نحن وهم... والمجتمع الواحد في "ليس سرابا"

29-09-2008

نحن وهم... والمجتمع الواحد في "ليس سرابا"

دينهم، وديننا. عقيدتهم، وعقيدتنا. حياتهم، وحياتنا. نحن، وهم. ولكن السؤال الذي يجب أن نطرحه هنا هو: من نحن، ومن هم؟ وهل نحن مختلفون عن بعضنا البعض؟

لعلنا قد نجد هذا السؤال غريبا بعض الشيء، خصوصا أننا لا نعرف عماذا نتكلم، إلا أن حديثنا هنا يدور حول فكرة المسلسل السوري، الذي اعتبره مراقبون من أجمل وأكثر المسلسلات الرمضانية جودة لهذا العام، ألا وهو مسلسل "ليس سرابا".

المسلسل يتناول قضية العلاقة بين المسلمين والمسيحيين ضمن المجتمع السوري، ويحكي قصة جلال الكاتب المتحرر، مسلم الدين، المتزوج "سرا" من حنان، السيدة المسيحية المطلقة، حيث يعيشان الصراع بين عائلة حنان المسيحية "المتشددة"، ومحيط جلال، المتشدد إسلاميا.

فحنان سيدة مطلقة، تعيش مع ابنتها في بيت والدها، المتشدد، الذي يرى أن طلاق ابنته، رغم معاناتها الشديدة، كان خطأ وجرما كبيرا. أما جلال، فهو يعيش في محيط متشدد، يرى أن المجتمع السوري يجب أن يكون مسلما فقط، وأن لا وجود لديانات ثانية.

وهناك بالطبع خطوط درامية كثيرة في العمل، كعائلة وضاح، الذي تطلق والداه بعد حياة مشتركة دامت أكثر من 30 عاما، وذلك بسبب معرفة الوالد بعلاقة زوجته الخفية مع شاب في الحي عبر الإنترنت.

وهناك عائلة عادل، الذي يُعرف بفساده المالي، والبعيد إنسانيا واجتماعيا عن عائلة جلال، نظرا لاختلاف الرجلين في طريقة التفكير والحياة وغيرها.

وهناك طبعا ميشيل، صديق جلال، وزوجته سماح، التي واجهت قطيعة من والدها المعارض لزواجها من ميشيل، بسبب كتابات الأخير التي تسببت له بفضيحة فساد في يوم من الأيام.

إذا نرى هنا أن المسلسل غني بشخصيات فريدة تعيش في الواقع السوري، المسلم والمسيحي، ولعل هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها عرض مثل هذه الشخصيات بصراحتها الدينية، حيث أننا نرى في العمل صيام المسلم، وزواج المسيحي على أصوله.

العمل في طريقة طرحه للموضوع جرئ نوعا ما، كما أنه متميز بتوازن أحداثه، فكما أن لدينا العائلة المسيحية المتشددة، لدينا المسلمين المتشددين، وكما أن لدينا المسلم المتحرر، لدينا أيضا المسيحي المتحرر.

ويسعى المخرج المثنى صبح والكاتب فادي قوشقجي إلى إيصال رسالة مفادها أن المجتمع السوري عاش منذ زمن بعيد وحتى يومنا هذا تجانسا دينيا غير مضطرب، وأن الشعب السوري يجب أن يظهر أمام العالم على أنه شعب عربي، سوري، حر، وليس مقيدا بديانة أو مذهب معين.

وفي هذا العمل بالذات، ودونا عن أعمال كثيرة شاهدناها على الشاشة، يرتقي المشاهد إلى لغة ثقافية جديدة قلما يسمعها على الشاشة، فالحوار بين شخصيات العمل التزم طابعا ثقافيا بسيطا، يمكن للبسطاء فهمه، كما يمكن للمثقفين التعمق فيه.

ولعل المخرج كان موفقا جدا في اختيار ممثلين أجادوا أدوراهم بشكل كبير، فعباس النوري، على سبيل المثال، والذي خرج مؤخرا من عباءة أبو عصام في باب الحارة، فتح أمامه بابا إبداعيا جديدا بأدائه لهذا الدور، حيث أنه لو بقي في باب الحارة، لحصر نفسه داخل إطار معين لم يخرج منه أبدا، ولكن أداءه المقنع والرائع في هذا العمل، جعل من نظرة المشاهدين نحوه تختلف.

وهناك أيضا النجم خالد تاجا، الذي لطالما أجاد أدواره بدقة، حيث أنه يؤدي في هذا العمل دور منير، الرجل المسيحي المتشدد، والذي يعامل عائلته كأنهم في معسكر للجيش. كما أن تاجا أثبت في هذا العمل براعته في تأدية الدور من خلال كلام قليلة، وتعابير وجه كثيرة، ساعدت في نقل صورة شفافة لهذا العمل الجميل.

الأدوار النسائية في هذا العمل توازنت كذلك مع الأدوار الرجالية، فهناك دور حنان، الذي قامت به كاريس بشار، الخائفة من عائلتها وتقاليدها، والمتعطشة لحب صاف مع جلال.

وهناك أيضا سماح، التي قامت بدورها النجمة لورا أبو أسعد، وهي التي تسعى لعدم التفرقة بين ما هو مسلم أو مسيحي، بل تنادي باسم سوريا كوطن للجميع.

نقطة الاستفهام الوحيدة في العمل كانت شخصية عامر، التي أداها النجم وائل شرف، فهو ظهر في بداية العمل في مشاهد بسيطة، حيث كان مضطربا، وضائعا، وخائفا، ولكننا لم نكن نعرف من ماذا، ومن ثم ظهر في الحلقة السابعة والعشرين بعودته من الخارج، وهو يرتدي ثيابا كتلك التي يرتديها الأفغان، والتي تنم عن فكر إسلامي متشدد، أو ما يعرف بالفكر الطالباني.

فرغم أهمية شخصيته، إلا أننا لا ندري بالضبط ما هي خلفيتها، وكيف تغير، وما الذي حصل حتى ينتقل ما بين هاتين الحالتين.

إذا، نحن وهم، هي فكرة "ليس سرابا" الأساسية، ولكن في نهاية هذا العمل، ومع نهاية شهر رمضان، هي سيبقى فعلا ما يطلق عليه "نحن، وهم؟"

سامية عايش

المصدر: CNN

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...