نهاية بن علي بين ليلى الطرابلسي وويكيليكس وثورة الياسمين
تُرى، ما الذي يجمع بين نهاية حقبة الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي وبين زوجته مصففة الشعر السابقة ليلى الطرابلسي وموقع ويكيليكس وثورة الياسمين؟
والجواب، كما نستخلصه من التقرير المنشور على الصفحة السابعة من صحيفة الفايننشال تايمز البريطانية في عددها الصادر اليوم الاثنين، هو أن لكلِّ من ليلى الطرابلسي وتسريبات ويكيليكس وثورة الياسمين دورا أساسيا في وضع حد لعهد بن علي الذي حكم تونس بقبضة من حديد لمدة 23 عاما.
يصوِّر التقرير حجم الغضب الذي ولَّدته تصرفات وأعمال ليلي الطرابلسي وأقربائها لدى التونسيين الذين ربما عجَّلت تسريبات ويكيليكس حول الفساد في بلادهم بالتقاطهم للشعلة التي أضرمها محمد البوعزيزي بنفسه قبل أيام احتجاجا على البطالة ليشعلوا بها بدورهم ثورة الياسمين التي أطاحت بنظام بن علي.
يبدأ التحقيق، الذي أعدته مراسلة الصحيفة في العاصمة البريطانية لندن، رولا خلف، بالاشتراك مع زميلتها في العاصمة التونسية تونس، هبة صالح، بمشهد فرار أفراد عائلة الطرابلسي خارج البلاد، حتى قبل هروب بن علي نفسه إلى السعودية.
كما يصوِّر التقرير أيضا مظاهر سلب ونهب قصور ومنازل أفراد عائلة الطرابلسي على أيدي أشخاص كانوا حتى الأمس القريب يخشون مجرد الاقتراب من تلك المباني التي أُضرمت فيها النيران بعد نهبها والعبث بها.
ومن المشاهد التي يتوقف عندها التقرير اقتحام منزل عماد الطرابلسي، ابن شقيق سيدة تونس الأولى السابقة وصهرها المدلل الذي قُتل طعنا بسلاح أبيض مساء الجمعة الماضي، ليكون أول شخص يلقى حتفه من أقرباء الرئيس المخلوع وزوجته.
فقد اقتحم أشخاص في بلدة المرسى، الواقعة على مسافة حوالي 25 كيلو مترا شمالي العاصمة تونس، منزل جارهم السابق عماد وقاموا بنهبه وحرقه.
وتنقل الصحيفة عن سميرة، وهي موظفة تعمل في قطاع الصحة، قولها تعليقا على استهداف منازل أقرباء ليلى الطرابلسي: "لقد تم شراء كل هذا بأموالنا، بأموال ودماء الشعب التونسي".
وتضيف سميرة بقولها: "من يأتي بعدهم، كائنا من كان، لن يسرق بالتأكيد بقدر ما سرقوا. هذا هو، على الأقل، حلم التونسيين الذين يصبُّون الآن جام غضبهم على رموز الفساد في نظام بن علي، وخصوصا عائلة زوجته".
وينقلنا التقرير بعدها إلى ما كان قد نشره موقع ويكيليكس على شبكة الإنترنت العام الماضي من وثائق سرية مسرَّبة نقلت عن دبلوماسيين أمريكيين قولهم "إنه، على ما يبدو، أن نصف مجتمع المال والأعمال في تونس يرتبط بأسرة بن علي وزوجته ليلي عبر بعلاقات المصاهرة".
ويمضي التقرير إلى رصد الكيفية التي جمع بها العديد من رجال الأعمال في تونس لثرواتهم خلال العقدين الماضيين عبر ممر إجباري كان يتمثل بضرورة إقامة الجسور والصلات مع أفراد عائلة الرئيس "التي كان جشعها يزداد يوما بعد يوم".
ويدلِّل التقرير على هيمنة أقرباء ليلي الطرابلس على مفاصل ومقدّرات الاقتصاد التونسي بسيطرة شقيقها بلحسن الطرابلسي على "مجموعة قرطاج" النافذة، والتي تهيمن على قطاعات السياحة والنقل الجوي والخدمات المالية والتأمين وتجارة السيارات في البلاد.
ويورد التقرير بشكل ساخر حادثة نقلت تفاصيلها إحدى المدونات على الإنترنت، زاعمة بأن بلحسن الطرابلسي وصل به الأمر إلى حد طلب الأموال مقابل كل ظهور له في صور مع أشخاص في حفلات الأعراس.
كما تذكِّرنا الصحيفة أيضا بدعوة بلحسن الشهر الماضي للرئيس بن علي لكي يرشِّح نفسه لرئاسة البلاد لفترة أخرى في الانتخابات الرئاسية لعام 2014.
ومن الأشخاص النافذين الآخرين في أسرة زوجة الرئيس السابق، والذي يسلِّط تقرير الفايننشال تايمز الضوء على نشاطاته الاقتصادية، صخر الماطري، صهر بن علي وزوجته ليلي.
يقول التقرير إن الماطري كان يترأس "مجموعة برنسيس الماطري القابضة"، وهي تجمُّع لعدد من الشركات في مجالات الخدمات المصرفية، بما فيها المصارف الإسلامية، وتجارة السيارات والنشر والاتصالات.
وينتقل التقرير إلى الحديث أيضا عن دور أسرة المبروك، وتحديدا رجل الأعمال الثري مروان المبروك، زوج سيرين بن علي، ابنة الرئيس المخلوع من زواجه الأول.
وتشمل استثمارات المبروك، التي يوردها التقرير، مجموعة مصارف وشركات اتصالات، بالإضافة إلى سلسلة متاجر ضخمة، مثل "سوبر ماركت جيان" في منطقة تقع على مشارف العاصمة تونس، والذي أحرقه المتظاهرون السبت الماضي.
بن علي وفيسكوعلى عكس الكثير من المعلقين الغربيين الذين توقعوا في صحف اليوم والأيام السابقة أن تكون أحداث تونس مقدِّمة لتغيير ربما يهز المنطقة العربية برمتها، يقدم روبرت فيسك، مراسل صحيفة الإندبندنت في منطقة الشرق الأوسط، رؤية مغايرة. ففي مقال تحليلي تنشره الصحيفة اليوم، يتنبأ فيسك بأن نجاح التونسيين في خلع رئيسهم بن علي "ليس مؤشرا على بداية النهاية للحكام المستبدين في المنطقة".
وينصح فيسك في مقاله بعدم الذهاب بعيدا في تفسير ما جرى، "فمحمد الغنوشي، الذي كان خادما لبن علي لنحو عشرين سنة، سيشكل حكومة تضمن مصالح الغرب عوضا عن مصالح شعبه".
ويقول فيسك إنه يخشى من أن تتكرر ذات القصة القديمة في تونس، "فالغرب يريد ديمقراطية هناك، لكن ليس الكثير من الديمقراطية".
ويذكِّر فيسك بما حدث في الجزائر التي أراد لها الغرب الديمقراطية في أوائل تسعينيات القرن الماضي. لكن عندما اتضح أن الإسلاميين قد يفوزون في الجولة الثانية من الانتخابات، عاجل الغرب إلى دعم الحكومة التي يساندها الجيش، والتي أشعلت حربا أهلية حصدت أرواح حوالي مئة وخمسين ألف شخص.
ويمضي فيسك إلى القول: "إن الغرب معني بالاستقرار وبالنظام في العالم العربي، حتى في مصر التي يحكمها نظام حسني مبارك الفاسد، فالغرب سيحصل على ما يريد".
وعلى الموقع الإلكتروني لصحيفة التايمز نطالع اليوم صورة للرئيس التونسي المخلوع، وقد راح أشخاص يدوسونها بأرجلهم، وتحت الصورة تعليق يقول: "غزيُّون يدوسون صورة بن علي تأييدا لانتفاضة التونسيين".
المصدر: BBC
إضافة تعليق جديد