وعد المهنا : بخصوص عرق الجبين وأزمة اللغة
ماذا لو توجهنا بالسؤال.. بالتأكيد لا يمكننا التوجه بالسؤال للحكومة السورية، فمن تبقى لنا إذاً؟! ثمة مصطلح ( عرق الجبين ) يغيب يوماً بعد يوم ربما بفعل الطبيعة، ربما بفعل المناخ، هل تعرفون حقاً هذه الكلمة المناخ؟؟!
على سبيل المثال أتذكر أن المرة الأخيرة التي تعاملت بها مع هذه الكلمة كانت في إطار جمعية تعّرف نفسها بأنها جمعية المناخ وبالتأكيد هذه الجمعية لا تُعنى أبداً بالمناخ أي ما يشغل بال الأرصاد الجوية أو بال السياسيين ولا يندرج في إطار، كما تبين، المناخ العام.
فقط أتت جمعية المناخ لتقول أنها تُعنى بشأن المتضررين من تنفيذ مشروع محافظة دمشق الذي كان مزمعاً تنفيذه في منطقة شارع الملك فيصل.
اليوم وقد انتهت اللجنة المكلفة، بقرار رقم 776وتاريخ 7/5/2007 من وزير الثقافة، من إعداد توصياتها بخصوص تلك المنطقة الممتدة غرباً من سوق السروجية إلى البحصة وشرقاً حتى باب توما ولنختصر مفاد هذه التوصيات بأنها المعارك الشرسة التي خاضها سكان هذه المنطقة والصحفيون والكتّاب والمعماريون والمهتمون بما يُطلق عليه عادةً التراث أو تراث دمشق.
و إذا ما قررنا أن نخوض في معنى كلمة التراث، كما أسلفنا بالنسبة لكلمة المناخ، فلن نصل في زمن يعبر بنا، ولا ننتمي له، إلى أي معنى و ما نرمي إليه أن قضية تراث دمشق أو ما أطلقنا عليه معركة شارع الملك فيصل، وما أطلق عليه العالم أجمع تراثاً عالمياً لم يكن سوى سراب.
وإذا ما قررنا أن نتوغل ( بالتأكيد كلمة توغل تعني شيء من الهجومية) في معنى كلمة سراب فسنجد بالضرورة أن موقعنا تحديداً هو السراب وكأن جلّ مطلبنا من هذه المعركة أن نثبت أنه ليس كذلك.
و السراب هو بالتأكيد أن تخوض (كلمة هجومية أيضاً) معركة تستمر لسنوات كما لو أنك قد قررت أن تبرهن بأن الخشب يطفو على سطح الماء أي أرادوك أن تبرهن على البديهيات!
ولكنك تدرك بديهياً عزيزي القارئ أن سوريا، على سبيل المثال، هي بلدك أيضاً وحقيقةً أعجز أن أجعلك تسلّم بهذه البديهة وهذه الحقيقة أيضاً وقضيتي معك أنك تردد الكثير من الكلمات بلا إدراك للمعنى، وفي العودة لكلمة (سوريا) ستجد أنك لن تعرف ما المعنى من هذه الكلمة مباشرة، وإذا ما نظرنا بأنك باحث وعارف، ستخبرنا أن هذا الاسم قد أُطلق على هذه الأرض بفضل سايكس وبيكو فقط وليس أبعد منهما(؟!) وربما ستقرر العودة لفيليب حتي، المؤرخ الشهير، فاعلمْ بأنك لن تجد وفي أحسن حال ما يتجاوز نهمك لمعرفة حقيقة هذا الاسم!
إذاً مشكلتنا هي اللغة!
والرئيس في خطاب قسمه الأخير أشار إلى أزمة حادة مع اللغة، وأنا أثق بكل ما يقوله الرئيس، وأرغب أيضاً ها هنا أن أسأل عن معنى هذه الكلمة أيضاً وقد طاب لي يوماً أن أعرّفها بأنها الكلمة التي تتشكل من هوية وكرامة كل مواطن(؟)
والمواطن كلمة اشتقت من الوطن وجميعها كلمات إذا ما قررنا أن نخوض فيها سنعود إلى أن الأزمة برمتها أزمة لغة وإذا ما كانت اللغة في أبسط تعريف موجز لها بأنها دالٌ ومدلول فعلينا أن نعلن على الملأ بأننا نسقط يومياً في كل كلمة أحد أركانها أو كليهما.
قد يكون عصياً أن نتفهم أبا العلاء المعري في قوله (عدد أحرف الأبجدية يعادل عدد منازل القمر) لكنه جميلٌ لو تساءلنا مثلاً حول الجملة التالية ( شربت كأساً من الماء) فهل شربنا الكأس أم الماء؟! وجميل أيضاً أن نتساءل عن حال حكومتنا هذه الأيام، والحال منصوب في كل الأحوال، إلا في حال حكومتنا فهو في أغلب الظن مرفوعٌ وربما مكسور وربما أيضاً مقّدرٌ علينا ولا أظنه مبنياً إلا اللّهم إذا ما قررنا أنه ثمة بناء في دمشق يشير عليه البعض بأنه مبنيٌ للحكومة وإذا ما أردنا أن نسأل أيضاً عن معنى كلمة الحكومة فواحد مثلي عرّفها بأنها خادمة الشعب على رأي الدمشقي في الكلام المعسول (أنا خادم الطيبين) أو على طريقة فيروز (تعبك للناس وفرحك للناس) وطبعاً أعتبر هذا التعريف ضرباً من الهراء هذه الأيام.
لا أرغب في القول بأنني ملكٌ على اللغة فأنا أخشى أن ألصق الكلمات، لاسيما الأسماء، بأي حرف جر ولست راغباً في أن أجر اللغة برمتها كما حاملها إلى حتفها لا سمح الله(!)
لديّ مشكلة واحدة تتعلق بالفهم وعموماً لست من أنصار الفهم المطلق لا بل أبسط من ذلك بكثير فعندما يهاجم المدير العام للآثار والمتاحف السورية "الدكتور" بسام جاموس صحيفة (الجمل) الإلكترونية، في معرض ردّه عليها على أنها صحيفة تحمل اسم (حيوان) ونخشى أن المدير العام للآثار والمتاحف "د". جاموس قد نسي التعريف الأبسط للإنسان وهو (حيوان ناطق) وأي حيوان يعنيه المدير العام؟! سفينة الصحراء (الجمل) وهذا استهتار بالغ باللغة وأسرارها المقدسة فالمثل الشعبي يفيد مثلاً بالمعنى (يلي بدو يعمل جمّال بدو يعلي باب دارو) وكأن المدير العام للآثار والمتاحف اعتبر أن باب مديرية الآثار معدٌّ للأقزام فقط، هذا الباب الذي ما تقرر أن تلجه حتى تصافحك أعتى حضارات العالم وبالتأكيد منها تدمر وإذا ما عدنا لتدمر فسنجد أن أهم مكتشفاتها في العامين الأخيرين هو هذا الحيوان (الجمل) الذي اكتشفته بعثة فرنسية وملخص الاكتشاف يفيد بأن حجم الجمل المكتشف يقدر بضعف حجم الجمل المعروف اليوم وإذا ما عدنا للمثل الشعبي السالف الذكر قياساً لهذا الاكتشاف فسنرى أن المدير العام للآثار والمتاحف السورية د. بسام جاموس قد أغلق نهائياً باب "مديريته" وهذا ما يجعل تفسير تصريحه الأبدي (باب المديرية مفتوح للجميع) ساذجاً للغاية؟!!
ولأننا نؤمن بالدولة ندرك بأنه يجب التمييز بين منصب المدير العام والاسم الملحق به ونجدنا ملتزمين على الدوام بذلك ولذلك ننتظر دوماً التغيير. لكن نرجو أن لا نعود، كما في كل مرة، إلى مناقشة بديهية (الشخص المناسب في المكان المناسب) أيضاً لا كما اختار ابن المقفع أسماء أبطاله في (كليلة ودمنة) مع علمي أن هذه البديهة صعبة التحقق على الأقل أيضاً في حال المديرية العامة للآثار والمتاحف السورية والأسباب للأسف هي غاية في البداهة أيضاً منها كما قدمت لنا السنون المتعاقبة بأنه لا يوجد في الأرض التي نطلق عليها أيضاً (سوريا) ما يحقق بديهية (الشخص المناسب في ...) ولهذا يبدو دائماً منطق التغيير بلا دال ولا مدلول كما يلخصه قول العامة: (هل هناك أفضل منه في كتابة التقارير) أو ( هذا هو الموجود) أو (لم يعرفوا حينما اختاروه) وأيضاً (يعني الذي سوف يختارونه سيكون أفضل وربما كان أسوأ)..
في الخلاصة نجد أننا في أزمة لغة تكاد تكون هذه المرة قاتلة!
وهي أن الحديث وكمثال يدور دوماً حول صيغة (أفعل) وما من أحد يرغب في الاعتراف أننا مهزومون مهزومون مهزومون.
فبمجرد الاعتراف بالهزيمة أعتقد أننا سنستطيع أن نجلس معاً على أرضٍ، لنا، واحدة، ولابأس أن نبدأ بالسؤال، على اعتبار أن السؤال دليل وعي وبداية بحث، لماذا أطلقوا على تلك الأرض اسم (سوريا)؟! وربما بعد الإلمام ودقة البحث حول هذه الأرض نستطيع أن نقرر على سبيل المثال: هل يلائم هذه الأرض (الحضارة) أن تُدار بنظام جمهوري أو ملكي أو امبراطوري أو نحتاج أن تُدار، كما أدعي، على أنها متحف كوني في الهواء الطلق!!
هامش (1): يعتبر الجمل شعار أريتريا المقدس وهو ملصق على جواز سفر أليسا والتي تقول:" الجمل مقدس لدينا ونرفض ذبحه وأكل لحمه لأنه مقدس"! وتضيف أليسا: "عندما يموت نبكي عليه، كما الإنسان، لمدة ثلاثة أيام".
هامش (2): (ما في أكبر من الجمل) مثل شعبي أيضاً يطيب لرئيس تحرير صحيفة (الجمل) الإلكترونية أن يردده.
هامش (3): توجهت بالسؤال للكثير من الفرنسيين ماذا تعني كلمة فرنسا؟ ولماذا أطلقوا على تلك الأرض اسم فرنسا؟ وأخشى أن الجواب شأن (فرنسي) أيضاً!
هامش (4): أعتقد، وبما أن حال الأرض (الكوكب) في تراجع يومي، أنه يتوجب إعادة النظر بمنظومة التفكير كلياً.
لا يزال يحدثكم من دمشق.. وعد المهنا
متطوع لإنقاذ اللغة
إضافة تعليق جديد