قليل من اللحم كثير من الهواء
ان وصول عدد سكان البسيطة إلى 7 بلايين نسمة نهاية هذا الشهر، ليس كل الكارثة. لعل الكارثة الأكبر ستكون العام 2050 عندما يصبح عدد السكان 9 بلايين كما هو متوقع، وان يحقق العدد الأكبر من هؤلاء أمانيهم في التنمية والعيش برفاهية على الطريقة الغربية!
فبحسب منظمة الزراعة والاغذية العالمية (الفاو)، فان هذه الزيادة السكانية تحتاج الى زيادة في الانتاج الزراعي تقارب 50% حتى العام 2030 وما يقارب 70% حتى العام 2050. فهل تستطيع موارد الأرض ان تتحمل هذا الضغط المتزايد؟ وباي ثمن سيتم تامين الغذاء لتسعة مليارات نسمة، بينهم أكثر من ملياري شره، من دون تدمير الكوكب؟
تقدر «الفاو» ان هناك حاجة لزيادة المساحات المزروعة (للزراعة والتربية الحيوانية) بـ590 مليون هكتار، من مليار ونصف هكتار مستخدمة حاليا، ما سيزيد من فقدان التنوع البيولوجي والمشاكل البيئية وتغير المناخ.
لا مفر اذاً من عالم آخر للاستهلاك، ولا سيما في البلدان الغنية التي عليها ان تخفض استهلاكها بنسب لا تقل عن 25%، ولا سيما من المنتجات التي تحتاج الى الكثير من الموارد الاولية والطاقة. وتقدر بعض السيناريوهات ان على البلدان الغنية ان توفر 3000 كيلو كالوري من الاغذية في اليوم للفرد (500 منها من اصول حيوانية).
كيف يمكن ان يترجم ذلك عالميا؟ وما علاقة الغذاء بالطاقة والتغيرات المناخية؟ وماذا يمكن ان يتغير اذا عاد الغرب الى النظام الغذائي القديم الذي كان يعتمد على البروتينات النباتية اكثر من البروتينات الحيوانية؟
ان تناول قطعة «شيز برغر» يعادل انبعاث سيارة سارت بمعدل 25 كلم! كما اثبت تقرير جديد حول استهلاك اللحوم في الولايات المتحدة الاميركية صادر حديثا عن منظمة «انفيرومنتل وركينغ غروب».
فاذا راجعنا دورة حياة اللحوم، من استخدام المبيدات والمخصبات والمياه لزراعة الاعلاف الحيوانية، الى الانبعاثات الناجمة عن تربية الحيوانات والتمويل والنقل، الى صناعة اللحم والذبح والسلخ وكيفية التخلص من البقايا...الخ، يتبين ان زراعة مساحة 60 مليون هكتار من الاراضي الزراعية في الولايات المتحدة الاميركية، تتطلب وضع 8 ملايين طن من الاسمدة و80 ألف طن من المبيدات لإنبات غذاء الماشية. كما قدر الروث الناجم عن تربية الحيوانات بما يقارب 500 مليون طن سنويا، الذي يتسبب بتلويث التربة والمياه الجوفية بالاضافة الى تلوث الهواء. ويعتبر التقرير ان البروتينات الاكثر تلويثا هي الناجمة تربية الخراف والابقار والاجبان، التي تنتج غاز الميتان وهو الغاز الاكثر ضررا بـ25 مرة من غاز ثاني اوكسيد الكربون. بالاضافة الى الطاقة التي تتطلبها التربية والذبح ومعالجة الروث. في المقابل، يعتبر التقرير بان الانبعاثات الناجمة البروتينات النباتية البديلة كالعدس والفول والفاصوليا والجوز... هي اقل بـ30 مرة من تربية الابقار.
كما تشير التقارير ان الاولاد في الولايات المتحدة الاميركية يستهلكون اربعة اضعاف حاجتهم من البروتينات ويستهلك البالغون الضعف. وهذا ما يظهر في المستويات العالية من البدانة التي تتسبب بمشاكل صحية كثيرة لن ندخل فيها. وتشير تقارير اخرى ان الاميركيين ينتجون ويستهلكون اللحوم اكثر من الأوروبيين أيضا. ويخرج التقرير الى الخلاصة الطريفة التالية: اذا توقف الاميركي عن اكل اللحوم والاجبان يوما واحدا في الأسبوع لفترة عام كامل، فان الربح من هذا الإجراء يعادل تخفيف الانبعاثات من اكثر من 7 ملايين سيارة!
تظهر هذه الأرقام، مرة جديدة، عمق العلاقة بين نوعية العيش ونوعية الحياة. كما تبين ان المشكلة في النموذج الحضاري المسيطر القائم على السوق والاستهلاك. وان مشكلة العيش برفاهية مفرطة في البلدان الغنية لا تقل خطورة عن زيادة السكان في البلدان الفقيرة. وقد بات علينا البحث في نظام عالمي جديد اقل نموا واكثر عدالة وانسجاما مع التوازنات الطبيعية.
كما تبين المعطيات الجديدة ان المطلب اليوم لم يعد «اعادة توزيع الثروة»، ولا حتى «المساواة والحقوق على اساس توزيع الموارد بشكل عادل»، بل المطلوب حماية هذه الموارد وحفظها ومنع اي استغلال مفرط لها، وضبط كل زيادة في الاستهلاك او في النسل.
حبيب معلوف
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد