كلفة بكثير من المازوت، بل هي أفضل من كهرباء المولدات التي لا تقوى استطاعتها على تشغيل بعض المضخات المائية. ويضيف الزعبي: «وصلت هذه الطاقة إلى أيادي مئات من فلاحي المحافظة، وتقدَّر الكلفة مبدئياً ما بين 5 و6 ملايين ليرة تبعاً لحجم المنظومة، إلا أن المكسب النهائي في مصلحتك طبعاً».
وعلى عكس ريف درعا، لا يزال فلاحو السويداء أقلّ استخداماً للطاقة الشمسية. ويشرح أسد الشاعر (أبو نايف)، أن «أهالي الجهة الغربية والجنوبية يعتمدون على مزارع الخُضَر والزراعات الحقلية المروية... لذا، يتجهون أكثر إلى السقاية بواسطة الآبار والمضخات المائية»، على خلاف باقي مناطق الريف في المحافظة. ويروي أبو نايف أن «أغلب فلاحي السويداء ما زالوا يعتمدون على الطاقة التقليدية (المازوت)... وهم يدفعون نحو 400 ليرة للّيتر الواحد في السوق السوداء».
لا انتظار للخطط الرسمية
بدأ التوجه نحو الاستفادة من مصادر الطاقات المتجددة في سوريا، ولا سيما الشمسية، منذ عام 2004. وفي نهاية 2008 انتهت الحكومة من وضع خريطة استثمارية لطاقة الرياح، واستناداً إلى هذه الخريطة أعلن أول مشروع لمزرعة طاقة ريحية باستطاعة 100 ميغاواط في منطقة السخنة في محافظة حمص في عام 2009، لكن الشركات الأجنبية المشاركة في المشروع تراجعت عن الاستثمار مع بداية الحرب.
في عام 2018، دشنت الحكومة محطة الكسوة الكهروضوئية بريف دمشق، كأول مشروع حكومي للطاقة الشمسية باستطاعة 1.26 ميغاواط. وهي تكفي لإنارة 500 منزل على مدار العام. وعلى الرغم من وضع خطة استراتيجية لتنفيذ مشاريع استثمارية كبيرة حتى 2030 لتوليد ما يقارب 2000 ميغاواط باستخدام العنفات الريحية واللواقط الكهرشمسية، إلا أن الفلاحين لم ينتظروا على ما يبدو، تبلور الخطة الحكومية، بل أطلقوا العنان لجهودهم الفردية.
بدائل وافرة
يشير رئيس قسم هندسة الطاقة في كلية الهندسة الكهربائية والميكانيكية في جامعة دمشق، الدكتور مصطفى الحزوري، إلى أن سوريا تنعم بمصادر كثيرة للطاقة المتجددة، ومنها السدود والمساحات الكبيرة للخلايا الكهرشمسية، مضيفاً في حديث إلى «الأخبار» أن «موقعها الجغرافي متوسط بين الشمال الأوروبي والروسي، حيث ندرة الشمس، وبين الخليج حيث تسبب الرمال الكثيفة والمتحركة هناك، انخفاض مردود هذه الخلايا».ومن جهة أخرى، يذكر الأستاذ في كلية الهندسة الكهربائية والميكانيكية، أيمن العرقسوسي، لـ «الأخبار» أن الكثير من المناطق الزراعية في سوريا اتجهت نحو الاعتماد على الطاقة الشمسية الكهربائية فردياً دون أي خطة حكومية. وانتشرت الألواح الشمسية تصاعدياً في مدن الريف الدمشقي (سرغايا – كفير يابوس – الغزلانية)، وكذلك في مدن محافظة درعا الزراعية (طفس – داعل – نوى)، وفق قوله.
ويضيف أن «البئر الواحدة (3 إنش)، لعشر ساعات يومياً، يستهلك ما يقارب مليون ليرة سورية شهرياً من المازوت، بينما يكلف النظام الشمسي البديل بحدود مليوني ليرة، ولمرة واحدة، ما يعني أن الفلاح يستردّ الثمن خلال أقل من موسم صيفي واحد». ويشرح العرقسوسي أن «الألواح الشمسية كثرت في المدن الساحلية وبعض مناطق القلمون، ويتوقع انتشارها في المناطق الزراعية الخصبة والغنية بالمياه عند استقرارها أمنياً كالجزيرة وإدلب ودير الزور».
ويدعو الأستاذ الجامعي الحكومة إلى تشجيع إقامة مصانع لإنتاج هذه الخلايا عبر إعفائها من القيود المالية والجمركية والضرائب ومن أعباء الترخيص، وكذلك عبر إعطاء قروض زراعية للفلاحين دون فوائد، بحيث تمكنهم من شراء هذه المنظومات.
الأخبار
إضافة تعليق جديد