سياحة الشقق المفروشة
شقق، وفلل، وقصور.. للإيجار في قلب دمشق.. شقق مفروشة (ديلوكس) مع «شغالة» في أرقى مناطق العاصمة.. أجمل الشقق وألطف إطلالة على وادي بردى.. كل تلك العبارات والعروض والخدمات المرافقة لها موجودة على مواقع ومنتديات الإنترنت الخاصة بالشقق المفروشة في سورية، والتي يغلب على روادها الجنسيات الخليجية، حيث يتراوح أجر الشقة المفروشة لدى ( أبي رامي ) بين 2500 ليرة و7000 ليرة في اليوم، ويزيد على ذلك في بعض الشقق الفارهة إلى 20 ألف ليرة في اليوم.. «مع شغالة». فلدى أبي جميل شقتان في مساكن برزة وجرمانا، وشقق أخرى ديلوكس في المزة والتجارة والمالكي والزبداني ويعفور ووادي بردى..
¶ سياحة غير مضبوطة
استقرار السياحة السورية وثبات النمو يأتي، بحسب تصريح وزير السياحة سعد الله آغة القلعة، من أنَّ 59 % من السياح يأتون من الوطن العربي، لا سيما من منطقة الخليج. فمن أصل 6 ملايين سائح يأمّون سورية سنوياً، مليونان يقيمون في الفنادق بـ11.5 مليون ليلة فندقية، و1.8 مليون يقيمون في شقق مفروشة، و2.2 في التصنيف الشعبي والإقامة شبه المجانية، ويشكل الذين يقيمون في شقق مفروشة 24 مليون ليلة؛ لأنَّ أغلبهم من العرب، حيث بلغ إجمالي عدد السياح العرب في العام (2009) 3.590.273 سائح، مقابل 3.311.010 سائح في العام 2008، بمعدل نمو 8 %. وظهر أنَّ عدد السياح الخليجيين، خلال العام 2009، وصل إلى 309ر764 ألف سائح، مقابل 296ر659 ألف سائح، مقارنة مع العام 2008 بنسبة نمو 16 %، حيث تركَّزت الزيادة في الجنسية السعودية 18 %، والكويتية 15 %، والبحرينية 15 %، والإماراتية 15 %. ويلاحظ، من خلال تلك الأرقام، أنَّ أغلب السياح العرب يرغبون في الإقامة في شقق مفروشة في سورية، نظراً إلى وجودهم كعائلة أو كونهم في مجموعة.. إلا أنَّ معظم هذه الشقق ما زال خارج إشراف وزارة السياحة، وأغلبها يعمل في الخفاء؛ ما يوفر أرضاً خصبة لطرق الغش والابتزاز والغلاء، وصولاً إلى الدعارة ولواحقها.. ويعتبر الاستشاري الاقتصادي سعد بساطة أنَّ هذا الجانب غير المنظم من العمل السياحي يكاد يحتلّ الصورة الكلية لاقتصاد السياحة السورية. ولدى سؤال أي ّمركز سياحي، نحصل في الدول السياحية عـلى قائمة بالشقق المتاحة (العـنوان، المواصفات، السعـر..). أما المشكلة التي نعـانيها هنا هي أنّ المتاح غـير معـلن، وأسعـاره تشطح صعـوداً مع الطلب حتى تقارب عـنان السماء. أما عـن الرقابة الصحية، أو متابعـة المستأجرين، فغـنيٌّ عـن القول إنّ هذا الموضوع غـير مطبـّق حالياً!. لذا نرى اختلاط الحابل بالنابل. وأغـلب هذه البيوت تحوّل، تبعـاً لذلك، إلى مواخير للدعـارة، وما يحيط بهذا النشاط من أمراضٍ وعـلل.
ممنوع تأجير الشقق!..
يُمنع تأجير مساكن المواطنين للسياح في معظم الدول عدا سورية؛ يقول صلاح خربطلي (مدير التخطيط السابق في وزارة السياحة): تأجير الشقق المفروشة منظم ومقونن في الدول السياحية، بحيث يتمّ تسجيل المساكن التي يرغب أصحابها في تأجيرها للسياحة وتتوافر فيها الشروط السياحية (أي التصنيف). وتقدّم هذه الشقق المسجلة إحصاءات، كما تلتزم بتعليمات التعامل مع السائح، من حيث تقاضي العملة الأجنبية، وتوفير بعض الخدمات للسائح- هذا في البلاد المتقدمة. أما ما يجري في سورية، فهو تأجير مساكن المواطنين العاديين والتي لا تتوافر، في معظمها، الخدمات المطلوبة، سواء في الموقع والتجهيزات أم لوازم الإقامة، كما لا تقدّم هذه المساكن إحصاءات، أو هي غير مسجلة.
ويظهر، إلى جانب ذلك، أوساط المكاتب العقارية وسماسرة الشقق المتخصصين بتأمين الشقق المفروشة للسياح والخدمات المرافقة لها، بالإضافة إلى سائق التكسي أو الدليل، حيث يصطاد السائح لحظة تدوس قدمه أرض المطار، ليرشده إلى أماكن السهر والسمر، لقاء عمولة يقتطعها من الطرفين. والأهم تقوم هذه المكاتب بتأمين الخادمة أو الشغالة «مع التحفظ على المعنى المباشر للكلمة»، ويمكن للسائح البحث عن عناوين وأرقام هذه المكاتب عبر شبكة الإنترنت أيضاً.
قرار من ورق
أصدرت وزارة السياحة القرار رقم 600 الخاص بتنظيم الشقق المفروشة والمعدة للإيجار، واعتبرتها دوراً سياحية مستقلة تخضع لإشراف وزارة السياحة ومراقبتها، بما في ذلك التأهيل والتصنيف والترخيص. ووضع القرار ثلاث درجات للشقق (ممتاز، جيد، عادي)، واشترط أن تتميّز بالأناقة والرفاهية الكاملة، وأن تكون مجهزة بأفضل المعدات الحديثة.. إلا أنَّ القانون قُوبل بممانعة كبيرة من قبل معظم أصحاب الشقق الذين رفضوا تسجيل شققهم لدى وزارة السياحة أو الانضواء تحت مظلة اتحاد غرف السياحة؛ إما بسبب الخوف من الضرائب أو بسبب ممارستهم أنشطة غير قانونية في أحيان أخرى، إضافة إلى عدم توضيح القرار للفائدة المتحققة من تنظيم هذه الشقق وتسجيلها. لذلك بقيت أعداد هذه المساكن مجهولة وغير موثقة. لكنّ التقدير التقريبي لعددها، في فترة ذروة الموسم، بحسب الاستشاري الاقتصادي سعد بساطة، يتراوح بين 100-200 ألف شقة في محافظة دمشق وحدها!!. لذلك يحتاج الوضع -والكلام لبساطة- إلى رقابة نظيفة بعـيدة عـن الابتزاز، بالتنسيق بين وزارتي الداخلية والسياحة، بدءاً بمسح ميداني لتلك الشقق، وتوصيفها وأرشفتها، وفرض شروط صحية ومواصفاتية شديدة تتوافر فيها، كي تكون في سوية ملائمة لتخدّم السياحة وتلبّي طلب السائح.
