هذا الفائض ماذا سنفعل به؟
تقاسم العجوزان مقعداً خشبياً صغيراً, في ممر أحد فروع المصرف التجاري السوري. ومن خلال مشهد جلوسهما وتشابك يديهما, لا بد أن نتكهن بأنهما زوجان. كان العجوز يقف كل بضع دقائق، ويتجه نحو إحدى الموظفات, ويسألها إن اقترب دوره في قبض المبلغ أم لا.
دنوت من الرجل الطاعن في السن, وسألته إن كان يريد أي مساعدة, وذلك بهدف فتح حديث معه. ولا أقصد بالمساعدة, أن أتوسط له عند موظفي المصرف للتعجيل في منحه نقوده, فأنا كنت واقعا في المأزق نفسه, وتحت رحمة مزاجية الموظفين وروتين المصرف, الذي ما زال يسير بالأسلوب الورقي السلحفاتي, وتنتشر في أرجائه الكمبيوترات, كنوع من التزيين الحداثوي.
افتتحت حديثي مع الرجل الدائم الارتعاش, عن الصبر الذي يجب أن يتحلى به الإنسان إذا أراد أن يصرف شيكاً, فبالضرورة لا بد سيجلس ما بين الساعة والنصف والساعتين ليقبض المبلغ, وعندها عليه أن يلغي أي موعد محتمل, ويتفرغ لهذا الأمر. تشجع الرجل, وقال: (ليت المبلغ يستاهل هذه الوقفة الطويلة) وابتسم بلطف بالغ, دون أن تختفي لمحات الحزن العميق بين تجاعيد وجهه العميقة. بعدها حكى الرجل قصته مع راتبه التقاعدي, الذي يضطره كل شهر للحضور إلى المصرف لأخذه, ويضطر معه لجلب زوجته, لعدم وجود من يبقى معها في البيت؛ فهما وحيدان في هذا العالم, مع راتب تقاعدي كبير, يكفي كمصروف لطفل صغير غير متطلب.
ربما يظن البعض أن هناك مبالغة, لكن مبلغ(2500) ليرة لشخصين كهلين,لا يكفيهما حتى لشراء أدوية أمراض الشيخوخة, التي يحتاجها كل إنسان على هذه الأرض. وهذا المبلغ يجب أن يكفي لكل مستلزمات العيش من طعام وشراب ولباس وتدفئة, مع أن المتقاعدين محرومون من تعويض التدفئة والتعويض العائلي, كما قال لي الرجل.
أليس غريباً أن يستاء رجل من كل هذا الفائض المالي? ألا يعلم بأن راتبه التقاعدي هذا يشتري (100) سندويشة فلافل كبيرة? هل يريد أن تتوفر له كل مستلزمات حياته دفعة واحدة?
بالتأكيد, هذا الرجل طماع, وطماع جداً!!!
عقبة زيدان
المصدر : الثورة
إضافة تعليق جديد