لبنان و معادلة الكنيسة وحزب الله
تخيم على الشارع المسيحي في لبنان أجواء من التوتر الشديد. قد تبدو هذه الجملة بديهية وتنطبق على "الشوارع" اللبنانية كافة، لكن على عكس المسيحيين، فإن السنة بأغلبية كبيرة تكاد تكون ساحقة قد حددوا خيارهم السياسي إلى جانب تيار "المستقبل" الذي يتزعمه سعد الحريري.
كما أن الشيعة، بأغلبية ساحقة أيضا، حددوا خيارهم المساند لثنائية حزب الله وحركة "أمل" التي يتزعمها رئيس مجلس النواب نبيه بري، وهم في مواجهة سياسية قاسية مع الحريري.
أما الدروز، فقد سارت أغلبية واسعة منهم خلف زعامة النائب وليد جنبلاط، وهو أيضا من فريق 14 آذار إلى جانب الحريري.
وفي ظل هذا التموضع الخطير لشطري الشارع الإسلامي في لبنان، الواحد في وجه الآخر، تبدو الساحة مهيئة لمواجهة غير معروفة الشكل أو النتيجة.
أين يقع المسيحيون إذا في هذه المعادلة؟
بدا ميشال عون زعيم التيار الوطني الحر الذي بنى شعبيته على معارضة الوجود السوري في لبنان هو الأقوى على الساحة المسيحية بعد انتخابات العام الماضي.وعلى الرغم من تحالفه مع خصوم سابقين مؤيدين لسورية، انتزع التمثيل المسيحي الأكبر في المجلس، وعدّل خطابه تجاه سورية باعتبار أنها انسحبت من لبنان.
أما الأطراف المسيحية الاخرى، تحديدا "القوات اللبنانية" وحزب الكتائب، فصعدت من وتيرة خطابها ضد سورية بعد الانسحاب، كما فعل الحريري وجنبلاط، معتبرة أن استخباراتها لا تزال في لبنان. كما اتهمت دمشق بالوقوف وراء الاغتيالات السياسية. وكان موقف الكنيسة المارونية التي يرأسها البطريرك نصر الله صفير أقرب إلى موقف قوى 14 آذار المطالب أيضا بنزع سلاح حزب الله.
وحين وقع عون "ورقة تفاهم" مع حزب الله التي كان لها مفعول مدو على الساحة السياسية، اتهم بالانتقال إلى "المحور السوري الإيراني"، وهو ما نفاه عون بشدة. لكن خصوم عون يطرحون أسئلة محرجة عليه:
هل يمكن للمسيحيين في لبنان، الذين خاضوا معارك عسكرية ضد زج لبنان بالصراع العربي الاسرائيلي، أن يؤيدوا تحالفا مع حزب الله؟
وهل يستطيع عون اقناعهم بجدوى التحالف مع حزب يحمل عقيدة إسلامية ويتحالف مع سوريا وإيران؟
يعتبر القيادي في التيار الوطني الحر أنطوان خوري حرب أن التيار تمكن من "لبننة" حزب الله من خلال بند في ورقة التفاهم ينص على "ان النظام اللبناني يقوم على الديمقراطية التوافقية"، وهو ما يحسم اشكالية العنصر الديني في عقيدة الحزب.
كما يشير حرب في مقابلة مع بي بي سي العربية إلى أن" الحرب الاسرائيلية الاخيرة برهنت ان المسيحيين يتعاملون مع أي غريب يعتدي على وطنهم كعدو" وأن "المقاومة اثبتت انتصارها على آلة الحرب الاسرائيلية واسقطت النظرية الاسطورية للجيش الاسرائيلي."
ويمضي مؤكدا أن"التيار (الوطني الحر) ماض في تفاهمه مع حزب الله طالما ان احد الطرفين لم يخرج على بنود مذكرة التفاهم المشتركة بينهما."
وإذ يرى أن حجم تمثيل عون لم يتغير، يشير إلى أن "الانتخابات النيابية الأخيرة اظهرت تأييد 75 % من الناخبين المسيحيين لعون و بالتالي فأن تأييد ربع الناخبين المسيحيين لفريق 14آذار يؤكد التموضع السياسي لكل المسيحيين وبذلك يكون قد حسم الخيار الشعبي المسيحي حتى انتخابات جديدة." كما يصر حرب على أن المسيحيين يؤيدون تفاهم عون مع حزب الله.
غير أن فريق 14 آذار يرى عكس ذلك. ويجزم الصحافي المقرب من 14 آذار نوفل ضو بأن "عون لم يتمكن من اقناع محازبيه والجمهور المسيحي" بخيارات حزب الله السياسية. ويعتبر ضو أنه "عندما تخير المسيحيين بين خيارات (الأمين العام لحزب الله) السيد حسن نصرالله وخيارات البطريرك صفير فإنهم بالتأكيد" يسيرون في خط صفير، بغض النظر عن شعبية عون. ويرى ضو أن "عون يبدو وكأنه انتقل من موقعه الطبيعي الى موقع تبني طروحات حزب الله المخالفة" لمساره السياسي ولميل المسيحيين "لمصلحة أي طرح يؤيد استقلالهم الشامل وسيادتهم الكاملة" حسبما يقول ضو.لا ينفي ضو أن لعون شعبية في الشارع المسيحي، لكنه يشير إلى أمرين يرى أنهما ينتقصان منها:
أولا: نجاحه الانتخابي أتى قبل تقربه من حزب الله.
ثانيا: نجاحه الانتخابي أتى قبل خروج زعيم القوات اللبنانية سمير جعجع من السجن وتوحيد حزب الكتائب، أي قبل ان سادت حالة من "التعددية" السياسية لدى المسيحيين. وينطلق من هذين العاملين لاعتبار أنه لا يمكن لعون "اختزال التمثيل المسيحي" بشخصه، مضيفا أن التطورات تشير إلى أن مسيحيي 14 آذار يتقدمون على الساحة المسيحية، وعون الذي بات يخالف "التوجه المسيحي التاريخي" وخط الكنيسة المارونية يتراجع شعبيا. لكن هل لهذه التجاذبات في الشارع المسيحي أي أثر يذكر على الصراع الأوسع بين الكتلة السنية والكتلة الشيعية؟
يتفق حرب وضو على أن خيار المسيحيين سوف يكون مؤثرا على المعادلة الكبرى، لكنهما يختلفان جذريا على اتجاه التأثير هذا.
يقول ضو إن "نجاح قوى 14 آذار المسيحية في استعادة زمام المبادرة على الساحة المسيحية من شأنه أن يعزز موقع" 14 أذار و"يضعف الخيار السياسي للكتلة الشيعية". أما حرب، فيرى أن "تفاهم التيار الوطني الحر الذي يحظى بتأييد أغلبية المسيحيين مع حزب الله و حركة امل الذين يحظون بتأييد أغلبية الشيعة يمنع" 14 آذار من السير وحده بالحكم.
في جو تخيم عليه اغتيالات سياسية متتالية استهدفت منذ اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري شخصيات مسيحية في موقع معارضة سورية، تتسم الصراعات بحدة تنذر بمواجهات في الشارع. وبعد اغتيال الوزير بيار الجميل الذي ينتمي إلى فريق 14 آذار، شهدت مناطق مسيحية أعمال شغب طاولت صور عون حرقا، كما تعالت هتافات معادية له وللأمين العام لحزب الله حسن نصر الله. ووسط مشاريع إقليمية ودولية متضاربة في لبنان، يبرز تخوف لبناني عام من أي فتنة قد تتراوح بين الفوضى الأمنية والحرب الأهلية. أما في الوسط المسيحي، فالتخوف الإضافي الذي بات يقارب الهوس هو من فتنة داخلية مسيحية-مسيحية سبق للمسيحيين أن ذاقوا طعمها المر.
المصدر: بي بي سي
إضافة تعليق جديد