02-12-2020
ماذا تعلمنا من جائحة كورونا
حبيب عبد الرب:
بفضل جائحة الكورونا تعلمنا أشياء مهمة جدا،
لم تكن بهذا الوضوح لنا جميعا.
أولها: تاريخ البشرية سلسلة من الجوائح. وحالات الفرج والهدنة بين جائحتين فترات استثنائية فقط في تاريخ الإنسان.
في أيام العصر الأموي، على سبيل المثال، عرفت الدولة الأموية ١٣ جائحة!
ثانيها: انتهاء كل جائحة كبرى يحقق للبشرية تحولات نوعية: اجتماعية، حضرية (نظافة وبناء المدن)، معرفية...
السؤال: ما الذي ستحققه جائحة الكورونا للإنسان من مكاسب حضارية؟
واحدة على الأقل: الأبحاث في الصحة، ومقاومة الأمراض، وانتاج اللقاحات والعلاجات لكل الأمراض بما فيها السرطان، ستحقق طفرة نوعية هائلة في المستقبل القريب جدا.
ليس فقط لأن مبالغ الدول لدعم أبحاث الصحة ارتفعت كثيرا لتسمح لاستخدام الانترنت وتقنيات "الأشياء المتصلة" والروبوتات... لمراقبة وإدارة وتحسين علاج الإنسان.
لكن لأن تقنيات ثورية جديدة ستستخدم للقاح والعلاج، تبدو التقنيات القديمة بجانبها كما لو جاءت من عصر عاد وثمود.
احفظوا هذا الاسم، وإن بدا لكم غريبا:
الحمض النووي mRNA
اسمه في البيولوجيا: "الرسول" (بمعنى "ساعي البريد"، أي الوسيط في نقل ال RNA).
هو نجم الموسم، وبطل الثورة القادمة!
يطلع إيش هذا الاسم الغريب؟
سمعتم جميعا على ال DNA
الحمض النووي الموجود في كل الخلايا الحية (والذي يحوي شفرة تركيب كل كائن حي: طوله وقصره، أمراضه، شكل أنفه، كل صغيرة وكبيرة تمسّه...)
"الرسول" ابن عمه.
عبارة عن "مدير تنفيذي" لصناعة بروتينات الكائن الحي،
في ضوء "برنامج عمل" ال DNA.
الأول يشبه "تقرير اللجنة المركزية للحزب القائد وبرنامج عملها"،
والثاني "خطة الحكومة لتنفيذ البرنامج"،
إذا جاز التشبيه بمصطلحات البلاغة السياسية السوفيتية!
هناك مزايا بلا حد لاستخدام تقنية "الرسول" في صناعة الجيل الجديد من اللقاحات والعلاجات،
تحتاج إلى منشورات طويلة عريضة من المتخصصين بهذه الشؤون (لستُ منهم).
لكني قد أغامر وأحاول ذلك،
لأن الموضوع ضروري استيعابه من الجميع، كثقافة عامة.
اكتفي هنا فقط بذكر أهم الاسماء في تحويل هذه التقنية الثورية العظيمة إلى حقيقة:
١-٢) المجرية العظيمة كاتالين كاريكو. من مدينة سِجِد المجرية (لم أر في حياتي مدينة، جمال بناتها مثل جمال بنات هذه المدينة!).
غادرتْ مدينتها لأمريكا في ١٩٨٥.
هي صاحبة الفكرة الأولى لاستخدام "الرسول".
عاداها الجميع في أمريكا لأن فكرتها كانت معاكسة للتيار السائد.
وجدت، بعد سنين طويلة، في مبنى جامعتها، كندي بالصدفة بجانب جهاز تصوير مقالات: درو ويسمان،
تبادلا الحديث، ثم اشتغلا معا لتحويل فكرتها إلى حقيقة مختبرية.
احتمال تكون كاتالين نوبلية قريبا.
٣-٤) الألماني الإنساني المثابر الرائع (شاهين وزوجته. كلاهما من أصول تركية مسلمة).
احتضن شاهين كاتالين وعينها نائبة رئيس شركته، بعد ٣ ساعات فقط من حديث شفوي لهما في مؤتمر علمي:
لهما نفس الحلم الإنساني، الرؤية...
ويشتغل مع زوجته، مثلها منذ زمن على نفس التقنية.)
ومن مختبرهم (بالشراكة مع شركة صيدلة أمريكية كبيرة منتجة: فايزر)
خرج اللقاح الأول!
٥) طبيب كندي: ديريك روسي، بروفيسور في هارفارد، وجد طريقة لتعميم هذه التقنية للتكيف مع أمراض مختلفة كالسرطان وغيره وعلاجهم،
وأعطى بذلك للتقنية أهمية خطيرة فائقة.
٦) ستيفان بانسل: فرنسي، درس في "المدرسة المركزية" اللي درس فيها ايفل، صاحب البرج (واحدة من كليات الهندسة الكبرى التي تحدثت عنها سابقا، والتي يخرج منها نخبة النخبة):
هو رئيس ومخطط شركة موديرنا الأمريكية التي انتجت لقاحا منافسا،
يعمل بنفس التقنية الثورية.
استدراك:
ليست نكتة، بل حقيقة توجع القلب (ذكرها المتخصص العزيز محمد الشيباني،
في منشور مرح كعادة منشوراته):
الحمض النووي mRNA
اسمه في البيولوجيا: "الرسول" Messager
بالانجليزية: messenger
(بمعنى "ساعي البريد"، أي الوسيط في نقل ال RNA).
واحد محترم كتب منشورا حول استخدام هذه التقنية،
لأول مرة في تاريخ ابتكار اللقاحات،
في اللقاحين ضد الكوفيد،
لشركتي فايزر وموديرنا (اللتين أنهيتا المرحلة الثالثة من بروتوكولات اللقاحات: التجريب على ٣٠ ألف إنسان،
بنجاح ٩٢٪ و ٩٤,٥٪).
دخل أغلب المعلقين على منشوره وكتبوا:
"اللهم صلي وسلم وبارك عليه"!
*بروفيسور وروائي يمني يعيش في فرنسا
إضافة تعليق جديد