المعرفة جنتنا والجهل جحيمنا
لن يصل السوريون إلى شاطئ السلام إذا لم يركبوا سفينة المعرفة، فالمعرفة قوة وهي نصف الطريق نحو النصر. وقد بدأ ربنا رسالته لنا بدعوتنا إلى القراءة، غير أن رسولنا الأمي لم يتمكن من إقناعنا بأنها الطريق إلى جنتنا، فأخّر أجدادنا سورة إقرأ إلى آخر الكتاب الكريم الذي بدأوه بسورة البقرة الصفراء التي تسر الناظرين، فبقينا أمة بصر لا بصيرة.
واليوم أرى أن حالنا من حال كتبنا وكتابنا، إذ مازال الكتاب في آخر سلسلة الوسائل المعرفية، بينما بات التلفزيون والإعلانات هي المعلم الأول لعامة الناس، وبقيت فعالية القراءة في مستوياتها السطحية، وبات أنصاف المتعلمين هم من يوجهون مسيرة الأمة وسط هذا الطوفان، دون أن ندرك بعد أن المعرفة هي سفينة نوح المنقذة من الضلال ..
فعلى الرغم من أن الدولة السورية عملت على مجانية التعليم والثقافة ورمزية بدل القراءة عبر مئات المراكز الثقافية، فإن شهوة القراءة والمعرفة مازالت ضعيفة في حياتنا، ولولا ذلك لما تمكن السلفيون من اختراق أمننا الثقافي وتمزيق وحدة المجتمع السوري وسلامه.
وبما أننا شعب يهوى الحكايات التي تشكل مجمل معرفته لنفسه والعالم فقد استخدمتُ تقنية الحكاية في سائر أنواع الكتابة التي أنتجتها خلال ثلاثة عقود حاولت أن أقدم فيها رواية سوريا الجديدة على امتداد مئة عام مضت، بالتعاون مع نخبة الكتاب السوريين، بعدما لاحظت أن ثقافة رفاقنا البعثيين قد ركزت على التاريخ العربي المجيد، بينما اقتصر الإخونج على التاريخ الإسلامي العتيد، أما القوميون الاجتماعيون فقد عادوا بنا إلى تاريخ سوريا التليد، فأهملوا جميعاً تاريخ سوريا الحديث وصنّاعه، وبالتالي فقد أُجهضت كل حركات الحداثة على أرضنا لصالح جماعة (السلف الميت) فكنا هدفاً سهلاً لكل أشكال الغزو السلفي الذي أنتج كل هذه الجماعات الأصولية المسلحة التي تؤخر مسيرتنا نحو المستقبل، فنواجهها بالبنادق ونهادنها في ثقافتها التي تعيد إنتاج الصراع التاريخي بين مكونات المجتمع السوري.
خلال السنوات العشرة الماضية اشتغلت على تسجيل مسيرة السوريين خلال القرن العشرين، فأنتجت العديد من الكتب والموسوعات، وكان همي أن أؤرخ للحلم السوري منذ جلاء العثماني عن ديارنا قبل مئة عام، فتتبعت حكايات الآباء المؤسسين وحاولت جاهدا في كتبي أن أفهم الخطأ الذي وقعنا فيه حتى وصلنا إلى ما نحن عليه من بؤس وخراب، وأنا الآن بصدد العمل على كتاب «تاريخ الجنون السوري» عبر تفكيك ألغامنا الثقافية التي خلفها الغزاة في أرضنا ومازالت تنفجر في وجهنا كل حين.. وفي كتابنا هذا «يوميات الحرب على سوريا» بالإضافة إلى التأريخ اليومي للأحداث خلال سنوات الحرب الخمس التي أعدها الصديق بسام الحكيم قدمت دراسة مدعمة بالوثائق السرية والمراسلات بين أبطال الخراب السوري الذين بدأوا بالإعداد له منذ عام 2009، وأظنني ملأت الفراغات لحكاية الحرب التي نعيشها وكشفت خباياها وأسبابها المباشرة وغير المباشرة، ذلك أن معرفة النتائج مرهونة بالمقدمات، ولن نستطيع إنهاء هذه الحرب إذا لم نفهمها، ذلك أن (السوريين يموتون من قلة المعرفة) حسب الجملة الأولى التي بدأت بها كتابي السابق عن الحرب، ومازلت أؤكد عليها في هذا الكتاب الجديد الذي يشكل الفصل الثالث من تدويني للحرب السورية، حيث صدر كتابي الأول «سورية عام من الدم» سنة 2012 وكتابي «المختصر المفيد في حرب الشعب السوري العنيد» سنة 2014 أي بمعدل كتاب كل عامين، وآمل انتهاء هذي الحرب قبل قراءة كتابنا الرابع عنها.
كلمتي التي ألقيتها اليوم في قاعة الأمويين بفندق الشام بمناسبة توقيعي على الكتاب المذكور
نبيل صالح
التعليقات
بوركت جهودكم
دولة القانون والعدالة
القادم
يداً بيد
مبروك
إضافة تعليق جديد