نتائج الانتخابات اللبنانية: الفريق الفائز يرث الدين العام والبطالة
الجمل: شهدت الساحة السياسية اللبنانية جولة الانتخابات البرلمانية والتي أسفرت نتائجها عن حصول تحالف 14 آذار (الموالاة) على 71 مقعداً نيابياً فيما حصل تحالف 8 آذار (المعارضة) على 58 مقعداً. وفي هذا السياق يبرز تساؤل هام حول مدى تأثير هذه النتيجة على الأوضاع السياسية فهل من خطوة للأمام وخطوتان للوراء أو هي خطوة للوراء وخطوتان للأمام؟
* أجندة التسويق السياسي الانتخابي: إشكالية البعد الغائب؟
جرت العادة على أن تتضمن الحملات الانتخابية في البلدان التي تعتمد النظام السياسي القائم على التعددية الليبرالية على عملية تسويق واسع لأجندة السياسة الخارجية وأجندة السياسة الداخلية ولكن ما شكل بعداً غائباً في حملة التسويق السياسي الانتخابي اللبناني الأخيرة هو الغياب التام لأجندة السياسة الداخلية وعلى سبيل المثال لا الحصر:
• لم تتطرق قوى المعارضة لكيفية تصحيح المؤشرات الاقتصادية التي تجاوز بعضها الخط الحمر ولا إلى ممارسة دورها كمعارضة في نقد التوجه الاقتصادي لفريق الموالاة.
• لم تتطرق قوى الموالاة لتقديم الالتزامات حول كيفية وضرورة إصلاح الاقتصاد والقضاء على التضخم والبطالة وسداد الدين العام الذي تجاوز 60 مليار دولار.
اهتمت الحملات الانتخابية بالتركيز على ملف السياسة الخارجية الأمريكية وتراشقت القوى المتصارعة الاتهامات بما جعل السوق السياسي الانتخابي في لبنان ساحة للصراع بين موالاة تتهم المعارضة بالتحالف مع إيران وسوريا، ومعارضة تتهم الموالاة بالتحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب.
لسنا في معرض المفاضلة بين الموالاة والمعارضة، فهذا شأن داخلي لبناني، ولكننا نشير إلى أن كل من له أذنين وعينين يعرف مدى الفرق الكبير بين إسرائيل التي شنت الاعتداءات الجائرة ضد لبنان ولم تتمكن حكومة الموالاة من القصاص منها بسبب الدعم الغربي لإسرائيل، وبين سوريا التي ما زالت تعاني من الانتهاكات الإسرائيلية المدعومة غربياً.
* كيف أدرك حلفاء قوى 14 آذار نتيجة الانتخابات؟
بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري أطلقت اليهودية الأمريكية باولا دوبريانيسكي تسمية "ثورة الأرز" على المظاهرات التي أعقبت الاغتيال، وسعى حلفاء واشنطن إلى لملمة أنفسهم ضمن تحالف 14 آذار الذي اعتمد من شعار "ثورة الأرز" محفزاً للقيام بالتالي:
• تسويق العداء لسوريا وإيران وحزب الله اللبناني وقوى المقاومة في لبنان.
• السعي من أجل التطبيع مع إسرائيل إضافة إلى الحصول على المساعدات والمعونات الأمريكية والغربية.
سيطرة قوى 14 آذار على مجلس النواب السابق مكنها من السيطرة على الحكومة وبعد ذلك:
• سعت إلى تجريد حزب الله من السلاح.
• التحالف مع واشنطن وخصوم سوريا من أجل توظيف جريمة اغتيال الحريري لجهة إدانة دمشق.
فشل قوى 14 آذار في تجريد حزب الله من السلاح أدى إلى قيام القوات الإسرائيلية بتنفيذ عدوانها ضد لبنان للقيام بهذه المهمة ومن ثم لاستهداف سوريا واتفاق السلام مع إسرائيل.
