موازنة القوى الروسية على ضوء الانتخابات البرلمانية
الجمل: تحدثت التقارير الصادرة مساء الأمس وصباح اليوم بكثافة عن نتائج جولة الانتخابات البرلمانية العامة الروسية، والتي اكتسبت أهميتها على ضوء التطورات الجارية حالياً في الداخل الروسي، وفي المجالات الدولية والإقليمية، وعلى وجه الخصوص منطقة الشرق الأوسط ومنطقة الاتحاد الأوروبي المضطربتان: فما هي المعطيات الجديدة التي أفرزتها نتائج الانتخابات الروسية على المستوى الداخلي والمستوى الخارجي وإلى أين سوف تمضي هذه المعطيات. هل باتجاه علاقات التعاون أم علاقات الصراع؟
* المسرح السياسي الروسي: توصيف المعلومات الجارية
شهد المسرح السياسي الروسي معركة انتخابية برلمانية، بدأت فعالياتها أمس الأول، حيث تقدم الناخبين الروس من أجل الإدلاء بأصواتهم في صناديق الاقتراع لجهة اختيار 450 عضواً لمجلس الدوما الروسي الجديد.
على أساس اعتبارات التعريف بالبرلمان الروسي، نشير إلى النقاط الآتية:
• نظام البرلمان الروسي يشبه بقدر كبير نظام الكونغرس الأمريكي.
• يتكون البرلمان الروسي من مجلسين، هما مجلس الدوما (يمثل الغرفة الدنيا التي تصدر القوانين والتشريعات، ويتكون من 450 عضواً)، والمجلس الفيدرالي (يمثل الغرفة العليا، ويتكون من 166 عضواً).
• مجلس الدوما يتكون من النواب، وبالتالي فهو يعادل مجلس النواب الأمريكي، والمجلس الفيدرالي يتكون من السيناتورات، وبالتالي فهو يعادل مجلس الشيوخ الأمريكي، وتأسيساً على ذلك إذا كانت مهمة مجلس الدوما هي إصدار القوانين والتشريعات، فإن مسؤولية المجلس الفيدرالي هي متابعة ومراقبة الأداء التنفيذي.
• يتم انتخاب الرئيس الروسي على غرار انتخاب الرئيس الأمريكي، وذلك على أساس الانتخاب المباشر، ولجهة الصلاحيات والأبعاد المؤسسية، فإن منصب الرئيس الروسي يشبه منصب الرئيس الأمريكي، ونفس الشيء، يشبه الكرملين البيت الأبيض على أساس اعتبارات أن كل واحد منهما يمثل السلطة التنفيذية.
على أساس الاعتبارات الهيكلية والقيمية والتفاعلية، نلاحظ أن التوجهات السياسية الروسية، والتوجهات السياسية الأمريكية، وإن كانتا تتطابقان في السياقات الاقتصادية الداعمة للقطاع الخاص والتخلي عن مركزية سيطرة الدولة على الاقتصاد، فإن الفرق الرئيسي يتمثل في الطموحات، وبالتالي نلاحظ أن روسيا تسعى نحو نظام عالمي ديمقراطي تعددي رأسمالي يقوم على أساس المساواة واحترام السيادة. وذلك في مواجهة واشنطن التي تسعى نحو نظام عالمي ديمقراطي تعددي رأسمالي يقوم على أساس اعتبارات الخضوع للهيمنة الأمريكية المطلقة، وبكلمات أخرى، تعتمد روسيا على مواردها الداخلية مع الالتزام بالتعاون مع الآخرين، في مواجهة أمريكا التي تسعى للاعتماد على موارد الآخرين والعمل من أجل ابتزازها والسيطرة عليها كموارد أساسية لإنفاذ مشروع الهيمنة الأمريكية.
* نتائج الانتخابات البرلمانية الروسية: ماذا يحمل مجلس الدوما الجديد
أسفرت نتيجة انتخابات الأمس عن صبغة جديدة للتوازنات السياسية الروسية الداخلية، وفي هذا الخصوص نشير إلى النقاط الآتية:
• حزب روسيا المتحدة: الذي يقوده فلاديمير بوتين وديمتري ميدفيديف، حصل على 238 مقعداً، أي حوالي 52.88% من إجمالي مقاعد مجلس الدوما، وهو عدد يشير إلى أن الحزب يستطيع تمرير القرارات التي تتطلب الحصول على الأغلبية الميكانيكية العادية، وبالنسبة للقرارات الحاسمة الاستراتيجية، فهو يحتاج إلى المزيد من دعم الأطراف الأخرى، بما يكمل النسبة إلى 66.66%، وهي القوة التصويتية التي لا يملكها الحزب حالياً.
• الحزب الشيوعي الروسي: حصل على 92 مقعداً من إجمالي مجلس الدوما، وهو عدد يشير إلى أن الحزب الشيوعي أصبح يمثل المرتبة الثانية في السياسة الروسية، وبالتالي فإن الحزب أصبح يشك 20.46% من إجمالي القوة التصويتية داخل مجلس الدوما، الأمر الذي يؤهل الحزب لجهة الدخول في تحالف ائتلافي مع حزب روسيا المتحدة.
• حزب روسيا العادلة: حصل على 64 مقعداً، وهي تعادل 14.38% من القوة التصويتية داخل مجلس الدوما، وبالتالي فإن الحزب وإن جاء في المرتبة الثالثة، فإنه يستطيع الدخول في حكومة ائتلافية مع حزب روسيا المتحدة.
• الحزب الليبرالي الديمقراطي: حصل على 56 مقعداً، وهي تعادل 12.45% من القوة التصويتية داخل مجلس الدوما، ونستطيع القول بأن الحزب وإن جاء في المرتبة الرابعة، فهو يستطيع الدخول إفي ائتلاف حكومي مع حزب روسيا المتحدة.
على أساس اعتبارات التوجهات نلاحظ أن الأكثر احتمالاً هو أن يسعى حزب روسيا المتحدة إلى تعزيز قوته السياسية عن طريق تشكيل الائتلاف الحاكم، وفي هذا الخصوص فإن الأكثر احتمالاً أن يحدث الآتي:
• التحالف مع الشيوعيين سوف يدعم توجهات موسكو المناهضة لواشنطن.
• التحالف مع حزب روسيا العادلة سوف يدعم توجهات موسكو المتعلقة بدعم الرفاهية وتعزيز مستوى الدخل والإصلاح الاقتصادي الداخلي .
• التحالف مع الحزب الليبرالي الديمقراطي، هو أمر صعب التحقق، وذلك بسبب توجهات هذا الحزب الداعمة للتوجهات الأمريكية، وتشير المعطيات إلى أن الحزب الليبرالي الديمقراطي، أصبح في نظر العديد من الروس بمثابة حصان طروادة الأمريكي داخل روسيا.
على أساس اعتبارات المؤشرات الرقمية نلاحظ أن حزب روسيا المتحدة، قد عانى في هذه الانتخابات من انخفاض كبير نسبياً في شعبيته، فقد خسر الحزب 77 مقعداً، وهي نسبة تعادل حوالي 14.76% من القوة التصويتية داخل مجلس الدوما، وبرغم ذلك فقد حافظ الحزب على الأغلبية داخل مجلس الدوما الجديد. وإن كانت أغلبية ميكانيكية عادية، وليست أغلبية مطلقة كاسحة كالتي كانت له في الماضي؟
سوف تنعكس نتيجة الانتخابات البرلمانية الحالية لمجلس الدوما الروسي على توجهات السياسة الخارجية الروسية الشرق أوسطية، وذلك لأن الكتل الرئيسية الثلاثة (حزب روسيا المتحدة ـ الحزب الشيوعي الروسي ـ حزب روسيا العادلة) هم الأكثر اهتماماً بمناهضة تمدد النفود الأمريكي. وذلك بعكس الكتلة الرابعة (الحزب الليبرالي الديمقراطي) الذي ظل أكثر اهتماماً بدعم النموذج الأمريكي، والارتباط بجماعات اللوبي الإسرائيلي داخل وخارج روسيا، إضافة إلى النخب الروسية المتأمركة. هذا، وتشير المعطيات الجارية إلى أن السياسة الخارجية الروسية الشرق أوسطية الجارية حالياً إزاء الملف السوري، وملف أزمة الاتحاد الأوروبي وملف الخطر الأمريكي، سوف لن تتوقف أو تتراجع. إضافة إلى احتمالات أن تتصاعد المواجهات الدبلوماسية على خط موسكو ـ واشنطن. ويحتدم التنافس بين الطرفين. الأمر الذي سوف يؤدي إلى المزيد من الاستقطابات والاصطفافات داخل مجلس الأمن الدولي، وإضافة لذلك من المتوقع أيضاً أن تشهد الفعاليات الدولية الجديدة من تجمع دول البريكس (روسيا ـ الصين ـ البرازيل ـ جنوب أفريقيا ـ الهند) المزيد من الصعود، والسعي من أجل لعب دور أكثر فاعلية في القضايا الإقليمية والدولية وعلى وجه الخصوص سياسياً في منطقة الشرق الأوسط. واقتصادياً في تجمع دول مجموعة العشرين.
الجمل ـ قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد