هل أصبحت أنقرة تحت ظل الانقلاب؟
الجمل: دخلت تطورات العملية السياسية التركية اليوم مرحلة جديدة بقيام الرئيس التركي عبد الله غول بالتوقيع على مسودة تعديل المادة 5918 من قانون المحاكم التركية بما يتيح تقديم عناصر المؤسسة العسكرية التركية للمثول أمام المحاكم المدنية إضافة لتحريم تقديم المدنيين للمثول أمام المحاكم العسكرية.
* التطورات السياسية التركية الجارية:
تشهد الساحة السياسية التركية حالياً صراعاً مركباً تتضمن مكوناته الآتي:
• الصراع العلماني – الديني بين القوى السياسية الإسلامية بزعامة حزب العدالة والتنمية والقوى السياسية العلمانية بزعامة حزب الشعب الجمهوري.
• صراع الهوية الإثنوثقافية بين القوى السياسية القومية الاجتماعية التركية بزعامة الحزب والقومي التركي وبقية الأحزاب التركية.
• صراع الوحدة الوطنية التركية بين الحركات الكردية بزعامة حزب العمال الكردستاني وبقية القوى السياسية التركية.
• صراع الانتماء الجيوسياسي بين القوى السياسية المؤيدة للانضمام للاتحاد الأوروبي والارتباط بأمريكا والغرب والقوى السياسية المؤيدة لإدماج تركيا ضمن بيئتها الشرق أوسطية.
وعلى خلفية هذه الصراعات نشأ صراع جديد تمثل في الصراع حول ملف العلاقات المدنية – العسكرية التركية، وذلك بين قوى سياسية تطالب بالسيطرة المدنية على المؤسسة العسكرية وقوى تطالب بإبقاء المؤسسة العسكرية التركية بمنأى عن السيطرة المدنية طالما أن الدستور التركي قد حدد بشكل واضح دور المؤسسة العسكرية التركية كحامي للعلمانية التركية.
تزايد الصراع حول ملف العلاقات المدنية – العسكرية ومن أبرز المؤشرات الدالة على ذلك:
• اكتشاف ارتباط زعماء المؤسسة العسكرية بشبكة أرغيناكون السرية التي كانت تخطط لتنفيذ انقلاب عسكري تركي.
• بروز المصاعب إزاء تقديم العسكريين الأتراك للمحاكم المدنية.
• تزايد مخاوف الزعماء المدنيين من مواجهة المحاكم العسكرية التركية.
• مطالبة الاتحاد الأوروبي الصريحة لتركيا بوضع الجيش التركي تحت السيطرة المدنية بما يلبي معايير الاتحاد الأوروبي.
تزامنت واقعة مطالبة الاتحاد الأوروبي تلك مع واقعة اكتشاف وثائق تشير إلى تورط رئيس الأركان باشبوق وبعض قادة المؤسسة العسكرية التركية بشكل أدى إلى إشعال الصراع حول ملف العلاقات المدنية – العسكرية ومن جهتها سعت حكومة حزب العدالة والتنمية إلى إجراء التعديلات والتغييرات القانونية والدستورية المطلوبة بما يتيح اصطياد عصفورين بحجر واحد: تقديم قادة المؤسسة العسكرية المتهمين أمام المحاكم المدنية مع حظر تقديم المدنيين للمحاكم العسكرية ثم وضع المؤسسة العسكرية بشكل كامل تحت السيطرة المدنية.
بالمقابل ظلت المؤسسة العسكرية ترفض إخضاعها للسيطرة المدنية إضافة إلى التمسك بعدم مثول العسكريين أمام المحاكم المدنية.
* هل أصبحت أنقرة تحت ظل الانقلاب:
التعديلات القانونية التي أجازها وصادق عليها بالأمس الرئيس عبد الله غول أثارت العديد من ردود الأفعال ويمكن الإشارة إلى ذلك على النحو الآتي:
• أعلن كل من حزب الشعب الجمهوري (العلماني) والحزب القومي رفضهما لهذه التعديلات.
• أعلن قادة المؤسسة العسكرية عن المزيد من الانتقادات الرافضة لهذه التعديلات.
بالمقابل بدا واضحاً الآتي:
• تأييد الرأي العام التركي الواسع النطاق لهذه التعديلات وتقول المعلومات أن موقف حزب الشعب الجمهوري والحزب القومي السلبي قد ترتب عليه حدوث هبوط في شعبية الحزبين.
• تزايد التوقعات باحتمالات أن يمضي حزب العدالة والتنمية باتجاه المزيد من التعديلات التي تعزز موقفه إضافة إلى تسريع الخطوات باتجاه وضع الجيش التركي تحت السيطرة المدنية.
هذا، وتشير التوقعات إلى أن الصراع قد يندلع بين المؤسسة العسكرية وحكومة حزب العدالة عند القيام بإجراء التعديل الرئيسي المتوقع سيحسم أمر وضع الجيش التركي تحت السيطرة المدنية وهذا التعديل هو: إلغاء المادة الدستورية التي تقول أن الجيش التركي هو حامي العلمانية وبأن دوره هو حمايتها، وهي المادة التي ظل قادة المؤسسة العسكرية يستخدمونها لإجراء الانقلابات العسكرية وردع الحكومات التركية.
إذا سعت المؤسسة العسكرية التركية لتنفيذ الانقلاب العسكري فإنها ستصطدم بالرأي العام التركي الذي يقف حالياً وبقوة إلى جانب التعديلات إضافة إلى أن الانقلاب سيحرق كل طموحات الأتراك في الانضمام للاتحاد الأوروبي أما إذا وافقت المؤسسة العسكرية التركية على هذه التعديلات فإنها ستفقد "أعز ما تملك"، وهو البند الدستوري والصلاحيات الدستورية التي ظلت توفر لها السند الشرعي للقيام بالانقلابات وممارسة الضغوط على القوى السياسية والمدنية التركية، فهل سيقبل جنرالات المؤسسة العسكرية أم أنهم سيتحركون من أجل الحفاظ على كفتهم التي ظلت راجحة في ميزان توازنات العلاقات المدنية والعسكرية التركية.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد