مخاوف صينية من تطلعات المسلمين التركمان «الإيغور» الإنفصالية

18-03-2016

مخاوف صينية من تطلعات المسلمين التركمان «الإيغور» الإنفصالية

مع مطلع العام الجديد 2016، عمدت السلطات الصينية وأجهزة «مكافحة الإرهاب» في الصين الى التشديد من رقابتها على مسلمي «الإيغور»، الذين يشكلون ثقلا بشرياً لا يمكن الاستهانة به في إقليم شينغيانغ جنوب غرب الصين.
وتراقب السلطات بالكثير من الجدية والحيطة، من خلال حكومتها وأجهزتها الأمنية المحلية في إقليم «شينغيانج» بأقصى غرب الصين وكذلك في أماكن تواجد التجمعات الإسلامية في المدن الصينية الكبرى، ممارسة الشعائر الدينية التي يتبعها متدينو «الإيغور»، ومنعت أو شددت مرة أخرى على التجمعات الدينية في بعض المساجد، كما حظّرت أنشطة بعض الجمعيات ذات البُعد الديني المتطرف او المشبوه، أو المشكوك بارتباطه ببعض الجهات الخارجية في بعض أجزاء المقاطعة، وذلك خوفاً من عمليات عنف قد ينفذها إسلاميو «الإيغور» لأهداف انتقامية. وما من شك أنه بعد وقوع هجمات باريس أواخر السنة الماضية 2015، وسابقاً هجمات اسبانيا وغيرها من الهجمات المتفرقة في اكثر من مدينة اوروبية، والتي كان لها وقعٌ مدوٍّ في العالم، وبعد عبور آلاف «الجهاديين» الحدود للقتال في سوريا، فقد تصاعدت مخاوف العالم أجمع لما تمثله الجماعات الإسلامية المتطرفة من خطر، خاصة مع تفشي ظاهرة «داعش» والسلفية الدينية، التي أنشأت مدارس عدة في الكثير من الدول.
وتجدر الإشارة الى ان تايلند، الدولة الآسيوية وجارة الصين، قد أعادت أواخر السنة الماضية 2015 ما يقارب 100 من أفراد «الإيغور» المسلمين إلى الصين. كما أقدمت السلطات الصينية مؤخرا على ترحيل 170 مسلما متشددا إلى تركيا، بعد التشكيك بنشاطهم الديني أو الأمني من خلال عبورهم للقتال في سوريا الى جانب المعارضة المسلحة، الأمر الذي أثار حفيظة الأقلية المسلمة في الصين، وأعاد التوتر من جديد مع سلطات البلاد، وفتح المجال امام تصعيد محتمل لهذه الفئات في اماكن تواجدها. فمن هم مسلمو «الإيغور»؟ وما جذور الخلاف مع الصين؟ وما الأسباب التي تدفع السلطات الصينية إلى تشديد الرقابة عليهم؟ وهل تخشى الصين من نمو الحركات الإسلامية في أقاليمها؟
«الأيغور» هم شعوب تركية الأصل، ويشكلون واحدة من 56 عرقية في جمهورية الصين الشعبية، ويتركزون في منطقة تركستان الشرقية ذاتية الحكم، والتي تُعرف باسم «شينغيانغ» أيضا. وهم يتواجدون على مساحة تعادل 1/6 مساحة الصين، كما أنهم يتواجدون في بعض مناطق جنوب وسط الصين، ويُدينون بالإسلام ويمارسون شعائرهم الدينية من خلال مساجد ومنتديات دينية ويصومون في شهر رمضان، ولهم علاقات دينية تزداد رسوخا مع مسلمين من السعودية ومصر وبعض دول آسيا.
تاريخياً، مصطلح «الأويغور»، الذي يعني «الاتحاد أو التحالف»، كان يُطلق على أحد الشعوب التركية التي تعيش في ما يعرف اليوم باسم «منغوليا»، حيث كان «الأويغوريون» مع «الجوك» أقوى وأكبر القبائل التركية التي تعيش في آسيا الوسطى. وفي العام 744 استطاع «الأيغور» بمساعدة قبائل تركية أخرى إطاحة إمبراطورية «الجوك تركية»، وأسسوا مملكتهم الخاصة بهم، التي امتدت من بحر قزوين غربا حتى منشوريا شمال شرق الصين والكوريتين شرقاً.
وأسس «الإيغور» الذين اعتنقوا الإسلام في القرن الثامن الميلادي، دولة سُميّت «القارا خانات» التي يسمى حاكمها قارا خان. وبعد ظهور السلاجقة واشتداد عودهم وازدياد قوتهم، صارت المنافس الأقوى لدولة القارا خانات في تلك المناطق: تركستان وكازاخستان حاليا.
ويعيش في إقليم شينغيانغ ذي الأغلبية المسلمة من أصول تركية ـ بحسب إحصاءات متضاربة - قرابة 28 مليون نسمة، منهم 12 مليونا من مسلمي «الإيغور» الذين دائمًا ما يحتجّون على النظام الصيني، حيث يرى كثير منهم أنهم يتعرضون للاضطهاد الديني والثقافي في البلاد فضلا عن ظلمهم اقتصاديا.

