في حضرة كبير جنرالات القيصر.. ماذا جرى بين شويغو و ليبرمان في موسكو ؟
الحارس الليليّ السابق لأحد ملاهي موسكو والذي يزورها اليوم بصفة وزير الأمن الإسرائيلي لإقناعها بضرورة منع الحرس الثوري الإيراني وحزب الله من المشاركة في معركة تطهير الجنوب السوري من الإرهابيين، ظناً منه بأنه سيلقى الترحيب الخاص بسبب العلاقات الخاصة بين تل أبيب وموسكو، فإذا به يفاجأ بأنه في حضرة كبير جنرالات قيصر روسيا الغاضب عليه وعلى حكومته المعادية للاتحاد الروسي، كما ظهر شويغو وهو يعنّف الوزير الإسرائيلي الضيف!
فماذا جرى بين جنرال القيصر والمواطن الروسي السابق؟ ولماذا؟
إليكم المشهد كما هو والمغاير لكلّ ما نشره الإعلام الإسرائيلي:
أولاً: نشر العديد من الصحف والقنوات التلفزيونية الإسرائيلية، الى جانب صحيفتي الحياة والشرق الأوسط السعوديتين، يومي الخميس 31/5/2018 والجمعة 1/6/2018، مجموعة من الأكاذيب والترهات السخيفة حول مجريات ونتائج زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي، افيغدور ليبرمان، إلى موسكو، يوم الخميس، جرى من خلالها تشويه حقيقة ما جرى في اللقاء الذي جمع وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، مع ليبرمان، حيث ركزت وسائل الإعلام المشار إليها أعلاه على:
ـ أن وزير الدفاع الروسي قد بحث مع ليبرمان موضوع إخلاء الجنوب السوري، وصولاً الى مسافة سبعين كيلومتراً عن خطوط وقف إطلاق النار في الجولان، من أيّ قوات إيرانية او لحزب الله. وأنّ الوزير الروسي قد وافق على ذلك، حسب ما أوردته الوسائل الإعلامية المذكورة أعلاه.
ـ أن الجانب الروسي قد أعطى الجانب الإسرائيلي الضوء الأخضر لضرب مواقع عسكرية سورية بعينها، بحجة أنها قواعد لقوات حزب الله والجيش الإيراني.
– أن توتراً كبيراً قد طرأ على العلاقة الروسية الإيرانية بعد هذه التفاهمات بين الوزير شويغو وليبرمان.
ولكن مَن أشرف على إعداد هذه الفبركات قد غابت عن ذهنه حقيقة مهمة وأساسية، ألا وهي أن روسيا حليفة لإيران وسورية، وليست حليفة لـ إسرائيل ، على الرغم من أن العلاقة بين الطرفين علاقات متوازنة وذات خصوصية لا مجال لشرح طبيعتها في هذا المقام.
ثانياً: وهذا ما جعلنا نستعين بأحد كبار الجنرالات، المختصين في مجال الاستراتيجيات العسكرية في دولة أوروبية عظمى والذي أضاء على مختلف أوجه الزيارة واللقاء الذي جمع الوزير شويغو مع ليبرمان، حيث أفاد هذا الجنرال بما يلي:
– لا صحة على الإطلاق لكلّ ما أوردته وسائل الاعلام الإسرائيلية والسعودية عما دار في اللقاء موضوع الحديث.
قام ليبرمان بطرح الأسطوانة الإسرائيلية المعتادة حول أمن إسرائيل وضرورة المحافظة عليه وتوسّع النفوذ الإيراني في سورية وتمركز قوات إيرانية وأخرى من حزب الله في سورية وعند حدود الجولان المحتلّ على وجه الخصوص.
– وهذا ما دفع الوزير الروسي للاكتفاء بالقول إنّ غرفة العمليات الروسية الأميركية المشتركة تناقش الوضع في الجنوب السوري منذ يومين في اجتماعات متتالية في عمّان. أيّ أنّ الوزير شويغو لم يُعِر هذا العويل الإسرائيلي أيّ اهتمام.
– أما الموضوع الرئيسي الذي طرحه وزير الدفاع الروسي على ليبرمان فكان مختلفاً تماماً. وتركز على مشاركة إسرائيل في مناورات حلف شمال الأطلسي المسمّاة « سابر سترايك Saber Strike أو الهجوم بالسيف، والتي ستجري المناورات ، في كلّ من بولندا وليتوانيا ولاتفيا وأستونيا
على بحر البلطيق وبمحاذاة حدود روسيا الشمالية الغربية، من تاريخ 3/6/2018 وحتى تاريخ 14/6/2018، أي حتى بداية ألعاب كرة القدم في مدينة سوتشي الروسية.
– وقد ركّز شويغو، في حديثه الغاضب عن هذه المناورات، أنها ستتمّ بمشاركة عشرين دولة من حلف الناتو، بالإضافة الى إسرائيل ، وأن ثمانية عشر ألف جندي بينهم اثني عشر ألفاً وخمسمئة جندي أميركي، بالإضافة الى ثمانمئة دبابة وثلاثة آلاف عربة عسكرية مختلفة.
وتابع شويغو قائلاً: إنّ جوهر هذه المناورات، التي تشارك فيها إسرائيل على حدود روسيا، يتمثل في قيام قوات الناتو في تلك المناطق بمحاولة وقف هجوم لعدو افتراضي هناك.
– لا توجد أي دولة غير روسيا في تلك المنطقة.
– وذلك عن طريق محاصرة قواته المهاجمة وقطع طرق مواصلاتها واتصالاتها وخطوط إمدادها وتثبيتها لحين وصول قوات إضافية من حلف الناتو قادرة على شنّ هجوم مضاد وتدمير قوات العدو الافتراضي – أي القوات الروسية -.
– وأضاف قائلاً: كيف لدولة عضو في هذا الحلف مثل تركيا أن لا تشارك في هذه المناورات بينما تقوم إسرائيل ، التي تطلب المساعدة من روسيا لحمايتها ومنع هجمات إيران وحزب الله عليها، بالمشاركة في هذه المناورات المعادية لروسيا!؟
ثالثاً: يعتبر المصدر العسكري المشار إليه آنفاً أنّ شروح وزير الدفاع الروسي كانت أقرب إلى التوبيخ منها إلى الشروح، خاصة أنه أوضح لليبرمان أن المشاركة الإسرائيلية في تلك المناورات تضع إسرائيل في الخندق المعادي لروسيا بشكل كامل ولا لَبْس فيه.
كما يعتبر المصدر أنّ هذه المشاركة الإسرائيلية سوف تؤدّي الى تغيّر استراتيجي عميق، في غير مصلحة إسرائيل ، على طبيعة العلاقات الروسية الإسرائيلية، حيث ستوضع إسرائيل في خانة الدول المعادية لروسيا فعلياً، حتى لو لم يتمّ الإعلان عن ذلك أو التعبير عنه بشكل واضح من قبل صانعي القرار في روسيا.
مما يعني أنّ هذا التطور السلبي سينعكس بالضرورة على العلاقة الروسية الإسرائيلية، وسيترك آثاراً ذات بعد جيواستراتيجي هام على موقف روسيا وسياساتها تجاه سورية وحلفائها من إيرانيين وحزب الله في الميدان السوري، كما سيدفع روسيا إلى مزيد من الثبات والتجذّر وإلى مزيد من الواقعية في موقفها الداعم للدولة السورية، وبالتالي المقاوم للتحوّلات الأميركية الإسرائيلية الهادفة الى إعادة فرض الهيمنة الكاملة على سورية وغيرها من الدول العربية.
ومن اللافت للانتباه أنّ عدداً من الجنرالات والمختصين الفرنسيين قد أبدوا ملاحظات مشابهة على مشاركة إسرائيل وعدم مشاركة تركيا في مناورات حلف شمال الأطلسي في دول البلطيق والتي ستجري في الفترة الواقعة بين 3 14/6/2018.
وأضاف هؤلاء بأنّ من المهمّ دراسة أبعاد المشاركة الإسرائيلية في هذه المناورات التي تجري في منطقة بعيدة جداً عن إسرائيل ولا ترتبط بأية مصالح مهمة معها، ما يعني أن الخطوة الإسرائيلية هذه ليست سوى تعبير عن أن إسرائيل قد تحوّلت جزءاً لا يتجزأ من المنظومة العسكرية الاميركية الناتوية وأنها قد بدأت تنخرط في مواجهة غربية محتملة مع روسيا في الشرق الأوسط ، وأن الهدف من هذه المشاركة هو دمج الجيش الإسرائيلي بصنوفه كافة في منظومات القيادة والسيطرة والحركية الميدانية لحلف شمال الأطلسي، وذلك استعداداً لإسناد دور عسكري ما لهذا الجيش في أي صراع إقليمي أو دولي مستقبلي.
ومكروا ومكر الله، والله خير الماكرين.
بعدنا طيّبين، قولوا الله
محمد صادق الحسيني -البناء
إضافة تعليق جديد