نبوءة المايا 2012: "نهاية العالم" الأورويلية "صناعة أمريكية"
الجمل - بروفسور ميشيل تشوسودوفسكي- ترجمة: مالك سلمان:
لقد تعرضت نبوءة المايا 2012 للتشويه وإساءة الفهم سلفاً. إذ لاعلاقة ﻠ "تقويم نهاية العالم المايوي" في كانون الأول/ديسمبر 2012 ﺑ "نهاية العالم".
في الحقيقة, لا ينتهي التقويم المايوي في 21 كانون الأول/ديسمبر 2012. يشير 21 كانون الأول/ديسمبر 2012 إلى بداية "دورة طويلة" جديدة في نظام التقويم المايوي.
إن مفهوم "نهاية العالم" ضرب من الزيف وتشويه للفكر المايوي. الموضوع يتعلق بالتجدُد, أي ببداية حقبة جديدة. فبالنسبة إلى المايويين, يدل 21 كانون الأول/ديسمبر 2012 إلى بداية دورة جديدة طويلة.
لكن القصص والتعليقات المرتبطة ﺑ "نهاية العالم" تملأ الصحف الشعبية. وبينما يدحض الإعلام الغربي النبوءة المايوية, يلعب السرد القيامي – عندما يتم تكراره بشكل يبعث على الغثيان – دورَه في الإلهاء والتشويه.
يؤكد استفتاء قامت به "رويترز-إسبوس" الإثنين الماضي أن 10% من سكان العالم يؤمنون أن: "التقويم المايوي, الذي يقول البعض إنه ‘ينتهي’ في 2012, يشير إلى نهاية العالم."
من باب المفارقة, وبتعارض حاد مع نبوءة "التجدُد" المايوية, يتميز العالم الحقيقي الذي نعيش فيه في مطلع القرن الواحد والعشرين بأزمة اقتصادية واجتماعية تُفقر الملايين من البشر وتعمل, بالمعنى الحرفي للكلمة, على تدمير حياة الناس.
بالمعنى المجازي, نعيش الآن وسط "سيناريو قيامي" متكشف ذي طبيعة سياسية واجتماعية واقتصادية معقدة: إنه صناعة إنسانية, وقد "صُنع في أمريكا"؛ إنه نتاج تصَدُع النظام القضائي, وظهور جهاز "الأمن الوطني", والعبث بتنظيم الأسواق المالية, وإساءة إدارة الاقتصاد الحقيقي.
ترتبط هذه النقلات الأساسية في النسيج المؤسساتي والاجتماعي الأمريكي بأجندة عسكرية كونية واسعة النطاق وسياسة خارجية أمريكية انتهازية وأنانية. وتشير هذه الأخيرة, برعاية وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون, إلى انهيار محتمل لأقنية الدبلوماسية الدولية.
"الحرب" و "الأزمة الاقتصادية" شيئان متلازمان. فبينما يعاني الاقتصاد الكوني من الفوضى, التي تتميز بانهيار النظام الإنتاجي, شرعت الولايات المتحدة وحلفاؤها – بما في ذلك الناتو وإسرائيل – في مغامرة عسكرية, "حرب طويلة" تحت قناع "الحرب الكونية على الإرهاب".
إن التصميم العسكري الكوني للبنتاغون مبني على الغزو العالمي. إذ يتم نشر القوات الأمريكية وقوات الناتو العسكرية في عدة مناطق من العالم بشكل متزامن. وتركز ألعاب البنتاغون الحربية على محاكاة سيناريوهات "الحرب العالمية الثالثة". وتهدد أجندة "نهاية العالم" العسكرية هذه مستقبلَ البشرية.
التضليل الإعلامي
بينما يتجه انتباه العالم إلى "القيامة المايوية", لا تحظى "الأزمة الفعلية" التي تؤثر على البشرية بأي نقاش جدي. إذ إن "حربَ (البنتاغون) الطويلة" التي تترافق مع سيناريو قذر للإفقار الكوني والانهيار الاقتصادي لا تحتل أي حَيز على الصفحات الإخبارية الأولى.
تلعب وسائل الإعلام الرسمية دوراً مركزياً في إضفاء الشرعية على أجندة عسكرية مدمرة. حيث يتم, بشكل روتيني, تصوير ترسانة أسلحة الولايات المتحدة والناتو والانتشار العسكري في كافة مناطق العالم على أنها أدوات لحفظ السلام. ويقال إن الجيلَ الجديد من الأسلحة النووية التكتيكية الأمريكية "لايؤذي السكانَ المدنيين المحيطين بالمكان الذي يتعرض للقصف". كما يتم تصوير الحرب النووية الاستباقية, والتي تشكل سيناريوهاً قيامياً بطبيعتها, بصفتها "مهمة إنسانية".
إن الحملة الإعلامية التي تضفي الشرعية على الحرب في أعين الرأي العام تحتل أهمية بالغة في فهم الحرب.
هناك هيمنة للتفريق الحاد بين الخير والشر.
يتم تقديم صانعي الحروب بصفتهم ضحايا.
تبعاً للإعلام الغربي, تعرضت "منطقة الأطلسي" الناتو-أمريكية للهجوم من قبل "قوة أجنبية" [أفغانستان] في 11 أيلول/سبتمبر 2001, وهو افتراض في منتهى العبثية.
تم تقديم عقيدة الناتو حول الأمن الجماعي – المبنية على مفهوم "الدفاع عن النفس" – من قبل "هيئة الأطلسي" صبيحة يوم 12 أيلول/سبتمبر 2001 بمثابة تبرير لغزو أفغانستان استناداً إلى الزعم القائل إن أفغانستان قد هاجمت أمريكا.
ومع ذلك تقف وسائل الإعلام خرساء: ليس هناك أي تحليل, وليس هناك أي نقاش. هكذا يتم تضليل الرأي العام.
إن تحطيمَ "الكذبة الكبرى", التي تنظر إلى الحرب بصفتها مهمة إنسانية, يعني تحطيمَ الجهاز الدعائي الذي يدعم مشروعاً إجرامياً يسعى إلى الدمار الكوني.
لا تكتفي الدعاية الحربية بتوفير الدعم لأجندة عسكرية دافعها الربح, بل تخلق في الوعي الداخلي لملايين الناس قبولاً للحرب بصفتها مشروعاً اجتماعياً. إذ تعمل, بالمعنى الحرفي, على استئصال قيم إنسانية أساسية مثل السلام والتعاطف والعدالة الاجتماعية من التركيبة الذهنية الإنسانية. فهي تحول البشر إلى أشباح غير واعية.
إن الإعلام الرسمي متورط في أعمال التمويه. حيث يتم تَتفيه, أو تجاهل, الآثار المدمرة للحرب النووية. وعلى هذه الخلفية, يجب على كافة الناس, في الغرب والعالم أجمع, أن يفهموا خطورة الوضع الحالي ويعملوا بقوة على كافة أصعدة المجتمع لمنع وقوع الحرب.
"دواء إقتصادي" فعال
إن سلوك الحرب الكونية مترافق مع عملية إعادة تركيب إقتصادي ضخم على مستوى العالم. إذ يتم فرض "الدواء الاقتصادي" القوي في كافة أنحاء العالم.
يتم إقناع الناس أن التقشفَ هو "الحل" للأزمة في حين أنه "سبب" الانهيار الاقتصادي. ففي الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي, تم فرض "برنامج الضبط الاقتصادي" من قبل "صندوق النقد الدولي" على "العالم الثالث" وأوروبا الشرقية ودول البلقان ودول الكتلة السوفييتية السابقة. ونتج عن ذلك تدني مستوى المعيشة وإلغاء أو خصخصة البرامج الاجتماعية الحكومية.
في أمريكا الشمالية والاتحاد الأوروبي, كان من علامات الأزمة الاجتماعية ضعف أو تفكك الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي والتعليم العام. كما أن الاقتصاد المدني يعاني من أزمة. وتتم إعادة تخصيص العائدات الضريبية لبناء اقتصاد حربي هائل على حساب الخدمات الاجتماعية. ولذلك فإن الانهيار المالي نتيجة حتمية. كما تقوم البنوك الدائنة بتحديد الميزانيات الحكومية, هذه البنوك التي باتت تقرر مصيرَ الملايين من البشر.
في كافة أنحاء أمريكا, فقدت ملايين العائلات منازلها. كما أن الأعمال الصغيرة تواجه الإفلاس. وما تبقى من الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية سوف ينهار قريباً. فالقطاعات الوحيدة المزدهرة في الاقتصاد الأمريكي هي قطاعات البضائع الترفيهية المصممة لتتناسب مع "الواحد بالمئة" وصناعة الأسلحة الحديثة التي تتكون بشكل كبير من الكتل الدفاعية بما في ذلك "لوكهيد مارتن" و "ريثيون" و "نورثروب غرَمن" و "بريتيش إيروسبيس" وأمثالها.
استخدام الأموال الضريبية لشن الحروب وقتل البشر
الاقتصاد الحربي مزدهر. سوف تُباع طائرات "إف 35" المقاتلة, كل قطعة مقابل نصف مليار دولار. ولا يشمل هذا السعر 300 ملايين دولاراً أخرى مقابل صيانة وتأهيل هذه المقاتلات الحربية الحديثة. تشتري كندا والنرويج أعداداً كبيرة من هذه المقاتلات على حساب البرامج الاجتماعية. " تُقَدَر الكلفة الكلية للبرنامج على الجيش الأمريكي ﺑ 1.51 تريليون على مدى مايسمى دورة حياة البرنامج, أي 618 مليون دولاراً لكل طائرة."
الحرب والعولمة
إن الحرب والعولمة, بما في ذلك فرض إجراءات التقشف القاتلة, مرتبطان بقوة. فالحرب الكونية مفيدة ﻠ "البزنس". إذ تضخ مليارات الدولارات في ما أسماه دوايت د. آيزنهاور "المُجَمَع العسكري الصناعي". إن العناوينَ الرئيسية الوهمية المتعلقة ﺑ "القيامة" القادمة تساعد في التعتيم على الحقائق المروعة للحروب التي تقودها الولايات المتحدة والناتو.
لقد تم إدخال عدة أنظمة حربية جديدة خلال المرحلة التي تلت الحرب الباردة. وهناك تركيز دائم على الحرب غير التقليدية.
* حرب بلا مقاتلين؛ القتل عبر شاشات الكمبيوتر.
* تقنيات التعديل البيئي بما في ذلك الحرب المناخية.
* جيل جديد من الأسلحة النووية مصنوع في أمريكا, عدا عن استخدام ذخيرة اليورانيوم الناضب التي تسبب السرطان.
وتتمثل الخلفية في ثقافة العنف في "هوليوود" حيث تشكل الحرب ووحشية البوليس والتعذيب والقتل غير الشرعي "الشيء العادي الجديد".
إن كارثة فوكوشيما هي عبارة عن حرب نووية بلا حرب نتج عنها تلوث وإشعاع كبيران لم يتم تقييم آثارهما بشكل كامل بعد.
من هم اللاعبون الرئيسيون الذين يقفون خلف الحرب الأمريكية؟
* المجمع العسكري الصناعي الذي يتم وصفه أيضاً بمقاولي الدفاع, بما في ذلك المرتزقة والفرق الأمنية المتعاقدة مع وزارة الدفاع الأمريكية.
* مؤسسة "وول ستريت" المالية, بما في ذلك المضاربون المؤسساتيون والصناديق المالية التعويضية.
* مجمعات التقنيات الحيوية, والشركات الزراعية و مؤسسة "فارما" الضخمة, التي تنتج البذورَ المعدَلة وراثياً والأسلحة البيولوجية والكيماوية. ويتقاطع هذا القطاع مع المجمع العسكري الصناعي.
* مجمعات النفط الآنغلو-أمريكية وشركات الطاقة.
* شركات الاتصالات العملاقة التي تتقاطع مع الأجهزة العسكرية والاستخباراتية, بما في ذلك المراقبة وتقنيات البوليس الحكومية.
* المؤسسات الإعلامية التي تشكل حجرَ الزاوية في الدعاية الإمبريالية الأمريكية.
الحروب على ألواح رسم البنتاغون
التحضيرات الحربية النشطة ضذ سوريا ولبنان وإيران قائمة يشكل مستمر منذ ثماني سنوات.
فمنذ عام 2005 كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها, بما في ذلك شركاء الناتو وإسرائيل, مشغولة في نشر وتخزين أنظمة الأسلحة المتطورة.
الرأي العام, الذي يتلاعب به الإعلام, مؤيد, أو لامبالٍ, أو جاهل لآثار ما يعتقد أنها عملية "تأديبية" خاصة موجهة ضد المنشآت النووية الإيرانية, وليس حرباً شاملة.
يتم تقديم الحرب على إيران للرأي العام على أنها قضية من بين مجموعة قضايا أخرى. ولا يتم النظر إليها بصفتها تهديداً للإنسانية, أي كسيناريو قيامي. بل على العكس من ذلك: يتم النظر إليها بصفتها جهداً إنسانياً يساهم في تعزيز مفهوم غامض للأمن الكوني.
إن "نهاية العالم" عملية مستمرة من صنع الإنسان. ما نشهده في القرن الواحد والعشرين هو التدمير المباشر لبلدان بأكملها.
القضاء على إنجازات التطور الاقتصادي والاجتماعي في مرحلة ما بعد الحرب:
تفكيك "دولة الرفاهية"
["دولة الرفاهية": نظام اجتماعي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية في الغرب تعمل فيه الدولة على تحقيق رفاهية المواطنين الفردية والاجتماعية.]
إن "الاتحاد الأوروبي" – الذي وصل إلى مستوى عالٍ من التطور الاقتصادي والاجتماعي – يعاني الآن من نسب عالية من البطالة وتفكيك "دولة الرفاهية" التي تلت الحرب العالمية الثانية. حيث يتم التحكم بحكومات البلدان السيادية من قبل مؤسسة مالية قابعة في الظل.
يعاني ربع شباب أوروبا من البطالة, حيث سُجلت أعلى نسبة بطالة بين الشباب (52.1 %) في اليونان وأسبانيا.
في اليونان وأسبانيا, وصلت نسب البطالة الإجمالية الآن إلى مستويات قياسية: 20.9 % في أسبانيا, و 15.7 في اليونان.
في ذروة الكساد الكبير في القرن الواحد والعشرين, تهيمن الفوضى الاقتصادية إلى درجة لا يمكن معها استبعاد إمكانية الانهيار المالي.
تجريم النظام المصرفي
من المعروف والموَثق أن المصارف العملاقة, التي تشرف على إعادة البناء الاقتصادي للاقتصادات الأوروبية والشمال-أمريكية, متورطة بشكل روتيني في غسيل الأموال وتجارة المخدرات. وقد تم التأكد من الروابط القوية بين هذه المصارف والجريمة المنظمة. حيث تعمل هذه المصارف بشكل وثيق مع مافيات المخدرات.
تمت مقاضاة مصرف "إيتش إس بي سي" للتعاون مع تجار المخدرات المكسيكيين. وهذه ليست حالة وحيدة. إذ إن كافة المؤسسات المالية متورطة في غسيل أموال المخدرات.
وقبل أن ننسى, يشكل اقتصاد المخدرات جزأ من التاريخ الطويل للتجارة الدولية. كانت "مؤسسة هونغ كونغ وشانغ هاي المصرفية" – التي تم تأسيسها في سنة 1865 في المستعمرة البريطانية هونغ كونغ – أحد فروع شركة "بريتيش إيست إنديا" ["شرق الهند البريطانية"]. ومنذ نهايات القرن الثامن عشر, وبحماية من "الإمبراطورية البريطانية", كانت هذه الشركة متورطة في تجارة الأفيون. كانت العائدات, المنتجة في في البنغال والمشحونة إلى الصين, تستخدَم في تمويل التوسع الإمبريالي البريطاني.
عندما أمرت الحكومة الإمبراطورية الصينية بتدمير الأفيون في سنة 1839, أعلنت بريطانيا الحربَ على الصين, مطلقة بذلك شرارة ما سمي ﺑ "حرب الأفيون الأولى". كانت حجة بريطانيا تتمثل في أن الصين – بتدميرها للأفيون – قد خرقت مواثيق "التجارة الحرة" في القرن التاسع عشر.
لا يشكل مصرف "إيتش إس بي سي" استثناءً. فاليوم, يستمر رأس المال المؤسساتي بحماية تجارة المخدرات, حيث تقوم المؤسسات المصرفية الأكثر احتراماً سنوياً بغسيل المليارات من أموال المخدرات. ومن الجدير بالذكر أنه منذ عام 2001, زودت حرب أفغانستان المخازين الاقتصادية بأكثر من 90% من هيروئين العالم. وتعمل قوات الاحتلال التابعة للولايات المتحدة والناتو على حماية تدفق المخدرات من أفغانستان بالنيابة عن المصالح المالية القوية: تذهب مليارات الدولارات إلى المصارف والنقابات الإجرامية المتورطة في تجارة مخدرات "الهلال الذهبي". ومن ثم يتم غسيل أموال المخدرات المتدفقة في النظام المصرفي الغربي.
تدمير الحضارة: بلاد الرافدين ووادي السند
كانت حروب أمريكا في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى تهدف, بشكل كبير, إلى زعزعة وتدمير منطقة بأكملها يعتبرها المؤرخون مهدَ الحضارة.
إن الحروب "القيامية" على العراق ومؤخراً على سوريا جزء حيوي من تدمير بلاد الرافدين, "بلاد مابين النهرين".
لقد تم محو أكثر من 5000 سنة من التاريخ في العراق. ففي بداية الاحتلال في نيسان/أبريل 2003, قام الغزاة بنهب الإرث الآركيولوجي والثقافي.
إن الهجمات التي تشنها أمريكا بواسطة طائرات بلا طيارين ضد المدنيين في باكستان تحت ذريعة "الحرب الكونية على الإرهاب" تحدث في وادي السند الأعلى, وهو مهد آخر للحضارة القديمة التي تعود إلى "العصر البرونزي" (الألفية الثالثة قبل الميلاد) والتي تتعرض للتدمير في الوقت الراهن. وقد بدأت "حضارة وادي السند" – والمعروفة أيضاً ﺑ "حضارة هارابان" التي بدأت في الألفية الثالثة قبل الميلاد (3300 – 1300 قبل الميلاد). بالإضافة إلى "وادي النيل" و "بلاد الرافدين", كان "وادي السند" واحداً من حضارات الأنهار المدنية.
إن "الإصابات المتلازمة" الناتجة عن هجمات الطائرات بلا طيارين "لا تتعدى كونَها تلطيفاً
جرائم إبادة جماعية تُرتكب برعاية الدولة
المستفيدون من هذه الحروب هم عمالقة النفط الآنغلو-أميركيون وشركات تصنيع السلاح الكبرى, أي ما يسمى ﺑ "مقاولو الدفاع" ("لوكهيد مارتن", "ريثيون", "نورثروب غرَمن" و "بريتيش إيروسبيس", إلخ) التي تقوم بإنتاج الصواريخ الإنسانية والطائرات المقاتلة لآلة الحرب التي تمتلكها الولايات المتحدة والناتو. وتتضمن الأخيرة جيلاً جديداً من الأسلحة النووية.
لقد تطورت تقنية وتعقيد هذه المعدات العسكرية بشكل لا يمكن تصوره في ذروة العصر الإلكتروني. وفي مفارقة مريرة, يتم استخدام "أسلحة السلام" هذه لضمان عدم استخدام إيران وسورية أسلحة الدمار الشامل المزعومة ضد العالم الغربي.
دور "القاعدة"
تهدف الحروب التي تقودها الولايات المتحدة إلى إثارة الانقسامات الإثنية والزُمَرية, بالإضافة إلى دعم تشكيل المنظمات "الإسلاموية" الإرهابية شبه العسكرية, عبر العمليات السرية. وتهدف هذه العمليات السرية, بشكل أساسي, إلى تدمير الدولة وإقامة أنظمة دُمى.
خلال السنوات الثلاثين الأخيرة, قامت الاستخبارات الأمريكية – بمشاركة "إم آي 6" البريطانية والموساد الإسرائيلي – بدعم تأسيس "القاعدة" بالإضافة إلى عدد من المنظمات "المرتبطة بالقاعدة". وتشكل هذه الكيانات الإرهابية "أصولاً استخباراتية", أي أدوات للاستخبارات الغربية.
اليوم, يقوم الناتو بتجنيد المقاتلين الجهاديين. ففي ليبيا وسوريا تعمل هذه الكيانات المرتبطة بالقاعدة, التي تقوم القوات الخاصة الفرنسية والبريطانية بدعمها واحتوائها في صفوفها, بالنيابة عن التحالف العسكري الغربي. هؤلاء الجهاديون هم الجنود المشاة لقوات الناتو.
ورطة البذور المهندسة ورائياً
في الهند, حيث يطوف نهر الغانج على السهول الخصبة ﻠ "أوتار براديش" و "بيهار" و "غرب البنغال", يقدم الآلاف من المزارعين المفلسين والمُفقَرين على الانتحار. وتؤكد الأرقام أن 250,000 مزارعاً قد انتحروا. لماذا؟ بسبب استبدال البذور العضوية بأنواع معدلة ورائياً تؤدي, حالما يتم تبنيها, ليس إلى تدمير التنوع الحيوي فقط بل أيضاً إلى زوال مجتمعات زراعية بأكملها.
قدمت شركة "مونسانتو" بذارَها المعدلة وراثياً لمزارعي الهند متأملة جَنيَ محاصيلَ وافرة. واعتقد المزارعون الجهلة والأميون أن "مونسانتو" قد جاءت لتقديم صيغة "سحرية" سوف تحول حياتهم. لم تكن لديهم أية فكرة عما سيحصل.
لم تنتج بذور "مونسانتو" في الهند ما وعدت به الشركة وما أملَ به المزارعون. فقد كومت البذور عالية الثمن الديونَ ودمرت الحقولَ الزراعية. وفي حالات عديدة, لم تكن هناك أية محاصيل. لم يكن المزارعون يدركون أن البذور المعدلة ورائياً بحاجة إلى مياه أكثر من البذور التقليدية. وقد ساعد نقص الأمطار في عدة مناطق من الهند في فشل هذه المحاصيل.
مع فشل المحاصيل, لم يتمكن المزارعون من سداد ديونهم للدائنين. وقد أقدمَ المزارعون على الانتحار بعد أن وجدوا أنفسهم مثقلين بالديون والخزي, حيث قام البعض بابتلاع مبيدات الحشرات السامة أمام عائلاتهم. حتى الآن, انتحر ما يقارب من 200,000 مزارع في كافة أنحاء الهند.
لزيادة المأساة والمعاناة, ورثت الزوجات الديونَ مع المخاوف فقدان منازلهن وأراضيهن. ومع غياب أي مصدر للمال, كان عليهن أيضاً أن يُخرجنَ أطفالهن من المدارس. ويُعرف الانتحار الجماعي للمزارعين الهنود ﺑ "إبادة البذور المعدلة وراثياً".
هناك عملية مماثلة تحدث في شبه الصحراء الإفريقية. ففي الأراضي المرتفعة الإثيوبية, حيث يتم استبدال السلالات الزراعية لنظام زراعي قديم ببذور ومواد زراعية من شركات مثل "مونسانتو" و "كارغيل", إلخ:
كانت الأجندة السرية تنطوي على استبدال الأنواع والسلالات الزراعية التقليدية المنتجة في المشاتل الموجودة على مستوى القرى. ومع ضعف نظام التبادل التقليدي, تم استبدال مشاتل البذور المنتجة في القرى ببذور تجارية معدلة ورائياً.
الإفقار والمجاعة في شبه الصحراء الأفريقية
يتم نسخ هذا النموذج المدمر – الذي غالباً ما يؤدي إلى المجاعة – في كافة أنحاء شبه الصحراء الإفريقية. فمن بداية أزمة الديون في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي, مَهَدَ "صندوق النقد الدولي" التابع ﻠ "المصرف العالمي" الطريق لزوال الاقتصاد الفلاحي في كافة أرجاء المنطقة.
إن عملية الإفقار المخطط للقارة الإفريقية برعاية "صندوق النقد الدولي" و "المصرف العالمي" تترافق مع عملية مستمرة لعسكرة تقودها الولايات المتحدة تحت ذريعة "الحرب الكونية على الإرهاب".
خلال السنوات الثلاثين الأخيرة, تم شن حروب أهلية عبر عمليات استخباراتية سرية. وتقف المصالح المؤسساتية القوية وراء هذه الحروب. وتهدف هذه الأجندة إلى السيطرة على الموارد والنفط والغاز الطبيعي والمعادن الثمينة الإستراتيجية.
في جنوب السودان, تم اكتشاف النفط في سنة 1978. وبعد ذلك بخمس سنوات, تم شن "حرب أهلية" برعاية الولايات المتحدة ودعم "وكالة الاستخبارات المركزية" قادها جون غارانغ الذي تلقى التدريب على يد الجيش الأمريكي في قاعدة "فورت بينينغ" في جورجيا. وقد أودت حرب السودان بحياة مليوني شخص وتهجير 4 ملايين آخرين. وتصل تقديرات ضحايا الحرب في السودان إلى 4 مليون.
كما أودت الحرب الأهلية في راواندة والإبادة التي حصلت في سنة 1994 بحياة مليون شخص من بين السكان البالغ عددهم حوالي 7 ملايين. وأودت حروب الموارد في جمهورية الكونغو الديمقراطية بحياة حوالي 5 مليون شخص.
لا تأتي وسائل الإعلام على ذكر هذه الحروب في شبه الصحراء الإفريقية. ولا يعرف معظم الأمريكيين بحدوث هذه الحروب حتى.
بشكل عام, تساهم نبوءة المايا 2012, مع أحداث عالمية أخرى, في إلهاء الناس عن الأزمة الأكثر تدميراً في التاريخ العالمي والتي تتميز بالحرب الدائمة, والانحطاط البيئي, والفقر الناتج عن الإصلاح الاقتصادي على نطاق واسع.
