هل يعوّض “خبز التنور” نقص المادة عند بعض العائلات ؟
تنطبق مقولة الحاجة أم الاختراع على الكثير من مفاصل حياة المواطن السوري بظل الأزمة الراهنة، وهو الذي ابتكر العديد من الحلول لمواجهة مشاكل وصعوبات يومية باتت تواجهه في ساعات نهاره وليله، بصيفه وشتائه.وإن كانت الدول الأخرى تعتمد على التطور في حل المشكلات المعيشية بشكل أسرع زمانيا، فالمواطن هنا يخالف القاعدة وطبعا “مجبر أخاك لا بطل”، فالزمن يعود للوراء مع عودة استخدام الأساليب التي نسيها لفترة معينة، بل وعادت طرائق الحياة المصنفة ضمن التراث لتكون منقذا في بعض الأحيان.تسببت الأزمة الاقتصادية الراهنة بدوران العجلة إلى الخلف، وعاد المواطن إلى قديمه الذي وجد فيه حلاً ناجعا في مواجهة المشكلات كالنملية والفخارة واستعمال الحطب للطهي وغيرها.
وما أهم من كفاف يومنا للحديث عنه، وهو رغيف الخبز المُحتار بين ذريعة نقص الكميات، وتخبّط آلية توزيعه حكوميا، حتى باتت الربطة لغزا حيّر المسؤولين في حله وإيجاد الطريقة المثلى لتوصيل إلى مستحقيه.
ومع هذا التخبط، عاد خبز التنور التراثي سابقا ليكون جزءا من الحل في سد نقص المخصصات لبعض العائلات التي جاء قرار تحديدها كضربة قوية لهم، كونها تعتمد على الخبز كمادة أساسية في طعامها وفي كل الوجبات، فهناك الكثيرون ممن لا يشعرون بالشبع دون تناول الخبز.
ويقول أحد سكان حي العباسية: بالمنطق، هل تكفي ربطتي خبز عائلة مكونة من 4 اشخاص؟، لاسيما مع وجود الأطفال الذين يطلبون السندويشات باستمرار، فلا مهرب أمامنا من شراء خبز التنور قرب دوار الحي أو شراء السياحي بسعر مرتفع”.
وعن سعر رغيف خبز التنور أضاف آخر” جريمة أن يكون سعر الرغيف 300 ليرة كما نشتريه، وعلى أقل تقدير أحتاج وحدي رغيفين كي أشبع، وعدد عائلتي كبير لا يمكنني الشراء يوميا”.
وتحدثت سيدة تنتظر أمام فرن تنور في حي الأرمن قائلة” صار الواحد ياخد خبزاتو معو وين ماراح “، ولا خجل في قول ذلك، لأن المخصصات الموضوعة حاليا لا تكفي أي عائلة مهما كان استهلاكها قليلا، حتى اصبحنا نأخذ خبزنا معنا عند زيارة أحد اقربائنا، او نضطر لشراء خبز التنور كحل بديل”.
وأردف آخر من سكان الحي” خبز التنور ألف رحمة عن السياحي، فكلما احتجت أنزل واشتري عدد الأرغفة التي أريد، بينما سعر ربطة الخبز السياحي مرتفع وسأضطر لأشتري ربطة كاملة، ولا أخفيك القول أنني أغص بكل لقمة منها عندما أشتريها”.
بينما قال صاحب أحد محال بيع التنور في حي الزهراء لتلفزيون الخبر أنه” تعلم هذه المهنة في صغره و ورثها عن أبيه كون أصوله تعود لمنطقة سياحية، وكان خبز التنور مطلوبا بكثرة حينها”.
ويضيف” لم يخطر في بالي يوما أن تتحول هذه المهنة التراثية إلى أكثر المهن عملا وإنتاجا وبيعا، حيث عدت للعمل بعا بعد انقطاع طويل، ولا أخفي القول أنها تعود بربح جيد جدا، دون أن ننسى التعب والحرارة التي أعاني منها، فكل شيء له ثمنه”.
ويشرح صاحب محل آخر العوامل المؤثرة بارتفاع سعر خبز التنور قائلا” نشتري الطحين بسعر حر والذي ارتفع بدوره أضعافا مضاعفة عن قبل، كما نشتري المازوت بسعر حر ايضا، إضافة للمواد الاخرى الداخلة في تركيبه، أم أن الجميع يريد أن نبيع الرغيف ب25 ليرة بينما يكلفنا 150ليرة”.أما في المناطق السياحية، فالحديث مختلف والدوافع مرتبطة بالرفاهية والموسم الصيفي بامتياز، فلن يسأل المصطاف عن سعر رغيف خبز لا يعدو كونه شهوة تلائم أحد اصناف المأكولات التي يرغبها.
ويزداد سعر هذا الرغيف حسب شهرة المنطقة السياحية، حيث تشهد مناطق مرمريتا والحواش بريف حمص، أسعارا تختلف عن أسعار مشتى الحلو والكفرون بريف طرطوس، عن تلك التي في كسب ووادي قنديل في اللاذقية.كما أن تسعيرة هذه الأفران تختلف على الطرق العامة بين المحافظات، وتمثل سوقا نشطا تبيع “المناقيش” بأنواعها وتقيت جوع المسافر على الأوتوستراد غير المهتم أغلب الأحيان بالتسعيرة التي تصل إلى ألف ليرة ثمن الفطيرة الواحدة”.
وعن حصول هذه الأفران على الطحين، أكد وليد الصالح مدير فرع المؤسسة السورية للمخابز بحمص أن” أصحاب هذه الأفران يشترون الطحين بشكل حر، ولا يوجد دقيق حكومي مدعوم لهم بالمطلق”.
وأضاف” يشتري صاحب التنور على حسابه الخاص أكياس طحين(زيرو) وقد يحصل عليه من خلال المعونات في بعض الأحيان، لكن من غير المسموح أبدا وجود طحين تمويني في مخبزه، حيث تتم مصادرته فورا حال قيامه بذلك”.
وتابع الصالح” ربما يعود سبب ارتفاع سعر خبز التنور كون صاحبه يشتري كيس الطحين بحوالي85000 ليرة، إضافة للمازوت كذلك، وأتصور أن لا حاجة للتوجه الى التنور في حال وجود نقص بل إن الخبز السياحي أرخص في تلك الحالة”.
بينما، أشار المهندس رامي اليوسف مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك في حمص أن” لا تسعيرة لهذه المادة وصاحب الفرن يسعر حسب ما يبيع”.يذكر أن العديد من الشبان والعائلات في حمص ومعظم المحافظات توجهت لافتتاح مخابز تنور والعمل فيها، كونها لا تحتاج لمبلغ مالي كبير لبدء هذا المشروع، إضافة للربح المادي الجيد، حيث يُعتمد على الحطب في مناطق الريف في إنتاج الخبز ما يوفر مبلغ جيد لصاحبه عوضا عن شراء المحروقات.
يشار إلى أن هذه المخابز بدأت تشهد ازدحامات بسبب نقص المخصصات المدعومة لبعض العائلات، تزامنا مع إعلان وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك ممثلة بوزيرها الجديد عن القيام بمراجعة بعض الإجراءات السابقة لحل أزمة توزيع الخبز على العائلات في البلاد.
الخبر
إضافة تعليق جديد