مبادرات شبابية في سوريا: الإبداع يتحدّى قسوة الحرب
رغم قسوة الحرب في سوريا، تخرج مبادرات مجتمعية من رحم الألم الذي يمر فيه المجتمع. ومع زحمة المبادرات الدولية لحل الأزمة المستعصية، يبقى للشباب السوري مبادراته الداخلية البعيدة عن السياسة وتشعباتها، والقريبة أكثر من الإنسان وهمومه واحتياجاته.
تتسابق عدسات وكالات الأنباء العالمية والصحف لتلتقط مشاهد من الحرب في سوريا، تنقل بها الخبر والحدث اليومي. «عدسة سلام» كاميرا توثيقية بعيدة عن عالم الأخبار، تعتمد على أسلوب السينما التسجيلية.
فالفيلم التسجيلي، كما يصفه فريق عمل المبادرة، هو نقل الواقع كما هو من خلال عدسة الكاميرا، وتحويل الواقع إلى سلسلة صور ومشاهد تحمل رسائل للمشاهد تحرّضه على اعتناق رأي معين أو الإقدام على فعل.
السينما التسجيلية اليوم هي الأهم، ليس فقط لقدرتها على التأثير على الواقع الراهن، بل أيضاً لأنها مادة توثيقية للمستقبل، تعمل كرادع للأجيال المقبلة، تمنعهم من الدخول في صراعات بعد رؤية كمية المعاناة التي تكبّدها الشعب في الصراع الحالي الذي تعيشه البلاد.
ويقتبس فريق العمل كلمة الأستاذ ميخائيل كيركروف في جامعة بطرسبرغ لصناعة الأفلام الوثائقية التي يقول فيها إن «سوريا هي المسرح الأهم الآن في العالم لصناعة الفيلم التسجيلي».
ويتحدث المسؤول عن مبادرة «عدسة سلام» بشار مجدلاوي عن هدف المشروع وطريقة عمله. ويقول «تم تقديم المبادرة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. هو مشروع فني ثقافي، يجمع مجموعة من المهتمّين بالعمل التصويري، حيث يتم تعليمهم كيفية تصوير أفلام وثائقية لنقل المشاكل الاجتماعية». ويضيف «اسمها عدسة سلام لنربط الموضوع الوثائقي بموضوع السلام ضمن الوضع الذي نعيش فيه».
ويشير مجدلاوي إلى أن «هناك العديد من الأمور التي يجب أن يُسلط عليها الضوء، فنحن جمعنا 10 شباب من فئات مختلفة تمّ اختيارهم من بين 40 شخصاً تقدموا للدورة، حسب معايير الأمم المتحدة ومنظم المشروع، ليجتمعوا في مكان واحد للخروج بفكرة شاملة لجميع الناس في سوريا تسلط الضوء على السلام. ويضيف «في نهاية الورشة يتم تنفيذ الفيلم وتسويقه، إن كان في مهرجانات أو عرض خاص أو مواقع تواصل اجتماعي، حتى تبدأ الناس تفكر بحلول لما يحدث من مشاكل. هو فقط تسليط ضوء ولا يتم طرح حلول». ويعتبر أن «هذا العمل ربما ساعد في دعم هؤلاء الأشخاص الذين يتم تسليط الضوء عليهم من قبل منظمات ومؤسسات قد تهتم لأمرهم».
وتقيم «عدسة سلام» ورشتي عمل لمدة أربعة شهور في محافظتين، حيث يتم تدريب مجموعة من المهتمين والموهوبين على كيفية صناعة الفيلم التسجيلي، من كتابة النص والتصوير والمونتاج، ومن ثم تنفيذ فيلمَيْن وثائقيين عن حالات سلام في مجتمعات المحافظتين، والمرحلة التالية إقامة عرض كبير للفيلمين وبيعهما، على أن يعود ريع الأموال إلى دعم أسر متضررة.
«مبادرة كتاب»
أن تحمل كتاباً للكاتب اللبناني أمين معلوف وتقدّمه لإحدى العائلات المتضررة من الحرب قد يكون مستغرَباً، أو ربما غير مرغوب في ظل أصوات الرصاص والحاجة للأمان.
«مبادرة كتاب» أطلقها فريق «نقطة حبر» في دمشق. ويقول المسؤول عن الفريق يوسف صباغ «البداية كانت في تفكيري بسؤال، كيف يمكنني أن أجد طريقة أشجع فيها الناس على القراءة». وأضاف «تقوم الفكرة على إنشاء مكتبة مليئة بالكتب المتنوّعة، مع التركيز على الكتب التي تثير اهتمام اليافعين والشباب والأطفال، وذلك لأهمية الفئة العمرية في بناء وطن أفضل، لأنها أكثر الفئات تعرضاً للانخراط في العنف، والقراءة تخلق إنساناً متوازناً، على قدر من النزاهة وأقل عنفاً، وثقافة العنف لديه ضعيفة لأن أفقَهُ أبعد».
وعن أهمية المبادرة، يوضح صباغ «من المزايا والفوائد للمبادرة، أن القراءة أصبحت على الانترنت، وهذا ليس بخطأ، لكن المشكلة انه ليس هناك معرفة ووعي في المصادر التي تقدم معلومات صحيحة، فنحن لدينا ثقافة منقوصة لأننا نجتزئ فكرة معينة من دون أن ندرك مصدرها من أي كتاب، كما أن المبادرة هي مساهمة في إثبات أن العقل السوري هو وليد حضارة موغلة في القدم، وهو كغيره قادر في أصعب الظروف على الابتعاد عن ثقافة الانتقام».
وعن طريقة تنفيذ المبادرة، يوضح صباغ «توضع هذه المكتبة في المقاهي والمدارس والسينما والجامعات ومراكز الإيواء وغيرها. مكتبات متوسطة الحجم يمكن صناعتها عند نجارين محليين، تضم مجموعة من الكتب المنوّعة. طرحت الفكرة على أكثر من جهة، البعض عبّر عن تأييده لها، وبعضهم اعتبر أن الوقت ليس للقراءة، وقدمتها في النهاية إلى منظمة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وتم فتح باب المبادرات من قبلهم، حيث تم تكوين فريق من أربعة أفراد، ليتم تشكيل فريق نقطة حبر».
ويوضح صباغ أن «العمل حالياً يتم على قسمين، الأول وضع المكتبات في أماكن محددة، حيث يستطيع أي شخص أن يقرأ كتاباً من دون أي أجر مادي، والقسم الثاني هو عدم الاكتفاء بالقراءة، ففي مركز الرعاية في منطقة دويلعة في دمشق، وضعت مكتبة تضم مجموعة من الكتب المنوعة للأطفال واليافعين. تركيزنا على الصغار، بسبب القدرة على مواصلة العمل معهم حتى سن متأخرة. وضمن الخطة المقبلة نعمل على وضع مكتبة في مراكز الإيواء كونها تضم عائلات خارجة من بيئة متضررة».
وعن طرح البعض أن الوقت ليس للقراءة، يقول صباغ «لا مبرر لعدم لقراءة. التربية في البيت والمدرسة هي الأساس. القراءة تساعد في الدعم النفسي. نحن لا ندعو لتقديم القراءة عن الحاجات اليومية، مثل الأكل والشرب، ولكن هل من المعقول ألا يكون أمامنا وقت للقراءة».
وسام عبد الله
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد