مسرحية «النافذة» كأن الحرب لم تمرّ من هنا
أربع نسخ من مسرحية «النافذة» للكاتب البولندي إيرينيوش أردينسكي (1939ـ 1958) أثارت مؤخراً حماس المسرحيين العرب؛ فالمسرح الملكي الأردني قدم نسخةً من هذا العرض بتوقيع بلال زيتون عام 2012، قد كانت المخرجة البحرينية غادة الفيحاني قد قدمتها أيضاً أوائل العام الحالي؛ بينما أنتج السوريون نسختين من هذا العرض داخل البلاد وخارجها بدعم من «مؤسسة مواطنون فنانون». الأول كان في آب الماضي 2015 بتوقيع عمر جباعي (مسرح بابل ـ بيروت ـ) وبشراكة مع الممثلة نوار يوسف؛ بينما أصدر مجد فضة نسخته من مسرحية الشاعر البولندي المتشائم في تشرين الأول الماضي، ليعرضها بدايةً في «الأيام الثقافية للمعهد العالي للفنون المسرحية ـ استوديو شريف شاكر»، ثم ليقدمها مؤخراً على مسرح القباني ( 29 أيار ـ 2 حزيران).
النص الذي نقله إلى العربية محمد هناء عبد الفتاح، وصدر ضمن سلسلة مسرحيات ذات فصل واحد من المسرح البولندي (المجلس الوطني للثقافة والفنون، الكويت، 2006) لا يتجاوز الخمس عشرة صفحة من القطع المتوسط، فهي من «المسرحيات الميكروسكوبية» التي يصل وقت عرضها بالكاد إلى نصف ساعة من الزمن؛ نشاهد خلالها زوجة شابة (جفرا يونس) تجهد في لفت انتباه زوجها المهندس (مازن الجبة) بالكف عن الجلوس في العتمة والتحديق من النافذة نحو البناء المقابل، منتظراً تلك الشعلة التي قد رآها تومض مرةً في العتمة؛ فمنذ أسبوع لم يبرح الرجل الثلاثيني انتظار ذلك الوميض الذي سحره، منفضّاً عن مفاتن شريكة حياته، غير آبهٍ بها ولا بكل الإغواءات التي تسوقها لصرفه عن هوسه وإعادته إلى حظيرة الحياة الزوجية.
فرضية تنبش في عدميةٍ لا تخلو من سؤال الوجود نفسه الذي لا يلبث أن يذبل مع الوقت، فمسرحة المشاعر في الدراما البولندية المعاصرة؛ لم تخلُ من هذه المسرحيات القصيرة التي كتبها كل من «سوافومير مروجيك» (1930- 2013) و «ستانيسلاف ليم» (1929ـ 2006) لكنها كانت خلاصة لحراك اجتماعي كبير خاضه المسرحيون البولنديون منذ القرن التاسع عشر للتحرر من هيمنة القوالب التقليدية التي عززتها الإمبراطوريات البروسية والروسية والنمساوية؛ وصولاً إلى انعتاقهم من النظام الشيوعي تسعينيات القرن الفائت، بينما ما زال المسرح السوري بعيداً عن هذه الخلاصات ـ إن صح التعبير ـ فما عمل عليه (فضة) يكاد يكون أقرب إلى تقديم أجوبة لأسئلةٍ أخرى.
أين الجمهور
كأن الحرب لم تمرّ من هنا، وكأن الجمهور ليس كائناً تاريخياً وجغرافياً؛ فلا ذكر لها على لسان الشخصيتين، ولا مجال إلا لاستظهار وتقليب مواجع بسيطة وعابرة، ثانوية في سياق ما حدث للبلاد، إنما مذاكرة لسهرات المساء، و بدايات الحب، ولا الأصدقاء المشتركين والأيام الخوالي للزوجين. إن الاكتفاء بالرمزية المنشأة الخالية من أي إشارة للخراب العام، هروباً نحو زوج ينتظر إشعال عود ثقاب، ربما في إسقاطه يكون شعلة ثورة أو بصيص أمل، لكنه غير كافٍ وليس مشبعاً بما يكفي لتقديم قراءة في الكابوس الوطني، بل يكاد لا يطرح أي تساؤل جدي عن ذات البين السوري، أو محاولة فهم أسباب ما يحدث من تغييرات جذرية في بنية المجتمع الذي تكلمت المسرحية بلهجته؛ فبعد أكثر من خمس سنوات من الاقتتال الدائر اكتفى العرض بتمرير جملة عن تلك القرود التي يقدمون لها الطعام بعد إسماعها لموسيقى معينة مع إشارة من الممثل إلى كراسي الجمهور كانت غير محببة ومن دون فائدة لجعل المتفرج جزءاً من لحظة التلقي تلك.
كراكيب
العرض الذي راكم الكثير من قطع الديكور على الخشبة مقترباً من وضع ما يشبه «الكراكيب» خنقت الفضاء (سينوغرافيا ولاء طرقجي) تاركةً هذا العفش من دون توظيفه في ميزانسين الزوجة «جفرا» التي بدت وكأنها تمشي من يمين إلى يسار المنصة من دون خطةٍ إخراجية واضحة، رافعةً من صوتها أو مخفضةً له إلى حد اختفاء نبرتها وصعوبة التقاط صوتها في الصالة، بدت هي الأخرى عاجزة عن التلوين قبالة الزوج (الجبة) الذي قدم بدوره جهداً لافتاً من دون اللجوء إلى مسرحة الأداء وتفخيمه؛ مما ساهم في إنقاذ العرض من المونوتون، وقلل من خسائر الجمهور الذي فوجئ هو الآخر بنهاية تلك (الليلة) التي بدأها المخرج بشكلٍ ذكي مع دخول الجمهور بأغنية (بتونّس بك) لوردة الجزائرية، منهياً هذه «الحالة المسرحية» بتبادل أدوار بين الزوج والزوجة، التي ما إن رأت أخيراً وميض تلك الشعلة العجيبة في البناء المقابل، حتى تغيرت نهائياً من «كسانتيبا» زوجة سقراط الثرثارة؛ إلى سيدةٍ هادئة مأخوذة بالضوء القادم من نافذة مظلمة!
سامر محمد اسماعيل
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد