وزير الصناعة الأسبق يتحدث عن (التنمية العرجاء)
يعيش أكثر من نصف سكان سورية في الريف، ويعمل في الإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، لكن الناتج المحلي من القطاع الزراعي يبلغ ربع الناتج المحلي فقط،، أي أن المواطن الذي يعيش في الريف يحصل على نصف ما يحصل عليه ساكن المدينة بشكل وسطي طبعا.
ومن المعروف أن الفلاح في بلادنا عمل في الأرض وكان وفيا لها وقاتل من اجلها وعاش من خيراتها وتفيأ في ظلال أشجارها وتعلم منها العطاء والصبر والحكمة وحين يكمل رحلته الشاقة الطويلة يعود إلى أرضه الغالية لتلفه بين ذراعيها فينام تحت غطائها الأبدي. وهو في رحلته الطويلة هذه لم يبخل بدوره على هذه الأرض فأرسل خيرة شبابه ليدافعوا عنها، ويسطروا دروسا من البطولة والشهادة والكرامة، إذ لا معنى للوطن بدون أرض. ولم يبخل فلاحنا فأعطى وأنتج خيرات كثيرة على الصعيد النباتي والحيواني فقدم أمنا غذائيا لشعب هذا البلد، لكن ظروفا كثيرة جعلته غير قادر على الصمود في أرضه الغالية فيولي أدباره ذاهبا إلى المدينة ليعمل في أي عمل ويسكن في أي بيت في الضواحي المهمشة ، إذ إن هدفه هو البقاء على قيد الحياة فتزدحم المدينة وتزداد الضغوط على وسائل المواصلات وكذا الكهرباء وكذا الخدمات الأخرى...... أما إذا كان قادرا على الذهاب إلى لبنان فهو مستعد ليعمل في أي عمل من أجل الحصول على مبلغ من المال يعيل فيه عائلته التي بقيت في الريف بانتظار طلاته التي قل عددها بعد ازدياد رسوم الخروج وصار بعض اللبنانيين ينظرون إليه بعين الشك والريبة ، مما اضطر الكثيرين إلى العودة والبحث عن ملاذ آخر.وقد حدثني أحد الأصدقاء اللبنانيين أن بيروت تعاني الآن من نقص في عمال النظافة أو حراس المباني فهي اختصاص السوريين الذين هجروا لبنان مؤخرا، وقد كان الحارس يعيش قي غرفة في مدخل البناء وتعيش معه أسرته التي تساعده في خدمة السكان وليس في ذهنه أن يعلم أطفاله في المدارس إذ لا يسمح لهم بدخولها.. وإذا كان هذا الفلاح أكثر طموحا فلعله يجد فرصه في دول الخليج فينضم إلى ألوف العاملين هناك في أعمال البناء أو غيرها فيعيش منهم عدة أشخاص في غرفة واحدة كي يتمكنوا من توفير جزء من أجورهم ليرسلوها إلى الأهل في ريفنا الصامد. فهل عجزت التنمية الاقتصادية والاجتماعية بخططها الخمسية الغراء عن حل مشاكل هذا الريف ؟ وهل ينطوي هذا الحل على مجرد وفاء لهذا الريف الذي قدم شبابا أسهموا بقيادة هذا البلد ؟ وهل يتجلى وفاؤهم هذا بقيامهم ببناء فلل فخمة يرتادونها أيام الصيف ليقضوا فيها أياما جميلة يتمتعون فيها بالطبيعة الغناء ؟ وهل يزيدون على ذلك بأن يتخذوا واحدا أو أكثر من أبناء الضيعة لخدمة هذا المنزل في أيام السنة الأخرى ويعطونه راتبا يكفيه شر الاغتراب ؟ أم أن هناك حلولا أخرى ؟.
أذكر أنني كنت مدعواً إلى الغداء في ألمانيا وحين سألني صديقي صاحب الدعوة عما أرغب من طعام،استدرك وقال إن اللحوم الموجودة لدينا لا تعجبك لأن لديكم في سورية غنم العواس المعروف والنادر وهو متميز عن كافة اللحوم الأخرى في كل العالم وهو لا يعيش إلا في البيئة السورية .
ثم استطرد قائلا إن سورية ذات أرض واسعة وهي صالحة جدا لتربية أغنام العواس ذات القيمة التصديرية العالية وهي تكاد تتفوق على النفط كمصدر من مصادر العملة الصعبة لديكم ..... فقلت إن مربي الأغنام لدينا كثيرا ما يخسرون إذا لم تتوفر المراعي المناسبة في وقت مبكر،إذ إن أسعار اللحوم مثبتة من قبل الدولة وكثيرا ما يمنع التصدير لصالح الاستهلاك المحلي، وعند خسارة المربي يضطر إلى بيع القطيع بما فيه من ذكور وإناث، مما يجعل هذا النوع النادر من الأغنام مهددا بالانقراض...... فرد الخبير الألماني مستغربا: إذاً أين دعم الدولة، ألا تتابعون الأخبار وتسمعون أن خلافات كبيرة في المنظمة الدولية للتجارة تهدد استمرار المنظمة بسبب إصرار بعض الدول كالاتحاد الأوربي والولايات المتحدة على دعم الزراعة لأن دعم الزراعة فيه استقرار اجتماعي واقتصادي وأمن غذائي لجميع المواطنين ...... وإن أي تنمية لا تنطلق من دعم الزراعة ورفع مستوى الريف تضع البلاد في حلقة مفرغة وتجعل التنمية عرجاء لا تتمكن من الوقوف على قدم واحدة.
د. حسين القاضي وزير الصناعة السابق
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد