هيثم حقي: أجمع غيلان الدمشقي عبر زمنين

24-03-2008

هيثم حقي: أجمع غيلان الدمشقي عبر زمنين

لم يتوقف المخرج السوري هيثم حقي عن التفكير لحظة واحدة بمشروعه السينمائي الذي بدا ظاهرياً أنه مؤجل حتى إشعار آخر، فالعقود الثلاثة الماضية التي تفصله عن فيلمه الروائي الطويل «ملابسات حادثة عادية» كانت تحمل في طياتها أيضاً «شغلاً على اللغة السينمائية الراقية في التلفزيون». والآن وقد حقق هيثم حقي حلمه السينمائي بفيلم روائي طويل يحمل اسم «التجليات الأخيرة لغيلان الدمشقي»، أصبح لزاماً استفساره عن مآل مشروعه وقد انتهى للتو من تصويره وتوليف «نصف ساعة منه». هنا حوار مع المخرج هيثم حقي الذي كان يستعد لدخول غرفة المونتاج في مقر شركته التي يديرها لمصلحة محطة أوربت «ريل فيلمز»:

> من هو غيلان الدمشقي ليمنح فيلمك نوعاً من التجليات البصرية؟

- هو واحد من المعتزلة قربّه منه الخليفة عمر بن عبد العزيز عندما تسلم مقاليد الخلافة وأناط به مسؤولية بيت مال المسلمين، فكان أن قام بعرض أملاك بني أمية وأموالهم على المزاد العلني ليعيد الحق لأصحابه. وقد حقد عليه هشام بن عبد الملك حقداً شديداً عندما تولى السلطة ودعاه إلى مناظرة مع الشيخ الأوزاعي حول الجبر والتخيير، كان الهدف منها قتله. تمت ادانته وأقيم عليه حدّ الحرابة وعلق على أسوار دمشق، وظل يردد أن أموال بني أمية حرام وينادي بالعدل حتى قطعت يده ورجله، وظل على حاله، فقطعت يده ورجله الأخرى، ثم قطع لسانه، فمات. هذه حكاية غيلان الدمشقي كما وردت في عدد قليل من الكتب التي تؤيد هذه الرواية.

> لماذا ضممت قصته إلى زمننا الحالي؟

- الفيلم يتحدث عن شخص ينوي كتابة رسالة دكتوراه عن غيلان، ولكنه انسان وجل ومتردد وقليل الكلام، وهو يعيش في خياله حالة غيلان ويتجلى في هشام. أي أنه يتجلى عندي في حالتي السلطة والمعارضة بحسب مصلحته.

> لماذا أردت له ألا يتكلم كثيراً في الوقت الراهن؟

- هو يعيش حالاً من الفصام، وليس لديه القدرة على التعبير عن الحب ومستوياته المتعددة إلا من باب التلصص. إنه يعيش حالة تناقض شديدة مع واقعه من حوله، فيما هو يظهر شرهاً غير عادي بالطعام وهذا يودي به إلى حتفه.

> ما الذي أردت قوله من خلال جمع هذه المتناقضات في شخصيته؟

- أردت أن أتحدث عن شريحة لا تستطيع التعبير الجيد عن نفسها، لكنها تملك القدرة على التعبير عن الماضي بأبهى صوره، وعبر نوع من التجليات الوهمية، لذلك قلت التجليات الأخيرة لغيلان الدمشقي، لأن نهاية الفيلم تحوي مفاجأة، فبطلي المعاصر سامي حتى يتوجب عليه دفع الثمن في الخيال يستبدل غيلان بهشام ويصبح شخصاً آخر هو في الواقع غريمه في حب نفس الفتاة.

> ألا يمكن أن يكون هناك تجليات أخرى لغيلان آخر... لماذا هذا الجزم؟

- أنا أحكي عن زمنين لذلك يبدو لي إنه تجل أخير. ولا شك في أن هذا الثمن الباهظ الذي يدفعه المرء من أجل المبادئ أصبح يسمى في زمننا مغامرة وتهوراً. لقد تغيرت الظروف الى درجة أنه يمكنني القول إنني لا أستطيع أن أكون حاسماً أو أطرح تساؤلاً حول ما إذا كان هو فعلاً التجلي الأخير لغيلان الدمشقي.

> في الفترة الماضية كنت تتحدث عن اللغة السينمائية الراقية في التلفزيون والآن بعودتك إلى السينما هل تعتقد بأن مشروعك التلفزيوني وصل إلى حده الأقصى!؟

- أعتقد بأن مشروعي التلفزيوني نجح في جعل اللغة السينمائية الراقية طموحاً. هو مشروع دافعت عنه وبخاصة في العقود الثلاثة الماضية. وأما المشروع السينمائي فهو لم يبارحني للحظة، فأنا عملت 22 فيلماً تلفزيونياً تحت مسميات مختلفة. وبالنسبة لـ«التجلي الأخير لغيلان الدمشقي» خطر لي وأنا أصور الجزء الثاني من مسلسل «خان الحرير»، وكنت قد وصلت إلى قناعة بأنه قد آن الآوان لأجد طريقاً للقطاع الخاص في الانتاج السينمائي. وأستطيع أن أقول إنه في العقد الأخير بدأت أرى أن هناك أملاً شبيهاً بما جرى قبل عام 1987 عندما انطلق مشروع الدراما التفزيونية بقوة. لقد قدمت هذا المشروع لمحطة أوربت منذ سنوات، وفي نهاية عام 2006 تأسست شركة «ريل فيلمز» التي أديرها لمصلحة أوربت وهدفها الأساسي الانتاج السينمائي والتلفزيوني.

> هل يمكن لنهضة السينما السورية أن تتحقق من خلال مشروع فردي؟

- مشروعي كان دائماً فردياً، فمنذ مسلسل «دائرة النار» وعندما أردت أن أنتج مسلسلاً بالكاميرا الواحدة كان الأمر كذلك. بالتأكيد هناك أناس كثر يريدون عمل هذه السينما المرجوة لأن السوق ستأتي لا مناص، ذلك أن مشكلة السينما السورية تكمن في غياب الفيلم الذي أدى إلى غياب الصالة وغياب الجمهور، ونحن إذا ما أعدنا الفيلم، سنجد الصالة وسيعود الجمهور.

المسألة باختـصار تكمن في دعم المشروع من الجميع. المؤسسة العامة للسينما عليها أن تدعم الفيلم السوري. وكذا القطاع الخاص، والآن هنـاك محطات خاصة ستـنـتـج فـي سورية، وهذا سيصب لمصلحة الفيلم السوري، انه أحد الأبواب وليس الباب الوحيد المفتوح أمامنا.

> هل الشعور بعدم الرضا من الحالة التي وصلت إليها الدراما السورية هو السبب في عودتك إلى مشروعك السينمائي؟

- أنا لجأت إلى العمل التلفزيوني ونظّرت له في غياب الفيلم السينمائي وكما يقال إذا حضر الماء بطل التيمم، ولكن هذا التيمم سيظل موجوداً لأننا ننتج لمحطات تبث الدراما التلفزيونية، وبالتوازي مع «انتاج التيمم» سيظل هناك شيء اسمه الدراما التلفزيونية السورية، وأنا سعيد بوجودها مع علمي اليقين أن أي صناعة سيكون الجانب الأكبر منها تسويقياً وليس فنياً، فأنا ليس لدي أية أوهام بأن الفني هو من سيسود لا في التلفزيون ولا في السينما، ولكنني أحلم بصناعة سينمائية وتلفزيونية فيها أفلام فنية إلى جانب الأفلام التسويقية.

يذكر أن نخبة من الممثلين السوريين تشارك في فيلم «التجليات الأخيرة لغيلان الدمشقي» وعلى رأسهم فارس الحلو وكندة علوش وباسم ياخور ورامي حنا ورامز الأسود ونضال نجم وقمر عمرايا وحنان نايف وقيس الشيخ نجيب ورضوان عقيلي.

فجر يعقوب

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...