التغيّر المناخي وإعصار «هايان»: عالم أشد حرارة يعني مناخاً أكثر تطرفاً
في الوقت الذي كان العالم يستعد لأكبر عملية تدمير يحدثها غضب الطبيعة في الفليبين، كان الديبلوماسي الفليبيني ناديريف سانو يستعد لرئاسة وفد بلاده إلى مباحثات في العاصمة البولندية وارسو. وسانو، هو عالم ورئيس اللجنة الوطنية للمناخ في الفليبين، وقد غادر العاصمة مانيلا إلى وارسو قبل ساعات فقط من اكتشاف سعة وقوة إعصار «هايان» المدمر.
وفي وارسو، علم الديبلوماسي الشاب أن أقوى إعصار سجلته الأرصاد الجوية حتى الآن، قد ضرب بلاده قاتلاً الآلاف من السكان ومشرداً الملايين منهم. وبالرغم من ذلك، صعد إلى المنبر بخطوات متوترة أمام 190 مندوباً من دول العالم، وألقى كلمة حماسية ربط فيها بين إعصار «هايان» والتغير المناخي الذي أحدثه نشاط الإنسان.
وهاجم سانو الدول الغنية، داعياً الرافضين لنظرية التغير المناخي إلى الذهاب إلى بلاده ليروا بأنفسهم حجم الكارثة. وعندما عاد إلى مقعده، أجهش المفاوض الفليبيني بالبكاء، وحصد لحظة وقوف عارمة من الحضور.
ما قام به سانو لم يكن عبارة عن عرض مسرحي ديبلوماسي أو انتقاد صحيح من قبل مندوب دولة نامية للمباحثات المناخية، التي تسير كالسلحفاة منذ أعوام، ومن المرجح ألا تفضي إلى شيء في العام 2015 موعد اختتامها. فالقليل من الحاضرين في وارسو علموا أنه في الوقت الذي كان سانو يلقي كلمته، كان شقيقه يحفر في أنقاض الدمار في بلدة تالكوبان لإنقاذ الضحايا، ولم يكن يعرف الكثير عن مصير أقاربه الذين طالهم الإعصار.
وأعلن سانو، الذي يعرف عن نفسه على حسابه على موقع «تويتر» بأنه «فيلسوف» و«ثائر»، أنه سيبدأ إضراباً عن الطعام طوال فترة انعقاد المباحثات في وارسو، التي بدأت في 11 من الشهر الحالي، وتنتهي في الـ22 منه. وانضم إليه 30 ناشطاً حتى الآن.
وأعاد خطاب سانو تأجيج السجال المتصاعد حول العلاقة بين الأحداث المناخية وظاهرة الاحتباس الحراري.
وفي الحقيقة، يفترض المنطق العلمي ترابطاً بين إعصار «هايان» وعالم أشد حرارة. فالعواصف تستمد قوتها من المحيطات. والمحيطات، التي أصبحت أكثر دفئاً نتيجة الاحتباس الحراري، ستولد عواصف خارقة كإعصار «هايان». وتشير الأبحاث العلمية الحديثة إلى أن حرارة مياه المحيط الهادئ آخذة بالارتفاع بسرعة هي الأقوى منذ عشرة آلاف سنة. وإذا تبخرت الحرارة الإضافية المحبوسة في المحيطات، فستزداد حدة العواصف. وباختصار فإن «عالماً أشد حرارة يعني مناخاً أكثر تطرفاً».
ويقول مدير «معهد التغير المناخي» في جامعة أستراليا ويل ستيفن إن «الأعاصير المدارية تأخذ قوتها الهائلة من حرارة المياه، وبما أن مياه أسطح المحيطات والبحار آخذة بالارتفاع، فهذا دليل مباشر لمدى تأثير التغير المناخي على طبيعة الأعاصير».
ويضيف رئيس مجموعة «كلايمات دايناميك» في جامعة أوكسفورد مايلز آلن أن «الاتفاق السائد هو أن الاحتباس الحراري لا يسبب حتى الآن ارتفاعاً في حدة خطر الأعاصير، ولكن هناك أدلة علمية ملموسة ترفع من احتمال حصول أعاصير أشد ضراوة في المستقبل».
ويفتح التطور العلمي اليوم المجال أمام أساليب تقنية جديدة لتحديد حجم المتغيرات وأسبابها في أي حدث مناخي. ويقول الباحث في وزارة الطاقة الأميركية جايمس برادبوري إنه «كان يصعب في السابق نسب أي حدث طبيعي معين إلى التغير المناخي بسبب الطبيعة العبثية والعشوائية للأحداث المناخية التي تحصل في العالم»، مؤكداً أن «العلماء أصبحوا قادرين اليوم، بفضل تقنيات البحث الحديثة وأنظمة جمع المعلومات المتطورة، على رصد الترابط بين الأحداث المناخية المتطرفة والتغير المناخي».
وحالياً، تزداد البراهين، التي تؤكد أن التغير المناخي سوف يزيد من نسبة حصول موجات الحر والجفاف والأعاصير في المستقبل.
وتؤكد دراسة أجراها البروفسور كيري إيمانويل من معهد «ماساشوسيتس للتكنولوجيا» أن الأعاصير القوية من الفئة الثالثة إلى الخامسة سوف تزداد حدتها نتيجة التغير المناخي، وان الزيادة في نسبة الأعاصير المدارية سوف تتركز غرب المحيط الهادئ الشمالي، أي في المنطقة التي ضربها إعصار «هايان».
و«هايان» ليس سوى الإعصار الثالث الأقوى الذي يضرب الفليبين خلال عام واحد، وقد سبقته موجة من الأعاصير الخفيفة.
لقد دعا الديبلوماسي الفليبيني إلى إعادة تعريف مصطلح «الكوارث المناخية». وهو يقول إنه لم يعد بالإمكان تسميتها كوارث «طبيعية»، في الوقت الذي تخضع فيه إلى نشاط إنساني متزايد يؤدي إلى «التغير المناخي».
(عن الـ«غارديان»)
إضافة تعليق جديد