مخطط تقسيم العراق في معهد بروكينغز الأمريكي
أصدر مركز سابن بمعهد بروكينجز للدراسات السياسية والإستراتيجية بواشنطن دراسة تضمنت رؤية متكاملة حول إمكانية وكيفية تطبيق الفيدرالية في العراق والصعوبات التي ستواجه الأطراف المختلفة في سبيل تنفيذ هذا الخيار, وذلك تحت عنوان " حالة التقسيم السهل للعراق"
وذكرت الدراسة التي أعدها الباحث الزائر بالمعهد جوزيف ادوار وشاركه في إعدادها مايكل هانلون الباحث المتخصص في شئون الأمن القومي الأمريكي بالمعهد, أن خطة تطبيق الفيدرالية تحتاج إلى قوات قوامها 300 ألف جندي, وأن تتم عملية رسم الحدود بحرص بالغ.
وجاء بالدراسة انه ينبغي, عقب عملية التقسيم, تأسيس نظام جديد لإصدار بطاقات هوية خاصة بكل إقليم يتم التحقق منها عن طريق وضع نقاط تفتيش على حدود كل منها, وذلك لمحاصرة العناصر المتطرفة, متوقعة أن تبلغ التكلفة التقديرية لهذا النظام مليار دولار.
وقالت الدراسة, بحسب ما جاء في "تقرير واشنطن" الذي يعده "معهد الأمن العالمي" بواشنطن أنه ينبغي عدم تدخل الولايات المتحدة في هذه العملية حتى تتجنب اتهامها بالانحياز وتقوية فصيل على أخر وبالتالي فان الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية هما الجهتان المرشحتان للقيام بهذه العملية.
ويعترف الباحثان في بداية الدراسة أن هناك تحفظات كثيرة على هذه الفكرة خاصة في الأوساط الرسمية والتي تصف تقسيم العراق بأنه غير أخلاقي ولاسيما البيت الأبيض الذي يرى هذا التقسيم مثيرا للفتن, وأن مجموعة دراسة العراق وعلى رأسها وزير الخارجية الأسبق جيمس بيكر وعضو الكونجرس السابق لي هاملتون من اكبر المعارضين لهذا المشروع وذلك لعدة عقبات أولها ارتفاع نسبة الزواج المختلط بين الطوائف العراقية المختلفة مما سيجعل التعامل مع هذه الظاهرة عن طريق الفصل الجغرافي أمرا من الصعب تحقيقه، وثانيها أن تقسيم العرق إلي ثلاث أقاليم من المتوقع أن ترفضه العديد الأطراف سواء من داخل العراق أو من قبل جيرانه مثل المملكة العربية السعودية والأردن.
وقال الباحثان إنهما يعتقدان أن التقسيم ليس حلاً جيداً لصراعات الطائفية إلا أن الواقع الحالي في العراق من اقتتال داخلي يجعل التقسيم أفضل الخيارات المتاحة كما أن التجربة أثبتت عدم صحة المبدأ القائل بأن العراقيين يريدون العيش معا داخل دولة واحدة ذات حكومة مركزية حيث صوت العراقيون في الانتخابات في السنوات الأخيرة وفقا لمصالح الطوائف التي يدينون لها بالولاء إلي جانب أن العنف الطائفي كشف أن العراقيين يشعرون بالأمان حين يعيشون في منطقة معظم سكانها من نفس الطائفة وهذا ظهر بوضوح خلال حركات النزوح التي قام بها ألاف العراقيين هربا من العنف.
وحول مواقف الطوائف العراقية المختلفة من فكرة التقسيم, ترى الدراسة أن الأكراد هم الأكثر وضوحا خاصة أن هناك شبه اتفاق بين الأحزاب الكردية في الحفاظ على سيادة الإقليم-كردستان العراق- واستقلاله واستمرار العمل بنظام الحكم الذاتي الذي يتمتع به الإقليم حاليا، وهذا يتناقض مع موقف السنة الذين يتخوفون من مبدأ التقسيم وينبع هذا الشعور من اعتقادهم بان هذه الخطة ستؤدي إلي سيطرة الشيعة على عائدات النفط خاصة أن معظم حقول النفط تتواجد في منطقة الجنوب التي من المفترض أن تكون إقليما شيعيا يتمتع بالحكم الذاتي في حالة تقسيم العراق.
واضافت أن السنة بات لديهم يقين بان استعادتهم للسيطرة على العراق كما كان في عهد صدام حسين أمر غير منطقي وانه عليهم أن يجدوا صيغة جديدة تناسب الوضع السياسي و الديمغرافي الحالي، أما الشيعة العراقيين فيبدو أن موقفهم ليس موحد تجاه هذه القضية, مشيرة إلى أن العديد منهم عارض الخطة التي روج لها عبد العزيز باقر الحكيم رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية بشأن تقسيم العراق لأقاليم تتمتع كل منها بحكم ذاتي ولاسيما التيار الصدري الذي أبدى زعيمه مقتدى الصدر في أكثر من مناسبة معارضته إنشاء إقليم شيعي في الجنوب.
وتقر الدراسة بأنه إذا لم يتم التخطيط بشكل جيد لعملية التقسيم هذا من شأنه سيؤدي إلي عدم استقرار وفوضى في الإقليم بشكل عام خاصة أن هناك فارق كبير بين تجربة البوسنة والوضع في العراق حاليا حيث أن جيران الأولى صربيا وكرواتيا كان لهم هدف استراتيجي واحد وهو تقسيم البوسنة مما سهل الأمر لوجود دعم إقليمي ودولي أما العراق فهو أمر مختلف تماما ووضع جديد من نوعه.
وأشارت الدراسة إلي أن الحرب الأهلية في العراق-على حد وصف الباحثين- أدت إلي خلق واقع ديمغرافي جديد وذلك طبقا للإحصاءات التي نشرتها المفوضية العليا لشئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة والتي ذكرت انه حتى يناير/ كانون الثاني 2007 وصل عدد اللاجئين العراقيين للدول المجاورة إلي مليونين بينما وصل عدد اللاجئين داخل العراق-نزوح داخلي- إلي 1.7 مليون. كما أشارت التقارير ايضا إلي أن هناك أكثر من نصف مليون عراقي يتم تهجيرهم من مدنهم كل شهر.
وذكرت انه على الرغم من أن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي طالب أكثر من مرة العراقيين بالعودة إلي قراهم التي هجروها إلا أن معظمهم رفضوا العودة مما سيؤدي إلي حدوث تأثير عميق على الحياة السياسة والاقتصادية حيث يسعى حاليا المواطنين العراقيين إلي النزوح إلي القرى التي يتركز فيها الطائفة التي ينتمون إليها وفقا لما رصدته منظمة الهجرة الدولية, والتي قالت في تقرير لها صدر مؤخرا أن العرب الشيعة يقومون بالنزوح من وسط العراق إلي الجنوب بينما يقوم العرب السنة بالنزوح من الجنوب إلي الوسط وخاصة إلي محافظة الانبار. وتصف الدراسة هذه الظاهرة نقلا عن تقارير المنظمات الدولية بان ما يحدث من موجات نزوح داخلي من شأنه تحويل العراق بالتدريج بلقانا جديد.
-وعن كيفية رسم الحدود بين الأقاليم الثلاث, ترى الدراسة أن الظروف الحالية التي يشهدها المجتمع من زواج مختلط بين أبناء الطوائف المختلفة تجبر النظام الجديد على احترام الأقليات مما يجعل رسم الحدود على أساس جغرافي وليس طائفي وذلك من خلال استخدام الظواهر الطبيعية كالأنهار والجبال.
وذكرت انه ليس هناك مشكلة فيما يخص المحافظات الواقعة جنوب العراق لان معظم قاطنيها من العرب الشيعة إلا أن المشكلة الحقيقة في المحافظات والمدن الرئيسية مثل بغداد والموصل وكركوك. وتنتقد الدراسة اقتراح "غلب- بايدن" بجعل العراق مدينة دولية مستقلة حيث سيؤدي هذا الطرح إلي مزيد من عدم الاستقرار خاصة أن ثلثي عمليات النزوح حدثت في بغداد وبالتالي لابد أن تكون العاصمة العراقية بغداد جزء من علمية التقسيم وذلك على الرغم من أن الدستور العراقي الحالي يحول دون انضمام بغداد إلي أي إقليم في حالة حدوث تقسيم إلا أن البدء في تنفيذ هذا المشروع يحتاج إلي العديد من الاستعدادات منها أجراء عمليات مراجعة وتعديل لمواد الدستور كي تسهل عملية التقسيم.
-ونصحت الدراسة بأن تتم عملية رسم الحدود بحرص بالغ كما أنه على الولايات المتحدة أن لا تتدخل في هذه العملية حتى تتجنب اتهامها بالانحياز وتقوية فصيل على أخر وبالتالي فان الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية هما الجهتان المرشحتان للقيام بهذه العملية وذلك على عكس ما حدث في منطقة البلقان عندما تم تقسيم البوسنة بقيادة السفير الأمريكي ريتشارد هول بروك إلا أن وضع الولايات المتحدة حاليا لا يؤهلها لقيام بذلك نظرا لفقدانها المصداقية الأزمة بين الطوائف العراقية.
وتشدد الدراسة على أن هناك العديد من المبادئ التي ينبغي الالتزام بها عند رسم الحدود هي:
أولاً :أن لا تؤثر الحدود الجديدة على عملية توزيع الموارد النفطية بل لابد أن يكون جميع العراقيين متساوون في هذا الأمر.
ثانيا: أن لا يتم إجبار أي مواطن على الانتقال ألي إقليم أخر على أساس طائفته بل تترك الحرية كاملة للمواطنين في الاختيار.
ثالثا: وضع قواعد صارمة لاحترام الأقليات في كل إقليم وحمايتهم لتجنب حدوث أي إعمال عنف طائفي.
ويبقى توزيع عائدات النفض العراقي هي المعضلة الرئيسية في عملية التقسيم حيث تشير الدراسة إلي أن معظم إحداث الاقتتال الداخلي اندلعت في أعقاب الاستفتاء على الدستور العراقي في أغسطس/ آب 2005 نظرا لان الدستور ترك عملية توزيع الثروة النفطية أمراً غامضاً لم يتم الإجابة عليه حتى الآن مما عزز القلق السني خاصة أن الأكراد نجحوا إلي حد كبير في تأمين نصيبهم من عائدات النفض, أما الشيعة فيسيطرون على المحافظات الجنوبية التي يوجد بها معظم الثروة النفطية العراقية ويبقى السنة وضعهم معلق في هذا الشأن فعلى الرغم من أنهم يمثلون 20 %من حجم العراقيين إلا إنهم لا يحصلون إلا على 10 % من عائدات النفط في الوقت الحالي.
وأكدت أن تحقيق أي نجاحات في عملية التقسيم يتوقف على توزيع عادل للعوائد النفطية لان ذلك سيضمن استقرارا امنيا ويحول دون النزاع الطائفي على الثروات العراقية ومن هنا ترى الدراسة أن أفضل طريقة تضمن توزيعا عادلا لثروات العراقية لابد أن تقوم على أساس عدد سكان كل إقليم ولكن الصعوبة التي ستواجه هذا الطرح هو عدم وجود تعداد سكاني دقيق في الوقت الحالي.
-واقترحت الدراسة تأسيس نظام جديد لإصدار بطاقات هوية خاصة بكل إقليم يتم التحقق منها عن طريق وضع نقاط تفتيش على حدود كل إقليم يتم تدعيمها البيانات الكاملة حول المواطنين في جميع أنحاء العراق وذلك لمحاصرة العناصر المتطرفة وتتوقع الدراسة التكلفة التقديرية لهذا النظام بمليار دولار.
وطرحت سؤالاً حول حجم القوات المطلوبة خلال تنفيذ تطبيق عملية التقسيم خاصة أن هذه المرحلة حساسة للغاية، وقدرت حجم القوات بحوالي 300 ألف إلا أن "هذه المرة على قوات التحالف أن تعد خططا جديدة للانتشار حيث أن الخطط الحالية لها أغراض مختلفة لن تناسب المهمة التي ستقوم بها قوات التحالف في مرحلة التقسيم حيث سترتكز على حراسة الحدود بين الأقاليم الثلاث وكذلك نقاط التفتيش ألي جانب تأمين المنطقة الخضراء", موضحة أن فكرة تقليل حجم القوات الأجنبية في العراق غير واردة إذا تم تنفيذ خطة التقسيم وذلك على الأقل لفترة انتقالية من 12 ألي 18 شهر.
يشار أنه في أوائل مايو من العام الماضي دعا السيناتور الديمقراطي جوزيف بايدن "ديمقراطي" من ولاية ديلاوير ولزلي جليب الرئيس الفخري لمجلس العلاقات الخارجية دعيا إلي تقسيم العراق لثلاث مناطق كردية وسنية وشيعية تتمتع كل منهما بالحكم الذاتي وفي هذا الوقت جاء الرد قاطعا من البيت الأبيض برفض الفكرة من الأساس وذلك على لسان متحدثه الرسمي توني سنو الذي قال "لا نريد بلقانا جديد". وواجه الاقتراح أيضا هجوما كبيرا من قبل مجموعة دراسة العراق برئاسة وزير الخارجية الأسبق جيمس بيكر والذي اعتبر تقسيم العراق خطا احمر لا يمكن تجاوزه خاصة أن ذلك من شأنه خلق ما أطلق عليه فوضى إقليمية جديدة ستعطي طهران فرصة ذهبية للسيطرة على الإقليم الشيعي الجديد كما ستثير حفيظة تركيا التي تخشى من قيام دولة كردية جنوبها. من ناحية أخرى, لاقى مشروع بايدن-جليب لتقسيم العراق ترحيبا من قبل العديد من أعضاء الكونجرس ومن ضمنهم السيناتور الجمهورية كيلي بايلي هوتجيسون التي ترى في تقسيم العراق المخرج الوحيد من المستنقع العراقي.
ويشار أن جوزيف ادوار له خبرة كبيرة في مجال إدارة الصراعات حيث عمل لمدة عقد كامل مع قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بمنطقة البلقان ولديه العديد من المؤلفات في هذا المجال وأن مايكل هانلون باحث متخصص في شئون الأمن القومي الأمريكي بمعهد بروكينجز وعمل مع قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في العديد من الدول.
المصدر: العربية نت
إضافة تعليق جديد