275 مليون طفل عدد «المتفرّجين» على نزاعات الأهل...

22-11-2008

275 مليون طفل عدد «المتفرّجين» على نزاعات الأهل...

صندوق عجائب من نوع آخر، عيون صغيرة تتسع وتضيق وأرواح تنقبض... صغار أمام فرجة أقوى منهم، هي ليست غرائب في مدن العجائب ولكنها «استعراض» محلي (بل منزلي) مؤذٍ وخطير ودون المستوى... هكذا يمكن وصف الصغار وهم يتابعون مشاهد العنف اليومية بين اهلهم. قلوب صغيرة تعيش فجاجة غير منصفة تحصل بين أقرب الناس إليهم.

«صار المشهد عادياً وأقل من عادي»، يعبر فارس (15 سنة)، باستسلام غاضب، قبل أن يضيف: «أبي يصرخ وأمي تبكي، أبي يشتم وأمي تبكي... كنت اعتدت البكاء معها. أما اليوم فأنا أشعر بأن الأمر لم يعد يستحق. بدأت أكرههم، أكره صراخهم، أشعر به في أذنيّ ليل نهار. لست أدري لماذا تزوجا، وما ذنبي أنا لأدفع الثمن».

فارس وكثر غيره من الأبناء «الأبرياء»، يعيشون يومياً مشادات مؤلمة، ولو بدرجات متفاوتة. بعضهم يلوذ بالصمت، بينما يجد بعضهم الآخر للهروب سبلاً مختلفة، فسمير (19 سنة) لا يطيق العودة إلى المنزل بسبب «المعارك» المستمرة بين والديه. هو يمضي نهاره بين الجامعة والمقاهي الشعبية الرخيصة. واتّخذت سهى من غرفتها وسماعتيّ «الوكمان» أصدقاء وحدتها وسبيلاً للفرار من «الموسيقى والأنغام المختلفة التي «يعزفها» والداي عند وقوع المشكل»، كما تقول ساخرة.

والأطفال لا يبقون دائماً في موقع المتفرج. أحياناً كثيرة ينالون قسطهم من «العلْقة». وتقول نورا (16 سنة)، بأسى: «لا أستطيع أن أقف مكتوفة عندما ينهال أبي بالضرب على أمي. أحاول ردعه فأنال نصيبي من اللكمات والسباب والشتائم». ولم تستطع عينا الصبية حبس الدموع التي سالت إذ صرخت: «كم أكرههما!».

يشدد أهل الخبرة في العمل الاجتماعي والطب النفسي على أن الجدال العنيف والمستمر داخل الأسرة، والضغط النفسي الذي يعانيه الأطفال جراء معاملة الأهل، عوامل تؤدّي إلى ايجاد أجواء من التوتر والخوف داخل المنزل، تفضي أحياناً كثيرة إلى اضطرابات نفسية وردود فعل مختلفة عند الأطفال، كالعدوانية أو العصبية الزائدة أو الخجل الزائد (حتى الانطواء)، والارتباك النطقي، أي التأتأة.

وكشفت دراسة عالمية أصدرتها «يونيسف»، بالتعاون مع شركة «بودي شوب إنترناشونال»، في 2006، التأثيرات المدمّرة والدائمة للعنف المنزلي على الصغار. وتقدر الدراسة عدد الأطفال الذين يشهدون على أعمال عنف منزلي في العالم، بنحو 275 مليوناً. وتواجههم، في مراحل مختلفة من نموّهم، جملة من التأثيرات المحتملة، منها ضعف الأداء المدرسي وقلة المهارة الاجتماعية والاكتئاب والإحساس بالقلق، وغير ذلك من المشاكل النفسية، ما يجعلهم أكثر عرضة لتعاطي المخدرات والانحراف، في فترات المراهقة، ويؤثر أيضاً في قدرتهم الطبيعية على بناء عائلة سوية ومتوازنة في المستقبل.

ورأي كل من نورا وسمير في الزواج على طرفي نقيض. نورا ترى صورة أبيها في كل الرجال ويرعبها ذلك من فكرة الزواج والانتهاء إلى حال أمها المزرية، في حين يجد سمير أن المستقبل أجمل وأحلى، ويعد نفسه بأن يحول كل قسوة أبويه حناناً وحباً لزوجته وأولاده.

ويجد بعض النشطاء في مجال حقوق الطفل والأسرة، أن الاهتمام الدولي بموضوع العنف المنزلي أخذ يتراجع مع ارتفاع موجة العنف التي تجتاح العالم اليوم، فمشاهد القتل والدم البشعة التي تبثها الفضائيات، لها أيضاً انعكاساتها السلبية الخطيرة على نفسية الشباب والطفولة. وعلى رغم ذلك التأثير الخارجي، يبقى العنف المنزلي في الدرجة الأولى ذا تأثير مضاعف في نفسية الطفل وقدرته على العطاء. كيف لا والفاعل هنا هو قريب روحاً وجسداً، هو الأب والأم ركيزة الأسرة وأساس التربية والتوجيه.

ذكريات هؤلاء الأطفال لن تصبح أبداً من الماضي، ولو لم تنقلها نشرات الأخبار اليومية، فهي أيضاً تستحق أن نقف عندها ملياً، علّنا ننقذ براءة أجيال مقبلة!

بيسان البني

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...