إيقاف مَد الحرب. استرجاع النمو الاقتصادي والاجتماعي. إعادة الحريات المدنية
بينما نواجه سيناريو "نهاية العالم" الوشيك, يقف العالم أمام أزمة اقتصادية واجتماعية هي الأخطر في التاريخ الحديث. ويمكن لاندلاع حرب شاملة ضد سوريا وإيران أن يقودَ البشرية إلى سيناريو "حرب عالمية ثالثة".
تمتلك الولايات المتحدة على ترسانة ضخمة من الأسلحة يتم استخدامُها لتهديد العالم.
نشأت دولة بوليسية أورويلية, حيث يتم التجسس والتنصت على مستوى كوني. ويتربع "الأخ الأكبر" على قمة العصر الإلكتروني, حيث تعمل بنوك المعلومات المعقدة وتقنيات المراقبة في كافة أنحاء العالم.
تم إبطال "الأمر القضائي", وأصبحت الاغتيالات السرية شرعية.
تبنى المجتمع الدولي الحربَ النووية الاستباقية باسم السلام العالمي.
"جَعل العالم أكثر أماناً" هو التبرير لشن عملية عسكرية يمكن أن تقودَ إلى محرقة نووية.
بينما يستطيع المرءأن يتخيلَ الموتَ والدمارَ الناتجَين عن الحروب الحالية بما في ذلك العراق وأفغانستان, من المستحيل تصور الدمار الهائل الذي يمكن أن ينتج عن "حرب عالمية ثالثة", بسبب استخدام "التكنولوجيا الحديثة" والأسلحة المتطورة والأسلحة النووية, حتى تحدث هذه الحرب وتصبحَ أمراً واقعاً.
لكن مانشهده في مطلع القرن الحادي والعشرين ليس نقلة فورية أو انكساراً, بل عملية متدرجة من الأفول والانهيار الاجتماعي. والثمن هو دمار الحضارة كما نعرفها, حيث ينقطع مسار التقدم ويتعرض إعادة إنتاج الحياة الإنسانية إلى التلف. وتتميز هذه العملية بتنفيذ أجندة عسكرية كونية تترافق مع كساد اقتصادي عالمي.
نحن نعيش في فترة مدمرة وحاسمة من تاريخ العالم
إن الأسس الإيديولوجية لهذا "النظام العالمي الجديد" التعسفي مدمرة:
ينطوي الإجماع العام على ضرورة دعم الناس لمشروع إجرامي عالمي يشمل حروباً غير قانونية, والدولة البوليسية, وانحطاط الحريات المدنية, والاحتيال المالي, كل ذلك "باسم الديمقراطية".
لا يسمح هذا الإجماع بالمعارضة أو النقاش. إنها محاكم التفتيش الأمريكية. ويتم تصنيف كل من يعارضون هذا الشكل المنحرف من الديمقراطية على أنهم "إرهابيون". أصبحت معارضة الإجرام فعلاً جرمياً.
لكي يدومَ هذا "النظام العالمي الجديد" الأورويلي, يجب قلب الوقائع رأساً على عقب؛ حيث يتكفل جهاز الدعاية بزرع المعلومات المزيفة في عقول الملايين من البشر.
على المواطنين قبول أسس "نظام عالمي" حيث:
* يتم النظر إلى الحرب بصفتها سلاماً.
* يتم النظر إلى الدولة البوليسية بصفتها ديمقراطية.
* التقشف يعني الازدهار.
* الثراء والرفاهية دليل مؤشر على التقدم والنمو.
* قتل وتعذيب الإرهابيين المزعومين ضروري لضمان الأمن القومي.
* يشكل ضحايا الحرب تهديداً للحضارة الغربية.
هكذا يتم تشويه الحقائق وقلبها رأساً على عقب بحيث تصبح "الكذبة" هي "الحقيقة".
لذلك يتم التعتيم على الأزمة الكونية الحقيقية التي تؤثر على حياة البشر على هذا الكوكب بواسطة "أزمات مزيفة" وكوارث مزيفة, هذا دون أن نذكر التحذيرات من "هجمات إرهابية" وشيكة من قبل "أعداء خارجيين" مجهولي الهوية.
الهدف النهائي للدعاية هو خلق الفوضى والطاعة لإجماع سياسي محدد سلفاً. والغرض من ذلك إلهاء وحرف الرأي العام عن فهم الأزمة الحقيقية التي تؤثر على الإنسانية. لا يحتلُ الكساد الكبير و "الحرب العالمية الثالثة" الصفحات الإخبارية الأولى, إلا أن خطر الحرب العالمية فعلي وقائم.
