معاناة صحفي
استيقظت صبيحة يوم وطني بامتياز(كالعادة) على ألحان مزمار بائع المازوت وكونشرتو أصحاب بسطات الخضار والفواكه, واو بريت علي الديك (حسنا) على ما اذكر.
تناولت إفطاري الشهي المؤلف من ثلاث مقالات دسمة من صحيفة رسمية وقصيدة تشردقت بها لأحد شعراء تلك الصحيفة , المهم اتخمت من أول النهار.
ارتديت أجمل ما لدي من أحلام وردية وتناولت صحيفة صادرة باللغة الانكليزية كانت قد أعطتني إياها فتاة بريطانية تعرفت عليها في المركز الثقافي الروسي وبفضلها أصبحت لغتي الانكليزية جيدة جدا, بلا طول سيرة أخذت الجريدة لكي امتلك من خلالها كاريزما خاصة أمام الشخص الذي سأقابله"هكذا فكرت"
خرجت من باب غرفتي التي استأجرتها منذ عشر سنوات بمبلغ خيالي آن ذاك وهو 200 ليرة وما يزال هذا المبلغ يربكني حتى الآن, ليس بسبب ضخامته بالنسبة لمواطن مثلي فحسب بل لأنه يحتم علي أن ارسم خريطة جديدة للطرقات التي سأسلكها مطلع كل أول شهر هربا من الديانة وصاحب الزنزانة"هكذا كنت اسمي غرفتي". وعندما تشاء الصدف أن التقي صاحب الغرفة الذي ينفق ضعف ذلك المبلغ في رحلة البحث عني تكون حصيلة المعونات التي أتلقاها من الصحف الفنية " التي اكتب لها في أعمدتها الثقافية جدا" قد شارفت على الانتهاء فيبدأ صراخه وهو يهدد ويتوعد وكنت اتركه دائما وهو يقول لي(والله سأخرجك من هذا البيت ولو كلفني ذلك ضعف ثمنه)
تخيلوا يسمي هذه الزنزانة بيتا هذا ما كان يقهرني أكثر من إعطائه ورقة المائتي ليرة التي لا املك غيرها, لن أطيل عليكم كي لا تقولوا عني ثرثارا.
كان لدي موعد مهم جدا" وبعد شق الأنفس" مع السيد معاون السيد مدير مكتب السيد رئيس تحرير الصحيفة التي كنت اطمح بالعمل فيها وهي صحيفة حكومية بامتياز وتعطي راتبا ثابتا.
كانت المسافة التي تفصل بين مقر زنزانتي في احد أحياء دمشق "المنسية من قبل كل بلديات هذا الوطن المعطاء" وبين مقر الصحيفة تحتاج إلى حوالي العشر دقائق إذا ما ركبت سرا فيس يوم الحشر المنتشرة على طول وعرض وارتفاع ومحيط شوارع دمشق السريالية في تفرعاتها ,ولكنني فضلت أن امشي هذه المسافة وأنا أفكر بالمقابلة وكيف سأقنع السيد رئيس التحرير"إذا ما تكرم علي القدر وبعض الواسطات بمقابلته" كيف سأقنعه بكفاءتي وإمكانياتي الصحفية وكيف سأحدثه عن القضايا الحساسة والمهمة في هذا البلد الذي يمر بمرحلة هامة جدا ويستعد للانعطاف في منعطف تاريخي مهم جدا جدا واستحضرت كما هائلا من المصطلحات التي تكرمت بها علي كلية الآداب(قسم االصحافة) في جامعة دمشق لأقذفها بوجهه إذا ما قال بأني غير مناسب, "عدت للثرثرة من جديد أرجوكم سامحوني", المهم وصلت إلى مقر الجريدة وحاولت اجتياز بحر السيارات الممتد أمامه في مواقف كلها خاصة:
موقف خاص للسيد رئيس التحرير, موقف خاص للسيد المعاون,موقف خاص للسيد آذن السيد الموظف المعني بتنظيم أجندة عمل السيد رئيس التحرير"مع أن المبنى مرفق عام" ,كانت هذه المواقف الخاصة تسد الطريق بيني وبين بوابة المبنى بالصدفة وجدت موقفا فارغا كتب عليه تحت الصدأ(موقف وطني) ,عبرت هذا الموقف فوجدت نفسي خارج مقر الصحيفة"أرجوكم لا تسألوني كيف حدث ذلك", عدت إلى محيط المبنى وبحثت عن مدخل بين المواقف إلى أن وجدته
دخلت إلى المبنى وبحثت عن مكتب المدير إلى أن وصلت, استقبلني معاونه بتكشيرة صفراء ونظرة احتقار اعتدت عليها بصفتي مواطن, وبعد انتظار دام حوالي الساعة تخللها اتصالات عديمة الفائدة أجراها المعاون سألني عن سبب إلحاحي الشديد على هذه المقابلة ,سردت له القصة منذ البداية إلى إن تمكن الملل منه وصرخ في وجهي : ادخل انه ينتظرك
دخلت الى غرفة رئيس التحرير ولن احكي لكم عن الفخامة والأبها التي رأيتها,ثم سألني الرجل عن طلبي فقلت له بنوع من الوقاحة أمضيت يومين وأنا استجمعها :لقد سمعت أن لا احد يموت من الجوع في هذا البلد وأريد وظيفة عندكم كي لا أدحض هذه النظرية
ضحك كثيرا وقال لي بعد أن أجرى اتصالا: إرجع إلى معاوني فهو ينتظرك.
حدد لي هذا الأخير موعدا لفحص المقابلة بعد أسبوع وجئت في الموعد المحدد لأجد أحد الموظفين ينتظرني وبدأت الأسئلة
* ما هي مؤهلاتك؟
* إجازة في الصحافة
* هل تتقن اللغة الانكليزية؟
* بطلاقة
* والكمبيوتر؟
الكمبيوتر ياله من اختراع لعين ياجماعة أنا مواطن من الدرجة العاشرة كيف لي أن أتقن هذا الاختراع؟؟؟
استجمعت شجاعتي وقلت له نعم
وبعد إجراء اختبار اللغة الذي نجحت فيه بجدارة واختبار الكمبيوتر الذي تلافيته بحديث سريالي من أحاديثي التي ألجأ إليها أوقات الزنقة وانتهى الاختبار بصداقة مع موظف الكمبيوتر وتبادل لأرقام الهواتف(رغم أنني لا أملك هاتفا)
المهم أتت النتيجة بعد يومين مع عدم الموافقة لأسباب أمنية!!!!!!!!!!
عاصم جمول
الجمل: من مساهمات القراء
إضافة تعليق جديد