ما هي جذور الأزمة مع الصين؟
 بداية، نشير الى ان الصين تسيطر على الإقليم الذي تسميه شنغيانغ «أي الحدود الجديدة» منذ العام 1949. وتضم الصين عشر أقليات مسلمة من أصل 56 أقلية في البلاد، وهي هوي والإيغور والقرغيز والكازاخ والطاجيك والتتار والأوزبك والسالار والباوان والدونغشيانغ بكثافة في شمال، وشمال غرب البلاد عموما.
وفي هذا السياق، يمكن القول إنه لم يسجل ـ تاريخيا ـ عمليات عنفية واضحة مع السلطات الصينية، الى ان حلّ العام 2009 حيث شهد اقليم «شنغيانغ» احتجاجات واسعة تطالب بالاستقلال عن الصين، وهي الاحتجاجات التي راح ضحيتها أكثر من 200 شخص. وأرخت هذه الأعمال أجواء عدائية مع السلطات المحلية كانت تقوى وتخف من وقت لآخر. ومنذ ذلك الحين والسلطات الصينية تشدد من الإجراءات الأمنية وتضيّقها على سكان الإقليم.
وعلى خلفية أعمال العنف، فوّضت السلطات الصينية لرجال الشرطة التصريح بقتل كل من يرون أنه «إرهابي» في الإقليم، واضعين أمام رجال الشرطة «استخدام كل الوسائل المتاحة في مواجهة الإرهابيين». وهذا ما اعتبر من قبل منظمات حقوق الإنسان وبعض الجهات الغربية بمثابة «أمر عمليات»، تلقفه رجال الشرطة وسارعوا إلى استخدامه في قتل المسلمين «الإيغور» في الإقليم.
بالنسبة للأهمية الاقتصادية للإقليم ذي الأغلبية المسلمة في الصين، يمكن القول إن الخصوصية الاقتصادية للإقليم يمكن رصدها من خلال التالي:
1. أصبح الإقليم في السنوات الأخيرة من أهم مصادر البترول والغاز الطبيعي في جمهورية الصين الشعبية.
2. يملك مخزونًا هائلًا من الثروات المعدنية، من الذهب والزنك واليورانيوم.
3. تعتبر المنطقة ذات أهمية استراتيجية، إذ تجاورها الجمهوريات التي انفصلت عن الاتحاد السوفياتي ونالت استقلالها في وقت سابق، مثل قيرغيزستان وتركمانستان أو كازاخستان التي تعيش فيها أيضا شعوب تركية ومسلمة مثل «الإيغور».