إن وقفَ هذا المَد يعادل الثورة, إذ ينطوي على قلب ميول متأصلة معينة في "النظام العالمي" الرأسمالي.
ويتميز هذا الأخير بجرمية النظام المالي والجهاز السياسي معاً. فالمصارف متورطة في عمليات الاحتيال وغسيل الأموال, حيث تسعى "لوكهيد مارتن" و "ريثيون" ومؤسسات أخرى إلى تصنيع حروب أخرى, كما أن الشركات النفطية قد وضعت نصبَ أعينها غزوَ الشرق الأوسط: أكثر من 60% من نفط العالم موجود في الأراضي الإسلامية.
هذا الانهيار اللولبي الذي يكمن خلف هذه الأزمة هو عملية تدريجية وتراكمية في الوقت نفسه. ولكن من الممكن إيقافه.
تنطوي شروط إيقاف هذا الانهيار على تفكيك البُنى والمؤسسات الأساسية, وإلغاء الدولة البوليسية, وإغلاق المجمعات العسكرية الصناعية, وإعادة هيكلة النظام المالي, وإلغاء إجراءات التقشف الاقتصادي وإعادة المستوى المعيشي للناس العاملين, ووضع حدٍ للقتل الإنساني, واستئصال العرقية ورُهاب الأجانب.
بمعنى جوهري, المطلوب في البداية هو "تغيير النظام" بشكل فعلي في الولايات المتحدة, أي تغيير شامل في النظام السياسي وهيكلية البناء المالي.
تنطوي الثورة, أولاً وقبل كل شيء, على تفكيك الجهاز الدعائي, مما يعني استهداف مصادر التضليل الإعلامي.
إن تفكيك التضليل الإعلامي الرسمي شرط أساسي لتطبيق التغييرات الرئيسية في آليات عمل النظام الاقتصادي والاجتماعي, مما يعني تغييراً جذرياً في علاقات القوة.
الأداة الأكثر أهمية المتوفرة بين أيدينا هي "الحقيقة", لأن الحقيقة تهزم "الكذبة". إنها الأساس الذي يجب أن تقوم عليه حركة جماهيرية حقيقية, على المستوى القومي والعالمي.
عندما تصبح "الكذبة" هي "الحقيقة" في بيئة دولة بوليسية أورويلية, ليس هناك خط للرجعة, وتسير البشرية في طريق الدمار الذاتي. لذلك من الضروري أن نستوعبَ تماماً الطبيعة الإجرامية ﻠ "النظام العالمي الجديد" وأسسه القانونية والسياسية, وطبيعة بُنى القوة النخبوية التي تدعمه.
لإيقاف هذا المَد, يجب استهداف مجرمي الحرب في المناصب العليا كخطوة أولى. كما يجب إغلاق الصناعات الحربية في نهاية المطاف. كما يجب تفكيك الآليات المالية الاحتيالية – بما في ذلك التجارة الثانوية وأليات المضاربة والمؤسسات والجهاز القانوني, إلخ – التي يقوم عليها الاقتصاد الرأسمالي الكوني.
ما نقدمه هنا بعض الأفكار التي تؤسس لنقاش أوسع. إذ تجب مناقشة التعقيدات التي تنبني عليها الأجندة العسكرية والنظام الاقتصادي الكوني إذا كنا نريد فعلاً إيقافَ هذا المَد.
المطلوب حركة شعبية جماهيرية تتحدى شرعية الحرب والتقشف الاقتصادي, حركة شعبية كونية تعمل على تجريم الحرب.
قال مارتن لوثر مرة:
سوف يتعلم اليافعون كلمات لن يفهموها.
سوف يسأل أطفال الهند: "ما هو الجوع؟"
سوف يسأل أطفال آلاباما: "ما هو التمييز العنصري؟"
سوف يسأل أطفال هيروشيما: "ما هي القنبلة الذرية؟"
سوف يسأل طلاب المدارس: "ما هي الحرب؟"
وسوف تجيبهم, سوف تقول لهم: "لم تعد تستخدم هذه الكلمات.
مثل "الحنطور" و "الببور" و "العبودية".
كلمات لم يعد لها معنى.
لهذا السبب أزالوها من المعاجم."
تُرجم عن: "غلوبل ريسيرتش" – 19 كانون الأول/ديسمبر 2012
الجمل: قسم الترجمة
إضافة تعليق جديد