على أساس هذه الاعتبارات جاءت الصراعات على الساحة السياسية اللبنانية وصولاً إلى لحظة الانتخابات الأخيرة وبعد إعلان النتائج جاءت المفاجأة من العاصمة الأمريكية واشنطن حين وصف خبراء الإدارة الأمريكية انتصار قوى 14 آذار بأنه انتصار لسياسة أوباما الجديدة التي لا تؤيدها إسرائيل.
توقعت إسرائيل ودوائر اللوبي الإسرائيلي فوز قوى المعارضة وهزيمة الموالاة وإذا كانت المفارقة تتمثل في فوز الموالاة فإن هناك مفارقات أخرى عديدة:
• عدم وجود إدارة بوش الجمهورية الداعمة لقوى الموالاة.
• وجود إدارة أوباما الديمقراطية المعارضة لتوجهات الحكومة الإسرائيلية.
وبتوضيح أكثر نشير إلى الآتي:
• ظلت قوى الموالاة تؤيد استهداف إيران وكان هذا الخط يتوافق مع توجهات إدارة بوش والحكومة الإسرائيلية.
• ظلت قوى الموالاة تؤيد استهداف سوريا وكان هذا الخط يتوافق مع توجهات إدارة بوش والحكومة الإسرائيلية.
ولكن الآن:
• لم تعد إدارة أوباما تؤيد استهداف إيران وبدت أكثر تأكيداً على ضرورة الحوار والتفاهم مع طهران، فهل ستسعى حكومة الموالاة إلى المطالبة باستهداف إيران أم ستتخلى عن ذلك؟
• لم تعد إدارة أوباما تؤيد استهداف وعزل سوريا وبدت أكثر تأكيداً على ضرورة الحوار والتفاهم مع دمشق فهل ستسعى حكومة قوى الموالاة إلى المطالبة باستهداف سوريا أم ستتخلى عن ذلك؟
بكلمات أخرى إذا تخلت حكومة قوى الموالاة عن التسويق لاستهداف إيران وسوريا فما الذي سيتبقى من جدول أعمال الموالاة؟
في الانتخابات البرلمانية السابقة صعدت قوى الموالاة إلى كرسي السراي الكبير وكان الكرسي بارداً ولكن المقارنة هذه المرة أن الناخبين اللبنانيين اختاروا أن يعيدوا قوى الموالاة ولكن هذه المرة للجلوس على الكرسي الذي أصبح ساخناً بسبب خروج إدارة بوش ودخول إدارة أوباما الديمقراطية.
خلال ولاية حكومة قوى الموالاة السابقة كان الكرسي بارداً بفعل مؤتمرات المانحين: باريس الأولى، والثانية، والثالثة.. وهلمجرا.. وكانت جميعها مقابل التسويق لاستهداف سوريا وإيران وسيكون الكرسي ساخناً هذه المرة لأنه لن تكون هناك لا باريس الأولى ولا الثانية طالما أن المانحين يعانون حالياً من وطأة ضغوط الأزمة المالية وأن التسويق لاستهداف سوريا وإيران لم يعد خياراً مفضلاً لا في واشنطن ولا في باريس إضافة إلى أن تل أبيب لن تستطيع وحدها القيام بالمهمة.
الآن وطوال فترة ولاية حكومة الموالاة الثانية سيكون الحاضر القوي هو لبنان وتحديداً قضايا ملفات السياسة الداخلية اللبنانية وعلى وجه الخصوص القضايا الاجتماعية كأزمة الدين العام والبطالة والتضخم والتنمية واقتصادية وما كان رائعاً في خيار الناخبين اللبنانيين هو أنهم أعادوا قوى الموالاة لإعطائهم الفرصة في إصلاح ما أتلفوه وعلى وجه الخصوص إصلاح حالة الاقتصاد اللبناني وإصلاح العلاقات اللبنانية – السورية والاهتمام ببناء القدرات الوطنية اللبنانية بما يجعل من لبنان في حالة جاهزية كاملة لمواجهة الاعتداءات الإسرائيلية التي –كما أكدت التجربة- هي اعتداءات لن تتوقف مهما كانت القوى السياسية اللبنانية المسيطرة موالية أو حليفة للغرب.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد