هل تؤدي أزمة الناتو العسكرية إلى أزمة سياسية عبر الأطلنطي

20-01-2008

هل تؤدي أزمة الناتو العسكرية إلى أزمة سياسية عبر الأطلنطي

الجمل: تؤدي النتائج العسكرية المتعلقة بالأداء الحربي إلى المزيد من النتائج على الصعيد السياسي، وتؤكد معطيات التجربة العسكرية التاريخية إلى وجود عدد كبير من التحالفات السياسية التي أعيد تشكيلها ورسمها بسبب وبفعل تأثير النتائج العسكرية التي حققتها القوات في ميادين القتال والحرب.
* حلف الناتو: سردية الرحلة من سهول البوسنة اليوغوسلافية إلى جبال تورا بورا الأفغانية:
خاض حلف الناتو تجربة حرب يوغوسلافيا وقد أدت نتيجة انتصاره المفترض على نظام ميلوسوفيتش إلى تماسك البعد العسكري في علاقات عبر الأطلنطي بين أمريكا وغرب أوروبا، وعلى خلفية الثقة بالنفس تقدم الناتو شرقاً لخوض الحرب بالوكالة نيابة عن الولايات المتحدة ولكن هذه المرة في أفغانستان. وحالياً تشير التقارير والمعلومات لا على الانتصارات التي حققها حلف الناتو وإنما على إخفاقاته ومدى تحول انتصاراته التي حققها في سهول البوسنة إلى هزائم تجرعها في جبال تورا بورا الأفغانية.
نشرت صحيفة آسيا تايمز تحليلاً أعده المحلل السياسي والسفير الهندي السابق في تركيا وأوزبكستان بهاندرا كومار حمل عنوان «الناتو يسمع الصرخات التي تسبق الهزيمة». قال بهاندرا كومار أنه عندما تبدأ لعبة إلقاء اللوم في الحرب المفتوحة غير المحدودة يكون قد آن أوان الانتباه والرصد والملاحظة. فروبرت غيتز وزير الدفاع الأمريكي في مقابلته مع صحيفة لوس أنجلس تايمز الأمريكية قام بقرع أجراس الحذر يوم الأربعاء الماضي. وتقول السردية التي تطرق لها بهاندرا كومار بأن وزير الدفاع الأمريكي طالب حلف الناتو بضرورة أن يبذل قصارى جهده وأفضل ما لديه في القيام بمهام تدريب عناصر ووحدات الناتو على عمليات مكافحة التمرد.
الرد على انتقادات وزير الدفاع الأمريكي جاء على لسان الأمين العام لحلف الناتو الجنرال جاياب دي هووب شيفير، الذي قال بأنه يكن أعظم الاحترام لقوات الناتو التي تقاتل حالياً في جنوب أفغانستان. وأضاف الجنرال دي هووب قائلاً بأن مقاتلة التمرد هي عملية معقدة وليست دائماً سهلة. ولم يتوقف الأمر عند حد التراشق بالتصريحات بين وزير الدفاع الأمريكي وأمين عام حلف الناتو، وإنما امتد الأمر حيث تمت مطالبة السفير الأمريكي في مدينة هافيو الهولندية بتقديم إيضاحات حول تصريحات وزير الدفاع الأمريكي، أما وزير الدفاع البلجيكي فان ميديلكوب فقد صرح قائلاً بأنه ليس هذا هو روبرت غيتز الذي عرفناه.
* أزمة الناتو العسكرية هل تؤدي إلى أزمة سياسية عبر الأطلنطي؟
تعود أزمات الناتو العسكرية إلى العام 1966م عندما أعلن الجنرال شارل ديغول رسمياً انسحاب فرنسا من القيادة العسكرية المتكاملة لحلف الناتو، واقتصار فرنسا على مجرد البقاء في عضوية الهيكل السياسي المؤسساتي للحلف. ثم جاءت الأزمة الثانية، عندما انضمت أيسلندة إلى عضوية الحلف وأعلنت بأنها ستظل كما كانت عليه "دولة بلا جيش" ولن تقوم ببناء أي قوات مسلحة، ولما كانت جزيرة أيسلندة تقع في منتصف الطريق بين السواحل الأوروبية والأمريكية وتطل على القطب الشمالي فقد وجد الناتو نفسه مضطراً لقبول عضويتها وتحمل أعباء الدفاع العسكري عنها برغم عدم امتلاكها لأي جيش أو قوات مسلحة. الأزمة الثالثة جاءت عندما قامت اليونان بسحب قواتها من هياكل قيادة الناتو العسكرية طوال الفترة من عام 1974م وحتى عام 1980م، بسبب التوترات اليونانية – التركية التي تصاعدت بسبب اجتياح الجيش التركي لجزيرة قبرص عام 1974م. الأزمة الرابعة هي بالأساس عميقة الجذور، ظلت تأخذ طابع الأزمة البطيئة الزاحفة المدمرة، وتمثلت في تزايد النزعة الاستقلالية الأوروبية، التي تصاعدت بسبب عدم رغبة الرأي العام الأوروبي في المضي قدماً في التحالف غير المتكافئ الذي سبق أن قامت الأحزاب الديمقراطية المسيحية الأوروبية، التي حكمت أوروبا خلال فترة الحرب الباردة، بتوريط القارة الأوروبية فيه. إن التمرد على روابط عبر الأطلنطي مع واشنطن تمثلت أبرز مؤشراته في:
• اعتقاد الأوروبيين بعدم ضرورة نشر الأسلحة النووية الأمريكية في أوروبا خاصة أن الخطر السوفييتي لم يعد موجوداً منذ مطلع تسعينات القرن الماضي.
• اعتقاد الأوروبيين بإمكانية اعتماد الدفاع الاستراتيجي الأوروبي على غطاء المظلة النووية الفرنسية بدلاً من الأمريكية.
• اعتقاد الأوروبيين بأن وجود حلف الناتو سوف يدفع روسيا إلى تجميع حلفاءها ضمن حلف عسكري جديد لموازنة الناتو الأمر الذي سوف يؤدي إلى:
* توفير الذرائع لأمريكا للبقاء طويلاً في أوروبا.
* عودة ظاهرة سباق التسلح.
* نشر المزيد من الترسانات العسكرية التقليدية وغير التقليدية في أوروبا العسكرية والدفاعية على حساب رفاهية الأوروبيين.
* عودة الحرب الباردة بين غرب أوروبا وشرقها.
* التصدعات الجديدة في حلف الناتو:
يواجه حلف الناتو حالياً عدداً من المشاكل التي سوف يؤدي تصاعدها على تهديد تماسك القوام العسكري والسياسي الخاص بمعاهدة حلف شمال الأطلسي التي تشكل الأساس لقيام حلف الناتو، وأبرز هذه التحديات يتمثل في الآتي:
• تورط الناتو في حرب أفغانستان، حيث تواجه قوات الناتو حالياً شبح الهزيمة العسكرية.
• التوترات الجارية والمتصاعدة بسبب شبكة الدفاع الصاروخي التي تمارس واشنطن ضغوطاً متزايدة على الأوروبيين من اجل الانخراط فيها.
• تصاعد أزمة إقليم كوسوفو بشكل أصبح يهدد إنجازات الناتو في يوغوسلافيا السابقة، ويحول نتائج حرب يوغوسلافيا الأخيرة إلى ما يشبه الهزيمة، وذلك لأن انقسام إقليم كوسوفو  سوف يترتب عليه زلزال انقسامي سوف يهدد وحدة كل القارة الأوروبية حالياً.
• ابتزاز دول شرق أوروبا التي انفصلت عن الاتحاد السوفييتي السابق، ومن أبرز الأمثلة على ذلك دولة أستونيا المطلة على بحر البلطيق، والتي توترت علاقاتها مع موسكو، وأصبحت حالياً تطالب حلف الناتو بتوفير الضمانات الأمنية اللازمة لحمايتها وهو أمر قد لا يتوقف على أستونيا فقط بل سيمتد إلى دول آسيا الوسطى والقوقاز والبلقان وغيرها، إضافة إلى أنه سيؤدي إلى تصعيد التوترات بين روسيا وغرب أوروبا التي تخطط من اجل تمديد أنابيب النفط والغاز الروسي بما يؤدي على دعم اقتصادياتها وحل مشاكل الندرة في مجال الطاقة.
* تأثير الخلافات على توازنات القوى داخل الناتو:
كانت فرنسا وألمانيا من أكثر الدول المؤيدة للنزعة الأوروبية الاستقلالية، وبالمقابل كانت أمريكا تعتمد على بريطانيا وإيطاليا وإسبانيا وتركيا في الضغط على فرنسا وألمانيا. الآن تغيرت الموازين، فتركيا أصبحت على خلاف مع الأوروبيين بسبب ملف انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، وأصبحت الدول الأوروبية الكبيرة الوزن أكثر رفضاً ومقاومة للإملاءات الأمريكية التي يتم تبنيها داخل الناتو بواسطة الدويلات الصغيرة التي أخطأ الناتو بضمها مؤخراً إلى عضويته إرضاءً لأمريكا. وبغض النظر عن توجهات الحكومات الأوروبية فقد أصبح الرأي العام الأوروبي أكثر رفضاً لفكرة استمرار حلف الناتو.
فهل ستنجح أمريكا في تمديد عمر حلف الناتو؟ أم أن الرأي العام الأوروبي المتصاعد واحتجاجات حركات السلام الأوربية وأحزاب الخضر الأوربية سوف تؤدي إلى تحرير شهادة وفاة حلف الناتو الذي ناهز عمره الستين عاماً؟

 


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...