وهم سيزر
الجمل - شادي أحمد
غني عن القول إن تاريخ (العقوبات) الأمريكية على سورية ليس جديداً و يعود ذلك لفترة طويلة، حيث كان هناك نوع من العقوبات (غير المعلن) و ذلك بمنع التعاون الاقتصادي بين الشركات الأمريكية و الاقتصاد السوري.
عدم التعاون الاقتصادي لم يكن من الطرف الأمريكي فقط بل كانت السياسة السورية في زمن الرئيس الراحل حافظ الأسد (حذرة) من التبعية الاقتصادية بين الدولتين مع وجود رغبة سورية في تنشيط العملية الاقتصادية و التنمية.
بدأت اول حزمة عقوبات اقتصادية معلنة من خلال قانون محاسبة سورية (قانون بولتون) و الذي أقره الكونغرس خلال فترة الرئيس بوش و تضمن ثلاثة بنود :
1- منع التعامل الاقتصادي و الاستثماري بين البلدين و منع الشركات الأمريكية من دخول السوق السورية بإستثناء الأنشطة المتعلقة بالدواء و الغذاء
2- تجميد أرصدة الحكومة السورية في البنوك الأمريكية.
3- تخفيض التمثيل الدبلوماسي و تقييد حركة الدبلوماسيين السوريين ضمن مسافة 25 ميل.
و مع ذلك فقد قامت بعض الشركات الأمريكية بتسجيل فروع لها في كندا و مدغشقر و بعض الدول الاوروبية الصغيرة و بعضها تقدم بطلبات استثناء من بنود القانون لأجل العمل في سورية.
الحزمة الثانية من العقوبات كانت في عام 2012 عندما اغلقت الدول الغربية سفاراتها في دمشق و فرضت حزمة واسعة في العقوبات ركزت بشكل كبير على قطاع الطاقة (النفط و مشتقاته) بمنع استيراد و تصدير النفط من و إلى سورية و كذلك على القطاع المالي و النقدي بمنع تعزيز الاعتمادات المستندية و تجميد جميع الأصول المالية في أوروبا و غيرها.تأثر الاقتصاد السوري بهذه العقوبات حيث فقد الاقتصاد موارده المالية من بيع النفط لأوروبا و البالغة تقريباً 150 الف برميل يومياً و التي تعادل سنوياً من 6 إلى 7 مليار دولار و بالتالي بدأت أزمة الطاقة و الوقود تظهر في سورية بشكل واضح ويضاف إلى ذلك أضعاف قدرة القطاع التجاري الحكومي من تأمين مستلزماته من الاستيراد بسبب تجميد الأصول المالية و عدم القدرة على تحريكها.
مع بدء الأزمة الحادة نتيجة العقوبات بدأ الاقتصاد السوري بعملية التكيف معها منعاً للإنهيار الكامل عن طريق عدة وسائل منها التعاون مع الاصدقاء (إيران روسيا..) و منها الاعتماد على رجال أعمال (معروفين و غير معروفين) و إضافة إلى وسائل لا يمكن ذكرها لضرورات الأمن الاقتصادي الوطني، فارتفعت الأسعار و اختنق وجود بعض المواد في السوق السورية (بدون فقدانها بالكامل)
في عام 2016 تقدمت مجموعة من النواب الجمهوريين بمشروع قانون لفرض عقوبات على الاقتصاد السوري تحت اسم (قانون سيزر-القيصر) و يعود ذلك بسبب فبركة إعلامية تمثلت بشهادة ما سمي بالضابط السوري المنشق باسمه الحركي (قيصر) و الذي قدم 11 الف صورة لمشاهدة تعذيب داخل السجون السورية (تم فضح عملية تركيب الصور من قبل وسائل إعلام غربية)
تم تحضير القانون تحت عبارة (حماية المدنيين السوريين) و لكنه غاب في الادراج و لم تتم مناقشته و لذلك للأسباب التالية :
1- اعتقاد الإدارة الأمريكية بأن المجموعات المسلحة الإرهابية ما زالت قادرة على إسقاط الدولة إذا ما أضيف لها التدخل و العدوان العسكري الأمريكي و الاسرائيلي.
2- فتح ملف السلاح الكيماوي السوري و تبعا لذلك رؤية الإدارة الأمريكية لضرورة عدم طرح الملفين بشكل مشترك مما قد يؤثر على مسار أحدهما.
3- منح وكالة الاستخبارات الأمريكية CIA فرصة من أجل استكمال المعلومات الخاصة بالطرق و الوسائل السرية التي تستخدمها سورية في تأمين احتياجاتها
4- أولوية فرض عقوبات على إيران و روسيا لتجفيف موارد إمداد الاقتصاد السوري (إضافة إلى هدف معاقبة إيران و روسيا بشكل منفصل)
و لكن مع اخفاق المجموعات الإرهابية و اخفاق إدانة سورية بمسؤوليتها عن الهجمات الكيماوية و عدم نجاعة العدوان العسكري الأمريكي الاسرائيلي، بدأت الإدارة الأمريكية بالشروع لإحياء قانون (سيزر)... بل تم تنفيذ بنود من القانون قبل اقراره و ذلك بتاريخ 15/10/2018.. و هو التاريخ الرسمي لبدء (الحرب الاقتصادية على سورية)
[و الذي توقعته شخصياً قبل 3 سنوات ببرنامج من الأرض لاوغاريت دندش على قناة الميادين]
(نظراً لطول المقال و التحليل سأكتفي اليوم بهذا التمهيد، و نتابع لاحقاً مكونات هذه الحرب، تحليل قانون (سيزر)، تأثير القانون، الإجراءات السورية الطارئة و طويلة الأمد لمواجهة هذه الحرب، مقترحات و خطة عمل)
*ملاحظة : استخدمت مصطلح العقوبات مجازاً اما التسمية القانونية الصحيحة هي الإجراءات القسرية احادية الجانب.
إضافة تعليق جديد