الخوف الصيني المتزايد
 ما من شك أن للصين مخاوفها الداخلية من تنامي نشاط الحركات الإسلامية خاصة مع وجود حوالي 9 ملايين مسلم من «الإيغور» الأتراك الذين يشعرون باستياء شديد من وضعهم، ويتهمون السلطات الصينية دائمًا باضطهادهم.
ورصدت الكثير من مراكز الأبحاث الغربية سياسة الصين مع مسلمي «الإيغور» على مر الأعوام الماضية. يقول الباحث الاستراتيجي الأميركي غراهام فولر «إن الصين تعاونت مع جيرانها باكستان وكازاخستان وقرغيزيا وطاجيكستان لمنع الإيغور من القيام بأنشطة سياسية على أراضي هذه الدول، ومطالبتها بتسليم كل النشطاء السياسيين منهم». هذا فضلا عن أن الصين شعرت بالقلق الكبير من مسلمي «الإيغور» وطموحاتهم الانفصالية، ما جعلها تشكل قبل سنوات عدة «منظمة شنغهاي للتعاون» التي كان من اهدافها التنسيق في المعلومات الأمنية بين الدول الأعضاء، وهي الصين وروسيا وقرغيزيا وأوزبكستان وطاجيكستان وكازاخستان.
بالنسبة للصين كان هدفها الرئيسي من هذه المنظمة، هو جمع معلومات استخبارية عن كل أنشطة «الإيغور» خارج الصين، خاصة بعد أحداث 11 أيلول 2001، حيث كثف النظام الصيني من حملة مطاردته للاستقلاليين «الإيغور»، وتمكن من اعتقال بعض الناشطين منهم.
وتقول وزارة الخارجية الصينية في اكثر من مناسبة أنه «لا توجد لديها مشكلة عرقية» في الحدود الغربية، وأقلية «الإيغور» المسلمة هناك تتمتع بحرية الدين. وقد جاء هذا البيان بعد احتجاجات في تركيا مناهضة للصين بسبب معاملة بكين للأقلية المسلمة.
في المناخ السياسي العام، تحرص الصين على التأكيد باستمرار على الحرية المعطاة للمسلمين الإيغور ضمن القوانين الصينية. ونرى ذلك واضحا من خلال تشديد المتحدثة باسم وزارة الخارجية هوا جونيونغ للصحافيين في مؤتمر صحافي دوري، بأن «الإيغور يعيشون ويعملون في سلام واطمئنان ويتمتعون بحرية الدين وفقا لقواعد الدستور». لذا فإن ما يسمى بالمشكلة العرقية في شينغيانغ التي ذكرتها بعض التقارير ببساطة غير موجودة».
وفي هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى أن تركيا تعهّدت في اكثر من مناسبة، بالحفاظ على أبوابها مفتوحة أمام المهاجرين «الإيغور» الذين فرّوا من الاضطهاد في الصين. وقد أعربت تركيا للصين عن قلقها إزاء تقارير حول القيود المفروضة على «الإيغور» خلال شهر رمضان. ولا بد من الإشارة ايضا الى ان المعلومات والتقارير غير المعلنة، تشير الى أن مئات الأشخاص قُتِلوا على مدى السنوات الثلاث الماضية في سلسلة من الهجمات في شينغيانغ. واتهمت بكين المسلمين بأنهم يسعون لإقامة دولة مستقلة تسمى تركستان الشرقية.
على المستوى الأمني، تُحمِّل السلطات الصينية المسؤولية عن العنف بصورة شمولية «لإرهابيين» غير محدَّدين، لكنها تلمح بين الفينة والأخرى لحركة تركستان الشرقية الإسلامية، وهي جماعة إسلامية تم وضعها في العام 2002 لدى الأمم المتَّحدة على قائمة الإرهاب بطلب من الصين وبدعم من الولايات المتَّحدة الأميركية.
في الخلاصة، يمكن القول إن الصين الطامحة للعب دور عالمي، وتريد تقديم صورة ايجابية عن واقعها الداخلي، لا يمكنها أن تتجاهل وجود اسلامي يتفاعل وينمو بشكل متسارع على اراضيها. وهي في هذا المجال تراقب بالكثير من الحذر نشاطات مسلمي «الإيغور»، وهي لن تتوانى عن قمع اي حِراك أو نشاط سياسي ترى أنه يهدد سلام البلاد وأمنـها القومي واستقرارها الداخلي أو طموحاتها الخارجية.

نبيل سرور

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...