وجه آخر للاقتصاد
إذا افترضنا أنَّ الفنادق ذات الجودة المتدنية والنوادي الليلية والشقق المفروشة الخارجة عن القانون تندرج كلها تحت اسم «التسهيلات المتاحة للسياح على اختلاف جنسياتهم»، وتتضمّن الاعتراف المبطن بأنَّ الدعارة هي أحد أوجه الاقتصاد، فإنَّ المشكلة هي أنَّ الجزء الأكبر من السياح العرب يقصدون السياحة العائلية ويرغبون في الشقق المفروشة، لهدف آخر هو الحفاظ على خصوصيتهم وتوفير وسائل الراحة في منزل مستقل. ومن المؤكد في سورية أنَّ عدد النزلاء العرب أقلّ من عدد النزلاء الأجانب في الفنادق، حيث أظهرت دراسة نشرت سابقاً أنه، على الرغم من أنَّ عدد القادمين العرب يفوق بأضعاف عدد القادمين الأجانب، إلا أنَّ القادمين العرب يفضّلون استئجار الشقق المفروشة على النزول في الفنادق التي تفتقر إلى أجنحة تشبع رغبات هؤلاء السياح. ومن هنا تتّضح ضرورة إعادة النظر في السياسة التسويقية للفنادق، من حيث المكان والتجهيز والسعر وتسهيل الإجراءات.. كي تتوافق مع رغبات القادمين العرب الذين يشكّلون النسبة الأكبر من عدد القادمين، لاسيما أنَّ نسبة النزلاء العرب إلى القادمين العرب في تناقص مستمر.
سلبيات الشقق المفروشة
يسوق مدير التخطيط السابق في وزارة السياحة (صلاح خربطلي) مجموعة من الإشكالات الناتجة عن الشقق المفروشة غير المنظمة: النزيل في الفندق يدفع بالقطع الأجنبي، بينما في المساكن يدفع بالعملة السورية أو غيرها؛ أي لا تورد للدولة، وبالتالي تحرمنا من مورد للقطع الأجنبي. وينزل في الفندق شخص أو اثنين في الغرفة، أما المسكن فقد يزيد على 7 أشخاص. التعرفة في الفنادق معروفة ومعلنة، أما في الشقق المفروشة فهي أقل من 30 %؛ أي نفقد دخلاً سياحياً أو أكثر، وبالتالي نفقد السائح. في الفندق هناك أمان وخدمات ورعاية ونظافة، أما في المساكن فيتعرض السائح إلى حوادث عديدة. وفي الفندق مراقبة والتزامات للزبون، أما المساكن فقد تستخدم لأغراض الدعارة وينشط فيها السماسرة والمحتالون.. لذلك تشكل هذه الشقق، في وضعها الراهن، مصيبة على السياحة السورية. والحلّ، في رأي خربطلي، هو منع التأجير، إلا بعد التصنيف والتسجيل وتوفير الخدمة والمراقبة والاستيفاء بالعملة الأجنبية والترخيص ووجود دفتر إحصاء.
شقق تسرح وتمرح
لا يتعدَّى عدد الشقق المسجلة في وزارة السياحة ألفي شقة، رغم أنَّ الأربع والعشرين مليون ليلة في الشقق المفروشة، التي تحدَّث عنها وزير السياحة في أحد تصريحاته، تحتاج إلى أكثر من 50 ألف شقة، بحيث تكون كلّ شقة قد أشغلت على مدار العام كله (أي 365 يوماً). ويرى د. بساطة أنَّ هذا وضع طبيعـي للغـاية وموجود في مصر وتونس والغرب، حيث إنّ الطبيعـة لا ترحـّب بالفراغ. لذلك ظهرت بيوت متناثرة لتخديم من يرغـب. ولكن الفرق الوحيد أنـّها هنا تسرح وتمرح دون عـلم الحكومة «عـلى الأقل رسمياً»!..
وكان وزير السياحة قال، في افتتاح ملتقى الاستثمار السياحي: إنَّ معدل نمو الشقق الفندقية 18 %، وسنضاعف هذا العدد العام 2013؛ لأننا بحاجة الى 24 مليون ليلة جديدة في الشقق المفروشة خلال 4 سنوات، حيث تطلق وزارة السياحة هذا العام مشاريع فنادق الشقق، التي حدَّد وزير السياحة عددها بـ33 مشروعاً. ويفترض أن تحقق جدوى اقتصادية عالية جداً. وبحسب وزير السياحة أيضاً، فإنَّ هذه الفنادق لن تنافس الشقق المفروشة والمؤجرة، لأنها تتناسب مع النمو في السنوات القادمة في عدد السياح.
كيان جمعة
المصدر: بلدنا
التعليقات
تسجيل الشقق!!!!
إضافة تعليق جديد