كيف تغرس «ديزني» الجشع والاستهلاك في الأطفال بدءاً من ثلاثة أشهر؟
في الثقافة الأميركية، أصبحت ديزني مرادفاً للطفولة. نشأ الأجداد المعاصرون وهم يشاهدون أفلام الرسوم المتحركة، يلبسون بيجامات «ميكي ماوس» ويتوسلون للذهاب إلى «ديزني لاند». لكن في حين يبدو كل ذلك بريئاً، فإن قليلاً من الناس رأوا التأثير الذي تتركه ديزني ليس فقط على حياتهم الخاصة، بل على العالم بأسره.
يكتشف المؤلفان الأميركيان هنري غيرو وغرايس بوبوك العلاقة بين المستهلك والصناعة في كتابهم «الفأرة التي زأرت: ديزني ونهاية البراءة». حيوانات الكرتون المحبوبة والقصص الخرافية الغريبة الأطوار هي بكل بساطة الوجه العام لديزني. ولا يقتصر التكتل المتوسِّع على أفلام ديزني ومدن الملاهي، فهو يمتلك أيضاً ستة استوديوهات للصور المتحركة، شبكة «أيه بي سي» التلفزيونية و226 محطة تابعة لها، شبكات كايبل تلفزيونية متعددة، 227 محطة إذاعية، أربع شركات للموسيقى، ثلاثة خطوط للرحلات البحرية، شركات إنتاج مسرحي، دور نشر، 15 مجلة وخمسة استديوهات لتطوير ألعاب الفيديو. يمر احتكار الإعلام والثقافة هذا من دون أن يُلاحظ من قبل معظم الأميركيين، الذين يريدون فقط مداعبة تخيلات طفولتهم حيث توفرها ديزني ببراعة مع أفلامها، ومدن الملاهي لديها وبضائعها.
تفضح معرفة غيرو وبولوك ديزني من خلال معلومات أساسية وجريئة تحتاج أميركا الى أن تواجهها. وباعتباره حالة دراسية لنية الشركة وأخلاقيتها، يحلل «الفأرة التي زأرت» انطلاقا من روح العصر والثقافة اللذين يتشكلان من ديزني التي، كما يبيّن المؤلفان، تنجح في جمع المال عبر دغدغة خيال الكبار والطفولة وتشكيل عقول شبابنا.
يقتبس المؤلفان من والت ديزني قوله: «أفكر في عقل الطفل ككتاب فارغ. خلال السنوات الأولى من حياته، سيكتب الكثير على الصفحات. نوعية تلك الكتابات ستؤثر على حياته بشكل عميق». ويشرحان كيف أن أفلام ديزني وبرامجها التلفزيونية وألعابها تقوم بغالبية هذه الكتابة في نفوس أطفال الجيل.
يوفر علم التربية الثقافية العدسة التي يقوِّم غيرو وبولوك من خلالها ليس فقط احتكار وسائل الإعلام الذي بناه تكتل ديزني، لكن أيضاً تأثير وسائل الإعلام تلك على تطور المواقف الثقافية والسلوك، من خلال استهداف الشباب، بدءاً من برامج الفيديو من ديزني التي تستهدف الرضّع.
صممت منتجات شركة «بيبي أينشتاين» لتسلية وتثقيف الأطفال ممن لا تزيد أعمارهم عن ثلاثة أشهر. غير أنه، بحسب مجلة «جورنال أوف بدياتركس» أو «مجلة طب الأطفال» الأميركية، فإن الرضّع الذين شاهدوا ساعة تلفزيون أو أكثر خلال اليوم أظهروا نمواً لغوياً بطيئاً. وفي حين أن «بيبي أنشتاين» قامت في نهاية المطاف بإزالة المقطع من موقعها على الإنترنت الذي يدعي أن لأشرطة الفيديو الخاصة بها قيما تربوية للأطفال، لا تزال تُظهِر دراسة أجريت العام 2007 أن 48 في المئة من الأهل يعتبرون أن لهذه الشرائط أثرا إيجابيا على الأطفال الصغار.
ويلفت الكتاب الانتباه إلى الصور النمطية بين الجنسين في أفلام أميرة ديزني، من الرسوم المتحركة القديمة مثل «حورية البحر الصغيرة» إلى الأحدث «المسحور». ويحذر الكتاب من أن «ديزني أصبحت لاعباً أساسيا في الثقافة العالمية، وأولى ضحايا هيمنتها في الثقافة الشعبية هي، بالطبع، أولئك الأكثر عرضة: الأطفال».
لكن ديزني أخذت حتى الجمهور الأبوي إلى احتكارها الثقافي، ما يجعل من الصعب على الأهل أن يروا بدقة ماذا يفعل التكتل لأطفالهم. وفي العام 2007 أطلقت موقعها الإلكتروني disneyfamily.com الذي يستهدف 32 مليون أمٍّ في أميركا، ويتضمن نصائح الأبوة والأمومة التي، بحسب المؤلفين، أمضت وقتا وطاقة كبيرتين في محاولة لدحض استنتاج الخبراء في الحقل الصحي للأطفال.
ولا يخجل «الفأرة التي زأرت» من الحكم. ففي ختام الكتاب، يلخص المؤلفان تقويمهما لتأثير ديزني. لا يهم إذا كانت الأفلام لطيفة، أو مدن الملاهي ممتعة، هناك شيء أكبر يقبع تحت هذا المظهر العائلي ـ الصديق. ديزني هي، بعد كل شيء، عمل تجاري. يريدون كسب المال. وهم يحققون هذا الهدف عبر تسويق المنتجات لأطفالنا، للرضّع حتى. ولو وضع أحدهم جانباً تقارير الإصابات غير الموثقة في مدن الملاهي، أو القوالب النمطية بين الجنسين الفاضحة، في نهاية المطاف، تخلق ديزني جيشاً من المستهلكين من الأطفال، وهو فكرة مخيفة. يقترح غيرو أن ديزني تقول إن «مسؤولياتنا المدنية مقتصرة على فعل الإستهلاك».
يسعى الكتاب إلى إجراء تقويم نقدي لمقصد وسائل الإعلام ورسالتها، عبر طرح الأسئلة التالية: «مصالح من تمثلها إحتكارات وسائل الإعلام؟» «كيف تنتج وتربح احتكارات وسائل الإعلام من الرسائل الخاصة التي تعممها؟ «وماذا يعني جعل الثقافة العامة أكثر أهمية من الترفيه، العرض، الإستهلاك والسياحة؟»
يفنّد كتاب غيرو وبولوك هذه الأسئلة وأكثر في هذا التنقيب عن تكتل ديزني ونواياه. ولا يمكن للقارىء إلا أن يخرج بفهم نقدي معمق لواقع احتكارات وسائل الإعلام في عالم يتجه نحو الاستهلاك الطائش.
عن «تروث آوت»
حسن زراقط- السفير
إضافة تعليق جديد