لبنان وحكومة المثالثة ودعوات بوش غير المستجابة
ارتفع مجدداً أمس منسوب التوتّر السياسي في البلاد عشية اكتمال الاستعدادات لإحياء الذكرى الثالثة لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري غداً، وذلك نتيجة مواقف تصعيدية جديدة أعلنها رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط وأطاحت كل المساعي الداخلية والخارجية المبذولة لتحقيق التهدئة. وترافق هذا التصعيد مع إشكالات حصلت في محلتي كورنيش المزرعة والطريق الجديدة في بيروت وفي خلدة وقرنايل بين مناصرين لفريقي الموالاة والمعارضة، استخدمت فيها العصيّ والحجارة وسقط فيها بعض الجرحى، إلا أنّ الجيش تدخّل سريعاً وطوّقها.
وسبق هذه التطورات معلومات راجت خلال النهار عن تقدّم صيغة حلّ يجري التشاور فيها خلال اتصالات محلية وعربية وتقوم على تأليف حكومة مثالثة (10+10+10)، وهي الصيغة التي طُرحت خلال الاجتماع الرباعي الأخير في ساحة النجمة.
وفي هذا الإطار، كان لافتاً ما قاله النائب ميشال المر من أن «صيغة حكومة الـ10+10+10 كانت المخرج للحل، وقد اقتربت الموالاة من إعلان الموافقة عليها ولم ترفضها المعارضة في المطلق». وأكد أن رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون قد يقبل بالمثالثة لأن الموضوع يتعلق بمصلحة البلاد، مشيراً إلى إمكان الوصول إلى حل للأزمة قبل القمة العربية في دمشق. وكشف أن «80% من العقبات قد ذُللت».
وفي ظل هذه الأجواء، شنّ جنبلاط خلال حوار مع محطة «أخبار المستقبل» هجوماً عنيفاً على المعارضة مركّزاً على حزب الله خصوصاً، واتهمه بتحويل لبنان الى «مربّعات أمنية»، وبالعمل على إنشاء «دويلة». وقال: «جنوبي خط الشام تقوم دويلة حزب الله أمنياً وسياسياً وثقافياً». وأضاف «هناك استحالة تعايش مع حزب الله، مع حزب شمولي، وأنا أطالب بطلاق حبّي... ليحتفظ بسلاحه وثقافته وإعلامه لكن ليتركني أعيش».
ورداً على سؤال عما إذا كان يعني بكلامه أنه يطالب بالتقسيم قال جنبلاط: «لبنان صغير لا يمكن أن يقسم». وعن الحل قال «لا أعرف، لكن في المستقبل لا أرى إمكاناً للعيش» مع حزب الله. وأضاف «نحن نطالب بدولة مركزية تقرّر السلم والحرب وهو (حزب الله) سلاحه موجود ويقول إنه لن يتخلى عنه حتى انتهاء الحرب العربية الإسرائيلية». وقال «(السيد) حسن نصر الله ليس الله وليحارب إسرائيل وحده».
ورأى جنبلاط أن «مشروع حزب الله هو تغيير الهوية الديموغرافية والسيطرة على الجبل والجنوب ومناطق أخرى» واتهمه بـ«توزيع السلاح والصواريخ يميناً ويساراً». وأضاف ان حزب الله «يريد أن يتضامن مع النظام السوري، وأنا لا أريد أن أتضامن مع نظام القتل هذا، أنا أريد قانوناً وديموقراطية وجيشاً، لا أريد لبنان ملحقاً لإيران ولا محافظة سورية». وكرّر جنبلاط اتهام الحزب بالضلوع في الاغتيالات.
وفيما لم يصدر أي رد من المعارضة على كلام جنبلاط، علم أن هذه الردود مؤجلة الى ما بعد ذكرى استشهاد الحريري. وقلّل الوزير مروان حمادة من احتمال أن يكون لمواقف جنبلاط انعكاس سلبي على الأجواء السياسية التي يعمل على تهدئتها منذ خطابه الأحد الماضي، وأوضح أن ما قاله جنبلاط عن حزب الله، هو «كلام مبدئي يتعلق بموضوع الاختلاف في النظرة إلى لبنان، وأنه قصد به الحزب فقط، وليس الطائفة الشيعية». واستبعد أن يكون لهذه المواقف تأثير على الحوار الجاري أو المنتظر أن يتجدّد مع عودة الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، لافتاً إلى قول جنبلاط بـ«أني لست من يحاور» حيث إن هذا الحوار يضطلع به رئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري والرئيس أمين الجميّل.
ورداً على سؤال عن موضوع حكومة المثالثة (10+10+10) والحديث عن أن هناك توافقاً قريباً عليها، قال حمادة: «إن المعارضة سئلت عن هذه الصيغة، فتحدّثت عن أشياء إضافية عليها». وأكّد أنّ موسى عائد إلى بيروت في 24 من الجاري، وقال: «إذا كان هناك حل عربي فنحن لسنا حجر عثرة أمامه».
ولوحظ أن هذا التصعيد الجنبلاطي جاء بعد ساعات على تلقي رئيس الحكومة فؤاد السنيورة رسالة من الرئيس الاميركي جورج بوش نقلها إليه وكيل وزارة الدفاع الأميركية لشؤون السياسات السفير إريك أدلمان، وعبّر فيها عن «القلق العميق بسبب جهود البعض، ومن ضمنهم سوريا وإيران وحلفاؤهما، من أجل تقويض مؤسسات لبنان الدستورية من خلال العنف والتهويل»، مكرّراً دعمه «لحكومة لبنان الشرعية المنتخبة ديموقراطياً»، معلناً أن بلاده «ستستمر في الدعوة الى انتخاب فوري وغير مشروط لرئيس جديد وفقاً للدستور اللبناني». وأكد دعم فريق الموالاة «للوقوف بحزم في وجه الضغوط للتخلّي عن مبادئها».
من جهة ثانية، أعلن وزير الخارجية الإسباني ميغيل أنخيل موراتينوس في رسالة وجهها أمس إلى موسى خلال الاجتماع العربي الأوروبي لوزراء الخارجية في مالطا استعداد إسبانيا للمشاركة في بعثة مشتركة للاتحاد الأوروبي والجامعة العربية للتوسّط في حل الأزمة اللبنانية. وقال إنه يعتقد أنه يجب الإعداد لهذه البعثة، مشيراً الى أنه اتفق على ذلك مع موسى لأن الجامعة هي التي ستحدد الوقت المناسب للقيام بمثل هذه الجهود. وأشار إلى أن إسبانيا، إلى جانب إيطاليا وفرنسا، تسعى لإيجاد حلّ للأزمة اللبنانية، مشدّداً على ضرورة التنسيق بين أوروبا والجامعة العربية في هذا الصدد. ولفت إلى أنه «ما زال هناك أمل مصحوب بمزيد من المهمات التي يجب القيام بها».
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد